الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-السرد وبناء الرؤى في أصيغوا الانتباه ما حولنا يهمس للروائي عامر حميو -

طالب عمران المعموري

2022 / 1 / 11
الادب والفن


رؤيا فردية كيانية تنطوي على نزعة انسانية تعكس تجربة شخصية خاصة ،رؤيا تتناول شتى قضايا الوجود الاساسية، الانسان ، الواقع ، الزمن واخرى فنية يتجلى فيها الجانب الابداعي القصصي
اصيغوا الانتباه ما حولنا يهمس! مجموعة قصصية الروائي عامر حميو،ط1، دار انسان للنشر والتوزيع،2018 .
تضمنت المجموعة خمس وعشرون قصة تنوعت في عنونتها بين الواقعية والفنتازيا وبين اللغة المباشرة العادية وبلفظ مركب :
طرّة كتبة، يشان ابيض، كوب من عجين ،الطنطل، دهين حسون ،
واللغة الغير المباشرة المعجمية ،وبلغة انزياحية
(أصيغوا الانتباه: ما حولنا يهمس، تماهي على خشبة المسرح ، احتجاج عجلة ثائرة، عندما يلتوي عنقي ،عزلة، صمت المقابر، غيرة ، حيرة ،انتقام ، فقد
رحلة ، انتحاري..)
استهل مجموعته في قصة (طرّة كتبة )
يقدم لنا القاص في هذه القصة معالجة جديدة تتجه بها الى زاوية مختلفة ودلالات جديدة يخوض فكرة التجريب في السرد وتجريب في التقنية ، كالاشتغال بالإرث الشعبي وتناوله بروحية جديدة وعدم الرضوخ لتيمة الاشكال التقليدية من بداية وذروة ونهاية ، يروي القاص قصته من خلال ضمير المتكلم، تظهر هذه البداية البسيطة السهلة والواقعية ، يذكر فيها اسم الشخصية ومشكلتها واطار وقوع الحدث ونقطة انطلاق في الحدث السردي، ثم ينمو الحدث ينقل الحادثة من صورتها الواقعية الى صورة لغوية ابتدأ بصلب الحدث وبعد ذلك يقوم بتقنية الاسترجاع بالتفاصيل تميزت هذه الشخصية ببساطتها حيث اختارها الكاتب من الناس العاديين اسبغ عليه بعض الصفات : ص5
(ضاع (سوادي) في لجة المياه الفوارة، ضاع من بيننا، وضحكاته إذا ما فاز في اللعبة يتردد صداها في اسماعنا نحن الصغار، شدو بدوي يرعى أغنامه، ويزجي وقته بعزف الناي الحزين، وسوادي بارع في اللعبة دوماً، كل الكبار يكونون في جهة وسوادي مقابل لهم، يصرعهم واحداً تلو الآخر بضربات كفه على تراب قنطرة النهر الكبير، يصرعهم باحتمالاتهم الخاطئة وفرصة الحظ الجميل له لما يخبؤه تحت کفه فيقوم الواحد منهم مجللا بسراب الهزيمة بعد أن غطتّه سحابة الغبار من تحت كف سوادي
عادة ما يطيّر (سوادي) قطعة النقد المعدنية من فوق ظفر إبهامه المنفلتة بقوة من دائرة سبابته، لتتلوى مثل شريحة لحم رقيقة، يكاد طرفاها الدائران على محورها يتلاشيان على بعضهما مكونان خطا رفيعا)
يرصد القاص مواقف من الواقع المعاش بكل ما فيه من قضايا ومشكلات وتحولات اجتماعية وفكرية
وبشكل فني هموم قصصية مشروعه في عملية الخلق والابداع والتجاوز وما تكتنزه هذه القصص من معايير وقيم انسانية نابعة من الواقع البيئي والفكري للقاص
يكسب بعض قصصه بعداً ايحائياً وفكرياً وشفافية بأسلوب واقعي ممتزجة ببعض الملامح الرومانسية كما في قصة (المدمنة):ص84
(كان قد أزمع أن يتبعها لآخر خطوة يسمح فيها ظرفه وعيون الناس التي تراقب، بعد أن تعود ولأشهر طوال أن يكتفي من حبها برؤيتها سامنا داخل الحافلة، ورغم تحاشيه أن تقع عيناه على عينيها فتلاحظ الرجفة التي تسببها له رؤيتها، وفيه إحساس أنها مكشوفة لكل الناس، إلا إنه صعد اليوم و وجيب قلبه يدق خفيفاً
لمح الشعر المتهدل والضفيرة مسترسلة فيه، كأنها أفعى تسبح وسط نهر تجري المياه فيه بهدوء، ولولا تموج جسمها وسط تياره ما استطاع الذي يراه أن يلمح جريانه.
توقف على بعد مقعد خلفها وراح يرقبها خفية، وانتبه أنها بدت تحرك بجلستها وفيها رغبة لأن تلتفت خلفها، فازداد وجيب القلب خفقانا وتمتم مؤنبا قلبه مع نفسه)
خلق جو قصصي مقنع ، معتمداً في ذلك وسيلة فنية فيها من الطرافة والايحاء الدال على الشيء الكثير :كما في قصة (الطنطل) ص 75
الطنطل المطل السطل تقعوا رأسه بماء بارد وهو لا يردد إلا كلمة واحدة
الطنطل.. الطنطل .. الطنطل تبرع أكبر الشباب وراح يقرأ على رأس حاتم المعودتين، لكنه بقي لا يردد غير كلمة واحدة
الطنطل ... الطنطل... الطنطل
اقترح كبار الشباب أن يصطحبوا فانوساً بأيديهم ويذهبوا إلى مقام الولي الصالح ليقفوا على شكل الطنطل الذي اخاف حاتم وجعله يرجع عارياً كما ولدته أمه، لكنهم رجعوا خائفين بعد أن قطعوا نصف الطريق، وعند ظهر اليوم التالي جاء خبر الطنطل مع رعاة الأغنام الذين وصلوا إلى المكان، فلقد قال أحدهم ووافق البقية على قولته:
لقد دق حاتم المسمار على ردن دشداشته، فقد وجدناها تذري أطرافها نسمات الصباح وهي معلقة بالمسمار على حائط مرقد الولي الصالح)
حيث ابدع القاص في النهاية في المفارقة والادهاش .
يتراوح القاص في مجموعته فيما بين معطيات منهج اللامعقول والاغتراب والفنتازيا ، وأنسنه الاشياء ليقدم لنا عالمه من خلال رؤيتة، نرى ذلك جليا في قصته (الابواق) ص41
(على حائط دکان بائع الآلات الموسيقية أصطف البوق الكبير والبوق الثرثار، والبوق ذو الأصوات المتعددة، والبوق اللمّاع، وراحوا سوية يسخرون ويضحكون مستهزئين على البوق الأثري، الذي علق على الجانب الآخر بصندوق زجاجي لا يفتح إلا عندما يريد بائع الآلات الموسيقية تنظيفه، ولأنه كان من الأدوات التي دائما ما يقضي البائع جل وقته عندها، ويجزم البوق الثرثار لأصحابه من الأبواق الأخرى أنه كثيرا ما ضبط البائع يتحدث هامسا مع البوق الأثري، حتى إنه أسر لهم مرة ولم يصدقوا أنه شاهد البائع يبكي عند البوق الأثري وأوصاله ترتجف، كأنه عاشق منع أن يرى حبيبته ثم التقاها صدفة، وربما صفة الثرثرة التصقت بالبوق الثرثار لكثرة ما كان يستهويه الحديث باستفاضة وتدقيق عن علاقة البائع بذلك البوق، لكن الشائع والذي لا يستطيع أي بوق من الأبواق الأربعة أن ينكره، هو قيام البائع دوماً بسحب عملاء دكانه إلى مكان البوق الأثري، وكان يقف طويلاً عنده شارحاً لهم وقت صناعته، ومعدّدا لهم أشهر العازفين الذين استعملوه، وعدد الحفلات التي شارك بالعزف فيها، وكم وقف الجمهور في تلك الحفلات مصفقاً للعازف فيه بعد انتهاء كل حفلة يشارك فيها؟)
يحاول القاص النفاذ الى اعماق الواقع مستكشفاً أبعاده المأساوية بكل تجلياته ويسعى الى استخدام الصورة الحية وليس التعامل مع كائنات من ورق، نابعة من التجربة الذاتية من خلال الوقوف على التفاصيل الدقيقة
اعتمد القاص تقنية تيار الوعي وهي تقنية حديثة في القصة تلخص ابرز مقومات تيار الوعي:
طريقة الحوار الداخلي المباشر وتقوم الشخصية بتقديم وعيها بذاتها من خلال استخدام ضمير المتكلم بمناجاة النفس وهي تتيح تصوير الشخصية من الداخل والخارج :ص 85
(اهدأ... اهدأ وساعدني ..أما سمعت الوالدة تطلب مني عنوان البيت)
(او دعني أخبرك شيئا:... لقد أضجرتني طيلة الاشهر الماضية ...خفقانك الجبان يقلقني.. فقط امهلني لدقائق أخرى وبعدها دق ما شئت، حتى تشبع، أما فمي فاتركه يتكلم اليوم...)
كذلك نره يتجلى في قصة (انتحاري): ص93
(الوقت ينفد مني ، والنفس موزّعة و بين الانقضاض أو أولي الادبار هارباً
ولفح الريح تأخذني بين أن أغمض عيني لأتقي وخز لهيبها ، وبين أن أقاوم ذلك وأوزع نظري على المحيطين حولي دون أن أضيع ما أنشد لمراقبته)
ينقل السارد هواجس الشخصية عن طرق اعتماد الحوار الداخلي الغير مباشر حيث يقوم الراوي العليم بتقديم مشاعر الشخصية من خلال بعض الكلمات فكر، شعر ، همس ،أسر، لمح، دلف، تمتم، مع نفسه...
وصف الوعي وهو اسلوب تقليدي موضوعه الوعي والحياة الذهنية للشخصيات يتجلى ذلك في نصه ص72 ص73
(وحاتم شخص بسيط جدا يعيش على صدقة اهل القرية ودائما ما يظهر بين ابنائها وهو يرتدي دشداشة اكبر من مقاس جسمه ، يضطر لرفع اطرافها اثناء سيره حتى لا يخط ذيلها على التراب وراءه ، او قد تتعثر أقدامه بها، وبلف أردانها على ساعديه ليقصر طولهما ،والسبب في ذلك أن معظم ما يلبسه يكون من عطايا الناس الكبار له، وهو في كل المناسبات وفي كل الالعاب الشباب ينزوي جانباً ويشاهد ما يجري حوله صامتا)
التداعي الحر: التي تنظمه الذاكرة والخيال والحواس (لكني اليوم نظرت ملياً بمخزون هذه الذاكرة ، وكنت كمن ينظر في قيح جرح غائر ) ص64
(وذاكرتي لا تتعب ولا تمل لكنها تغفو قليلا عل همس العاشقين في دروب ازقتي ، وغفوتي تلك هي راحتي الوحيدة ، وهي مثل عطسة تريح قلوبهم من انقباضات عضلتها)ص 65
المونتاج السينمائي: اعتمد القاص هذه التقنية من خلال توالي الصور واللقطات والقطع والارتداد ( وعند الساعة المرتقبة وقف العازف المتقاعد قرب الصندوق الزجاجي ، يلمع بالبوق الاثري وينفخ علية بخار انفاسه ، ثم يمسح ضباب البخار عنه بكم قميصه ، ويعدل الشيب في شعر رأسه ويصففه، على انعكاس صورته فوق بدن البوق ) ص45
وكذلك صورة المشهد في استهلال قصة (حيرة)( يكتظّ المقهى برواده الشباب ويضيق المكان بهم ، فتتزاحم المقاعد وتضييع الرؤوس بين أكتاف من يغطيها على الجانبين ، يطير كوب شاي من يد أحدهم ويلطخ سائله المسوّد قمصان بعض الروّاد القريبين منه ، فيما كان صاحب الكوب منشغلا بمراقبة الظاهرة الفلكية لخسوف القمر الكلّي، لكنه حالما يكتشف اهماله لمسك الكوب جيدا يعتذر من صحبه، ويبادر لشراء قنينة مياه معدنية ليزيل لهم آثار البقع المتخلفة على ملابسهم ، وينحصر فعله بين الممانعة منهم تواضعاً وبين بحر الخجل الذي يغرق فيه)ص101








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا