الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة ألمانيا اليسارية الى أين؟

آزاد أحمد علي

2022 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


هذا السؤال يوجه بشكل عام في أوربا لكل التيار الاشتراكي الديمقراطي والخضر كحلفاء مقربين، ولا يخص الحكومة الألمانية الراهنة فقط، فالحكومة الألمانية قد تشكلت من ائتلاف يساري مكون من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والديمقراطي الحر). لكن تبقى الحكومة الألمانية هي الأهم في الاختبار العملي، فسياسة هذا الائتلاف الداخلية واضحة وقائمة على أساس التكافل الاجتماعي وتقديم مزيد من الخدمات الصحية وحل أزمة السكن إضافة الى الحفاظ على البيئة. فضلا عن اتباع سياسة جديدة في حقل الطاقة، وصولا إلى التقليل من معاداة المهاجرين، لكن تكم الصعوبة في ترسيخ ملامح وخطوط سياستهم الخارجية، أو يصعب بلورتها بعد عهد طويل من هيكلة ميركل وفريقها المحافظ لأساسيات الدبلوماسية الخارجية الألمانية.
عناوين السياسة الخارجية لحكومة ألمانيا اليسارية ستظل مرتبطة مع أهمية العلاقات داخل الاتحاد الأوربي، ومن ثم تبقى رهينة إشكالية العلاقة مع روسيا عموما، وكيفية معالجة الأزمة الأوكرانية الراهنة بشكل خاص. كما سيكون إمكانية تعديل العلاقة مع تركيا أحد التحديات التي ستواجه كل من المستشار أولف شولتز الاشتراكي، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك (الخضراء).
في أول نشاط دبلوماسي لها زارت وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك واشنطن يوم الخامس من يناير الجاري مفتتحة عملها الدبلوماسي في العام الجديد باللقاء مع وزير خارجية أمريكا أنتوني بلنكين. ناقشا في اللقاء العديد من القضايا الساخنة على الساحة العالمية: بروسيا وأوكرانيا، إيران وليبيا، وكذلك إمكانية تنسيق التعامل مع الصين وتشخيص خطرها على تايوان، وذلك بحسب (فورن بوليسي). هذا ومن الملاحظ استثناء أو تناسي المسألة السورية، وعدم ادراجها بين القضايا الدبلوماسية الملحة!
شكلت زيارة الوزيرة بيربوك خطوة أولية في سياق انطلاقتها وطموحها كرئيسة لدبلوماسية دولة مهمة على الساحة العالمية، ساعية لأن تطبع بطابع جديد سياسة ألمانيا الخارجية، كونها زعيمة للخضر وحاملة لواء وشعار (السياسة في ظل القيم). حيث لم تنسى وعودها الانتخابية ولا موقعها كرئيسة في الائتلاف الثلاثي الحاكم في ألمانيا من جهة، وقائدة وفية لتيار الخضر الأوربي الواسع الانتشار والصاعد سياسيا في المحصلة.
يبدو ان إعادة توليف السياسة الخارجية الأمريكية مع ألمانيا (اليسارية) بقيادة الاشتراكي شولتز ليست مهمة سهلة، اذ يشكك الأمريكيون في درجة تعاطفه الأيديولوجي مع كل من روسيا والصين.
بصرف النظر عن شكوك الشركاء في الأطلسي، فمن المبكر التكهن بحقيقة المتغيرات التي ستطرأ على التوجهات الدولية للحكومة الألمانية، وان باتت الاشارات توحي بأنها ستكون مغايرة للسياسات التي اتبعتها الأحزاب المحافظة سابقا، ولمنهج ميركل البراغماتي الاقتصادي. فقد أكدت بيربوك بل وعدت في أمريكا: "أن سياسة ألمانيا الخارجية ستستند على القيم"، وهو العنوان الدبلوماسي للتغيير المزمع احداثه، وربما في إشارة صريحة الى نيتهم الخروج على مسار وسياسة حكومة ميركل السابقة، والتي كان يُنظر إليها على أنها تضع الاقتصاد فوق كل شيء آخر، لا سيما فيما يتعلق بإشكالية علاقة ألمانيا مع الصين، شريكها التجاري الأول. فالخضر دعاة سابقون للخروج على (المذهب التجاري) الذي رسخته البيروقراطية السياسية الألمانية باعتباره العمود الفقري النهائي لسياسة ألمانيا الخارجية، وخاصة مبدأ: وضع الاقتصاد في خدمة البيئة. وفي إطار أوسع كانت بيربوك قد أشارت سابقا بضرورة تجاوز (سلبية) ألمانيا، أي جمودها على الصعيد الخارجي.
المشهد السياسي الألماني يوحي أن أي محاولة للتغيير الجوهري في السياسات الألمانية لابد أن يرتبط عضويا مع ما سيكون عليه أسلوب التعامل مع تركيا، فالمفترض ان أحد المفاتيح التي سترسم ملامح سياسات هذه الحكومة، يحددها مستوى وطريقة التعامل مع حكومة حزب العدالة التركي بقيادة أردوغان. وكان هذا الموضوع المفتاحي تحديا قائما عند أولى خطوات تشكيل الحكومة الألمانية، حيث اصطدمت تشكيلها مع البيروقراطية الألمانية الراسخة والداعمة للتحالف مع تركيا تاريخيا. لدرجة أن تم استبعاد الشخصية القوية (جيم أوزدمير) وهو قائد سابق للخضر من مواليد ألمانيا (1965) شركسي الأصل، ويعد في الوقت نفسه من أبرز الساسة المعارضين لسياسات التركية الداخلية والخارجية.
استبعد أوزدمير من وزارة الخارجية على خلفية موقفه الراديكالي من أردوغان وحكومته، وتجنبا للصدام مع الجالية التركية المتنفذة في ألمانيا، فموقفه حاسم ضد تركيا، إذ اعتبر كل من بوتين وأردوغان شخصيتن متطرفتين، لدرجة أن القى خطابا في البدنستاغ في السنوات السابقة اتهم فيها أردوغان بنشر الكراهية، بالإضافة إلى بوتين وترامب. وأكد على وجود ما يشبه تحالف الكراهية والتعصب بين القادة الثلاث، يسبب خللا في السياسات الدولية. وهذا الموقف كان كافيا لاستبعاده، لذلك سلمت له حقيبة وزارة الزراعة، ما أثار هذا القرار سخرية الصحافة الألمانية بحيث وصفوه بوزير (البطاطا) لأنه كان المرشح الأقوى لوزارة الخارجية كما كان الشخص الأكثر قابلية لرسم سياسات خارجية متمايزة لألمانيا.
سينتظر صانعي الرأي العام الألماني والعديد من المراقبين في الخارج ما سينتجه ائتلاف اليسار الألماني من سياسات ومخرجات جديدة، وفي نفس السياق سيتضح مدى فعالية الوزيرة بيربوك الشابة (مواليد 1980) في رسم سياسات جديدة لألمانيا، أم أنها ستفشل وستنضم - كما توقعت بعض مراكز الدراسات الألمانية - الى خانة العديد من المشاغبات اليساريات والمشاغبين بنظر المحافظين الألمان، الذين رحلوا ولم يحدثوا تغييرا ملموسا في السياسات الألمانية، وكان أولهم وزير خارجية ألمانيا الأسبق (يوشكا فيشر) في أواخر تسعينات القرن الماضي. فالبيروقرطية السياسية الألمانية ثقيلة الجسد ولكنها ليست عصية على التغيير، خاصة إذا تضافرت جهود تحالف إشارة المرور الذي يوحي رمزيا بالسير والتقدم وربما الانعطاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م