الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوط

هيثم بن محمد شطورو

2022 / 1 / 10
الادب والفن


للمطر رنين مطرب. هكذا غنت فلذة الكبد وهي تعبث بالماء. البارحة اشترى لها أبوها "بوط"، وهو حذاء بلاستيكي ذو رقبة طويلة وداخله مكسو بطبقة من القماش لينة تبعث الدفء في الساق. المطر يتـقاطر بهدوء وانقطاعات منذ يوم أمس وهو من المرجح أن يتواصل أمره على هذه الشاكلة الموسيقية لبضعة أيام وفق التـنبؤات الجوية. كان "البوط" شيئا ساحرا. أصبح مطلبا ملحا. ما أروع المشي في المطر بـ"البوط". السماء الداكنة بالسحب ورائحة الهواء الزكية والبرد المفعم بإحساس لذيذ. الطبيخ الساخن المتدافعة منه خيوط البخار. محمص بالخضار وفيه عظمة مسلوقة. الطبيخة ذاك الحساء المكون من الفول والعدس أو اللبلابي ذاك الحساء المكون من الحمص والعدس كذلك. الأم والجدة يتراوحن في الفناء جيئة وذهابا. الأب الداخل إلى البيت من العمل. كل ذلك يشكل أحاسيس لذيذة جدا ومتـشابكة بعضها مع بعض بحيث نقول عنها "جو". هذه الكلمة تعرب عن إحساس الفرح.
"البوط" يكمن سحره في ارتباطه بذاك الجو كله. السماء الداكنة كأنها تتحول إلى غطاء يضم الجميع وذاك الضم هو مبعث الإحساس بتلك السعادة. "البوط" فيه بواسطة ذاك الجو كله إحساس آخر رهيب وهو متعلق بالانـفـتاح الحر على الحياة وعلى المستـقبل. في الطفولة يكون جانب من السحر كبير ناتج عن ذاك الإحساس الكبير بتـنوع وكبر العالم وذاك الإحساس يكون مترافقا مع خيال لذيذ حر يستغرقك في ملذات رهيبة عديدة نتيجة حياتك الحرة لكل ما تريد بواسطة الخيال. "البوط" والمشي تحت المطر بذاك الجو كله، وعبورك لبرك الماء بواسطة "البوط" دون أن تبتل ساقيك الدافئـتين داخله. ذاك العبور والتـقدم في الأرض بكل ذاك المرح هو السحر العظيم الذي نفتـقده اليوم. لماذا نـفتـقده اليوم؟ نـفتـقده لسبب رئيسي وهو الحالة العامة الخرائية وخاصة حكم الجهلة فينا. الحكم لا يعني السلطة السياسية فقط فهذا اختـزال سطحي. الحكم هو الثقافة العامة أو العقلية الخرائية العامة التي تـقتل في البلد وتكبح ذاك المرح العظيم في التقدم والعبور في الأرض بتلك الروحية الملائكية الطفولية، فتبا لهم جميعا...
كان المقهى مرتـفعا بنحو متر على الطريق. انه مقهى لمحطة وقود. صفحته كلها من البلور، وكانت متعتي أن أترشف قهوتي وأدخن سجائري متواصلا مع المطر الخفيف ومتـنـقلا بين السيارات التي تقف لملئ الوقود والوقوف عند مختلف الوجوه الرجالية والنسائية. سيارة بيضاء صغيرة بعد أن ملئت خزان الوقود، توقفت جانبا ونزلت منها فتاة ودخلت إلى المقهى. كان المقهى فارغا أي جل الطاولات شاغرة. أخذت قهوتها من الكونتوار وجاءت لتجلس إلى جانبي. دون أن تلقي التحية قالت:
ـ يبدو أنك تتأمل المطر.
قلت بنبرة لم تخفي إعجابي بهذا الهجوم الرقيق الجريء:
ـ نعم. أنا أصلا الكائن المتأمل في كل شيء..
ـ رائع. يعني انك لازلت طفلا مثلي....
واسترسلت في حديثها الحار المفعم بالعذوبة و هي تتحدث عن البوط الذي يقفز إلى ذهنها مباشرة مع كل هطول مطر خفيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم