الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 43

علي دريوسي

2022 / 1 / 11
الادب والفن


في المملكة العربية السعودية، سافرت رهان مع والدها في رحلة حج إلى مكة، دون والدتها. مع والدها كان لديها هناك سرير مشترك في غرفة فندق. اتصل بي مصطفى، بكى من شدة الإيمان وقال لي إنه يريد إعادة ابنته إلى ألمانيا، كما طلب مني بأدب الزواج من ابنته: "تزوجها يا عمي، أرسل الله لك صبية عذراء جميلة شريفة، صبية تربت في بيت الأخلاق والعزة والشرف، الصبية تحبك يا عمي، لا تضيّع الفرصة من يدك".
كان مصطفى يتنفس بصعوبة وهو يتكلم وكأنه سيودّع الحياة في أي لحظة وفي الحقيقة لم أستطع أن أحسم الأمر فيما إذا كان يمثّل عليّ مشهداً درامياً عبر الهاتف أم كان صادقاً: "يا ابني لا تكن معتداً بنفسك، العزة لله وحده، لا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ، الخطأ من سمات البشر، خطأ رهان الأول والأساسي هو أنها ظلمت نفسها وأعطت العمل والدراسة والعائلة ومساعدة الناس الفقراء معظم وقتها ولم تتفرغ أبداً لحياتها الخاصة بل أهملتها إلى أبعد حد ممكن، لم تنفق في حياتها كلها بضع دقائق لتكلم أي رجل في مواضيع خاصة أو لتقبل النقاش مع أحدهم في موضوع خارج نطاق العمل أو الدراسة، كانت دائماً تتجاهل نظرات الإعجاب والمودة، لم تكن تريد أن يقف أي شيء في طريق تحقيق طموحاتها العلمية وخاصة أن السفر إلى ألمانيا كان أحد هذه الطموحات، وعندما قرّرت أن تلتفت إلى حياتها الخاصة واعتقدت أن الوقت قد حان وربما وجدت الشخص المناسب وأرادت أن تفسح له فرصة النقاش لم تتوفق بل صُدمت في أول جولة، صدّقت من لا تعرفه فعلاً ووثقت به وبكلامه ونسيت الدنيا لتتذكّره فقط، وها هي تعيش بسببه حالة عذاب أرهقتها إلى حد كرهت فيه نفسها وجعلتها تفكر بالانتحار."
كان قراره بإعادة ابنته إلى ألمانيا أمراً بديهياً بالنسبة لي، لأنني أعرف بالضبط ما يعني بالنسبة له ولأولاده أن يحصلوا على تصريح إقامة دائمة، بالإضافة إلى ذلك، ليس من السهل على الأجنبي "العربي" الحصول على إقامة في السعودية.
لم أقل شيئاً مميزاً، بقيت واقفاً في منطقة الحياد كما أمرني القدر، كنت خائفاً من التقدم خطوة إلى الأمام أو التراجع خطوة للوراء، كنت واثقاً أن الوقت قد حان للاستيقاظ من الكابوس الذي أرهقني لمدة أحسبها عمراً كاملاً لأعود إلى دراستي وأصدقائي وإلى طبيعتي وأموري الخاصة. تعلمت خلال فترة علاقتي القصيرة بها كيف يُصاب الإنسان بحالة ضعف مهما كان قوياً وكيف تهزه الريح في لحظة مباغتة لا يعرف موعدها ولم يتهيأ لها من قبل. معرفتي بها كانت وما زالت قدرية وخارجة عن إرادتي، لم أسع لها ولم أنتظرها ولم أتوقعها وحاولت أن أهرب منها مرات ومرات، شاء لي القدر أن أتعثر بها وأن يحدث معي كل هذا، أراد الله لي أن أتألم وأنا راض بمشيئته. لا أعرف كيف دخلت حياتي التي حصنتها ضد النساء بعد وفاة أغلى الناس على قلبي. سأحاول أن أنساها وسألعن لحظة تعارفي بها كلما تذكرتها.
في اليوم التالي وصلني إيميلاً من رهان، حين قرأته شككت في أن يكون أسلوبها، أعتقد أن مصطفى من كتبه بالاتفاق معها. كتبت بالأحرى كتب:
" في البداية لا بد أن أقول السلام عليكم لأنه كما يقال السلام لله وليس لك.
للأسف على ما يبدو حتى الآن لم تستوعب نوعية الإنسانة التي تتحدث معها، لن ألومك لأنك كنت الشخص الوحيد الذي تعاملت معه ببساطة شديدة، سيأتي اليوم الذي تتأكد فيه بنفسك أنني لست تلك الساذجة الراغبة بالتسلية وإضاعة الوقت، إذا كنت تبحث عن تسلية تخفّف عنك فلن تجدها عندي، إذا كنت تريد تعويض شيء ما تفتقده ابحث عنه في مكان أخر وإذا كنت مزاجياً هذا لا يعني أن تطبّق مزاجيتك على الناس الذين تتعامل معهم، أنا إنسانة أحب الناس وأقدّس العلاقات المبنية على الصدق والمحبة والاحترام، الاحترام المتبادل هو اللبنة الأساسية لأي علاقة اجتماعية وعاطفية، وأنا أرى أن معرفتنا وصلت إلى الحد الذي يجب أن تنتهي عنده لأنها أصبحت بعيدة عن الاحترام وأنا لا تناسبني العلاقات التي تسودها قلة الاحترام، من فضلك يكفي، لا داع لحديثنا أو اتصالنا مع بعض بعد الآن. لم أعد أريد أن أعرفك أكثر وأكتفي بما عرفته. وصلت إلى قناعة أنه من الصعب التفاهم معك لأنك كل يوم برأي وهذا شأنك، لكنني لا أحب أن أعذب نفسي معك ولست مضطرة للدخول في متاهة أنا بغنى عنها. من فضلك حاول أن تنهي ما بدأته معي بهدوء فأنا لا ينقصني متاعب ويكفي ما أنا فيه الآن ولا أحتاج لمن يعذبني أكثر، بل أحتاج لمن يساعدني على تجاوز هذه المرحلة الصعبة. أرجوك كما أقنعتني بالبداية أن أكون على اتصال معك ساعدني أن تقنعني أنك ذلك الشخص الذي لا يستحق حبي واحترامي له. يمكنك أن تنسى أنني موجودة في حياتك، إلا في حال احتجت أي شيء يمكنني مساعدتك به، لن أتردد عن مساعدتك في حال كان بإمكاني ذلك لأن ذلك واجب حتمي على من يعرف معنى كلمة واجب.
أتمنى لك حظاً سعيداً مع دراستك وعلاقات طيبة مع الجنس اللطيف. "
بعد عدة أيام هاتفتني رهان وقالت إن عليّ زيارتها في برلين.
رفضت تحقيق رغبتها. صارت تتصل بي كل ربع ساعة وتبكي بلا انقطاع.
خلال تلك الفترة كنت أبحث عن فرصة عمل جديدة. وشاء القدر أن اضطر للسفر إلى برلين لحضور دورة تدريبية تأهيلية. هناك قابلتها، بدت رهان مختلفة قليلاً، لطيفة، واعية ومسؤولة. شعرت بحاجة لها، كنت أرغب في تكوين أسرة وتربية طفل مثل أي شخص آخر، في برلين أمضينا مع بعض عدة أيام بسلام ووئام.
بعد الخطوبة المشؤومة وبسبب البدء بالتخطيط الصامت للزواج تراكمت الديون على قلبي، اضطررت لبيع أسهمي البنكية متحملاً بعض الخسائر المالية وبعت أيضاً جزءاً يسيراً لا يتجاوز خمسة بالمائة من حصتي من معرض السيارات الفخم الذي ورثته عن حبيبتي الغالية وزوجتي الألمانية وأم طفليّ.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟