الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 44

علي دريوسي

2022 / 1 / 13
الادب والفن


في الصيف وصل مصطفى وزوجته قمر إلى مطار برلين قادمين من العاصمة رياض.
كان حلماً لهما أن أكون بانتظارهما، كما عبّرت رهان، لكني رفضت تحقيق رغبتهما لأسباب كثيرة كان أهمها ضيق الوقت.
في تلك الأيام كنت قد وجدت وظيفة رئيس قسم التطوير في شركة كبيرة لإنتاج المكابح والقوابض، في مدينة تقع على الحدود الألمانية الهولندية، حصلت على الوظيفة بعد إجراءات تعيين واختبارات قاسية، رغم وحشية الضغوطات النفسية التي كنت أعيش في كهفها.
هناك وبسبب ندرة وغلاء الشقق المعروضة للتأجير اشتريت شقة من ثلاث غرف في بناية قديمة.
أخبرتهما عبر التلفون بوضوح بأنني وابنتهما رهان ما زلنا نحتاج إلى الوقت لنتعارف على بعض بشكل أفضل.
وكان جواب مصطفى صاحب الدموع السخية حاضراً: "أتيت إلى برلين لا لأحتفل بزواجكما وحسب بل لأموت، لا أعتقد أني سأراكما وأرى برلين مرة ثانية، ما لا تعرفه عني يا ابني هو أني رجل يعيش منذ طفولته بقلب مثقوب وهذا الثقب اللعين آخذ بالتوسع، لقد حجزت موعداً للعملية في برلين، دعونا نفرح بزفافكما قبل أن يخذلني قلبي وتحزنوا لموتي، حتى قمر مهمومة ومتوترة جداً وصارت عصبية في الأيام الأخيرة، تريد أن ترى ابنتها في فستان العرس وهذا حقها، منذ شهر وهي تسهر الليالي للإشراف على خياطة بذلة زفاف حبيبة قلبها".
هكذا وبدون موعد مُتفق عليه قابلت عائلة رهان بأكملها أمام باب البناية حيث أسكن. في الثامن من شهر أغسطس/آب جاؤوا لزيارتي مشكورين، للاطمئنان والمباركة، جاؤوا ليتفقوا معي على موعد الزفاف، استقبلتهم بود وأقسمت عليهم ألا يحجزوا بالفندق، كان مصطفى قد حجز للعائلة في فندق قريب، بعد أخذٍ وردٍّ وافق مصطفى على مبيت رهان في شقتي.
كنا نلتقي جميعنا كل يوم بعد أن أعود من عملي، كان الطقس صيفياً مشرقاً، نذهب عصراً لنأكل البوظة ونشرب القهوة في مركز المدينة وفي المساء ننتاول طعامنا ونحتسي البيرة في أحد المطاعم، كنا نتكلم بأريحية ونتسامر حتى وقت متأخر، لم أسمح للسيد مصطفى ولا مرة أن يمد يده إلى جيبه ليحاسب في مطعم أو مقهى.
عندما عدت إلى بيتي في السابع عشر من أغسطس حوالي الساعة الحادية عشر مساءً قادماً من رحلة عمل في مدينة لايبتزيغ لم أجد رهان، اتصلت بأهلها في الفندق، قال مصطفى بأن أولاده الثلاثة سافروا إلى برلين، وبعد حوالي الساعة على سفرهم، استدعى سيارة الإسعاف لأن رهان كانت تعاني من النزيف المعتاد وآلام الظهر وستمضي ليلتها في المستشفى.
في منتصف الليل توجهت بالسيارة إلى المستشفى، لم أكن قلقاً على رهان، لأني شعرت بأن سلوكها هذا هو واحد من جنونياتها وألاعيبها الحمقاء، صرت أعرفها، لعلها أحسّت بالضجر والإهمال أو لعلها اشتاقت للتكلم مع شخص ما، وبلمح البصر رأيتها في نهاية الكوريدور تتحدث إلى رجل عجوز، ضحكت ساخراً وأنا أتمتم: "صدق حدسي". أعدتها إلى المنزل بعد أن سمح لها الأطباء بذلك، بعد أن كانت قد فقدت عقلها ليوم كامل.
في اليوم التالي ونحن نتناول البيتزا ونشرب النبيذ مساءً تبجَّحَ مصطفى: "سألت ابنتي العذراء الشريفة لماذا ترغبين بالزواج من أحمد!؟"
صمت مصطفى وهو يتأمل نظراتنا إليه وفضولنا لسماع الإجابة وتابع حديثه كأنه رجل دين ومواعظ: "أجابتني: سأتزوجه يا أبي الغالي على قلبي لأنني لن أنجب منك أي أطفال!".
في الحادي والعشرين من أغسطس، دعوت العائلة إلى المطعم الإيطالي "من الشمس وإليها"، وصلنا متأخرين قليلاً لأن رهان كانت مع أمها قمر في صالون حلاقة وتجميل. أثناء شرب البيرة والدردشة، بدأت رهان تبكي وتوبخني، لأنني لم أنتبه لقصة شعرها ومكياجها. من جهة أخرى أخذت أمها تنتحب لنحيب ابنتها وتبربر بتعليقات سخيفة كالببغاء، خاصة عندما أمرت رهان أن تتوقف عن بكائها الصبياني وتستعد لمغادرة المطعم، كانت الساعة حوالي العاشرة مساء، أوقفت رهان نحيبها الغليظ وعادت كما كانت وسمعتها تقول: "أقسم بالله يا أحمد ـ إذا لم يتم حفل الزفاف ـ سأكتب إلى ممثلة المرأة في اللجنة التي قامت بتعيينك في الشركة وأخبرها بأنك من النوع الذي يكره النساء! .. وستخسر عملك لهذا السبب".
فجأة فقد مصطفى ـ الذي راح الخمر يلعب برأسه ـ أعصابه، لم يتمالك الرجل نفسه، ما إن خرجنا من باب المطعم حتى راح يبكي كأنه فقد عذريته ثم أخذ يلطم وجهه، الشيء الذي حرّض رهان أن تبكي أكثر فأكثر، شعرت بالحرج الشديد لأن موظفي المطعم يعرفونني، كنت غير قادر على التحدث، حاولت بمساعدة العاملين في المطعم تهدئة مصطفى، عدنا إلى طاولتنا، قدّم لنا صاحب المطعم القهوة على حسابه.
بعد حوالي عشرين دقيقة، توجّه مصطفى وزوجته إلى فندق إيبيس. رفضت رهان الذهاب معهما إلى الفندق، وسمعتها تقول: "اتركاني وشأني، أيام وأصير زوجة أحمد قانونياً".
ذهبت معي إلى المنزل طواعية، في الطريق تعلقت بذراعي بكلتا يديها كأنها ضحية تحتمي بي، كأنها نادمة تشتهي التكفير عن ذنوبها، كأنها جاهزة للطاعة والخضوع، تراءى لي لوهلة أنها قد همست: "أنا ملكك، عاقبني كما تشتهي".
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث