الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة السادسة والثلاثون
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
2022 / 1 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
فى الأعمال القصيرة
لا تبدد أى مقطع لفظى
اصقل كتابتك القصيرة بخفة وذكاء
لقد شاهدت " الماسة الأمل " فى متحف " سميثسونيان " . وعلى الرغم من وزنها الكبير ، 45 قيراطا ، ولونها الأزرق وامتلائها ، فإنها ليست جميلة .
هنالك أحجار كريمة أصغر حجما منها ، بها انحناءات أجمل ، وتعكس الضوء بشكل جلى وأكثر إبهارا . وهذا يصدق على الكتابة كذلك .
فى الوضع المثالى ، يجب على كاتب الرويات العظيمة ألا يبدد أى مقطع لفظى ، لكنه سيفعل ، ومن المحتمل أن القارىء وسط محيط من الكلمات ، لن يلاحظ ذلك .
وكلما صغر حجم القصة ، زادت أهمية كل كلمة فيها . لذا عليك أن تصقل جواهرك .
لقد أصبح الكاتب " شارلز كوراليت " ، الذى كان يكتب مستعينا بالصور المتحركة و بالأصوات الطبيعية فى أن يجعل لكل كلمة – وقفة – قيمتها :
" لقد وقعت فى غرام الأسماء الأمريكية " يكتب الشاعر " ستيفن فينسنت " .
بالطبع ولم لا ؟
وقد لا ينطبق عليك هذا الأمر إن سبق لك زيارة بعض المدن والمناطق التى تحمل أسماء غريبة مثل ( العق المقلاة )أو ( نب وتوك ) تشير الى عملية جراحية أو ( او اقطع وأطلق النار ) .
بإمكانك السفر فى كاليفورنيا من ( هامبوج فلات ) شقة المحتال إلى ( الطابق الردىء ) وقد تعرج إلى ( العين المخلوعة .
هل فى استطاعة الأهالى الطيبين للعين الناعسة فى مينسوتا ، أن يشربوا بعضا من ( القهوة الساخنة ) فى المسيسيبى لكى تبعث فيهم النشاط واليقظة ؟
وفى مقدورك الانتقال من الزواج ( مترمونى ) فى شمال كارولينا الى المداعبة ( كراسس ) فى فيرجينيا ، أو العكس من المداعبة إلى الزواج
لقد أمضيت بعض الوقت فى حاجب عين القرد ( مانكيز أى برو ) فى ولاية كنتاكى وفى كل من السيقان المعوجة ( بوليجز ) وشاهد القبر ( تومبيستون ) والمدخنة الكبيرة ( بيج تشيمنى ) وقرية الثور ( بول تون )
ولقد أعجبتنى مدينة القزم ( دوارف ) فى كنتاكى على الرغم من أنها مدينة صغيرة جدا .
" لقد وقعت فى غرام الأسماء الامريكية ؟ وكيف يمكن تجنب ذلك " ( من كتاب مقتطفات أمريكية ).
لقد تعلمت من الشاعر بيتر مينيك أن أشكال الكتابة القصيرة تحوى ثلاث نقاط قوة فارقة :
القوة الداخلية والحذق والتشذيب .الإيجاز يمنح الكتابة القصيرة قوة مركزة ، ويخلق فرصا للحذق ، ويلهم الكاتب لتشذيب كتاباته من أجل الكشف عن بهاء اللغة .
ومقالة كوراليت تتمثل نقاط القوة الثلاث كلها ، وهى تلتقط قوة اللغة الأمريكية بأمثلة حاذقة من الخريطة الأمريكية ، وكل اسم ذكى هو مقطع سطحى على الجوهرة .
فى عموده فى صحيفة ( شارلوت اوبزرفر ) كتب " جيف إلدو " المقالة التالية ، ردا على تساؤل جاءه حول انقراض بعض المخلوقات الأمريكية :
" يشبه الحمام الزاجل الحمام النائح لكنه أكثر ألوانا ، إذ يغطى صدره اللون الأحمر الخمرى ، وعنقه أخضر وريش ذيله الطويل لونه أزرق .
فى العام 1800 بلغ عدد الحمام الزاجل نحو خمسة مليارات فى أمريكا الشمالية .
لقد كانت من الوفرة حتى ليبدو أن التطور التقنى للثورة الصناعية قد صمم خصيصا للقضاء عليها .
لقد تعقب التلغراف حركة هجرتها . وأعداد هائلة قتلت بالغاز وهى نائمة بأعشاشها وتم شحنها للاسواق فى مقطورات كثيرة الواحدة تلو الأخرى .
حيث كان المزارعون يشترونها بثمن بخس كغذاء للخنازير التى كانوا يربونها .
وخلال جيل واحد فقط جرت إبادة أحد أشهر الطيور الأمريكية . يوجد جدار حجرى فى منتزه وايلوسنج القومى فى ولاية وسيكنسون يحمل لوحة برونزية كتب عليها " انقرض هذا النوع من الطيور بسبب جشع الإنسان وانعدام حكمته " .
عندما أطلب من القراء أن يبدوا تقيمهم لهذا النص ، يشيرون إلى مواطن عديدة متألقة فيه . ومن بين ذلك :
عبارة " مقطورات كثيرة الواحدة تلو الأخرى " التى تشبه فى تتابعها المقطورة نفسها .
عبارة " تم قتلها بالغاز " توحى بالمجازر التى تحدث فى الحروب .
يحتوى المقطع الاول من المقالة على صور طبيعية بينما المقطع الثانى يحتوى على لغة التدمير التقنية .
لقد استغل الكاتب بذكاء التشبيه فى بداية المقالة بين الحمام الزاجل والحمام النائح مع الأخذ فى الاعتبار انقراضها .
فى الأعمال القصيرة تتضح النهاية للقارىء منذ البداية . ومع النهايات التى يكتبها ، يضع إيلدر اللمسة النهائية على النص .
قد تكون الأعمال الإبداعية قصيرة أو طويلة ، وقد تحتوى الأعمال مقاطع قصيرة قوية وحاذقة ومشذبة بشكل جيد وتأتى على شكل أقصوصات أو مشاهد أو وصف أو مقالات قصيرة ، ويمكن أن ينظر إلى هذه المقاطع على حدة ، حيث يمكن فصلها عن النص الكبير وتحليلها والاستمتاع بها بشكل مستقل .
وأورد فى التالى مقطعا من إحدى الروايات المحببة لدى فى شبابى وهى رواية " هيرتسوغ " للكاتب " سول بيل " ) :
" اصطخبت عجلات المقطورات من تحتنا . عبرت بجانبنا غابات ومزارع كثير .
طوى القطار فى غمده السكة الحديد الصدئة . وتجاوز الاسلاك المنحنية المتلاحقة بسرعة ، بينما يتعاظم على جهة اليمين الصوت الأزرق للشلالات المتساقطة .
بعد ذلك رحبت بنا أصداف لبنية للسيارات المغادرة ، وتقافزت فى الأرجاء سيارات خردة ، وطالعتنا مطاحن ( نبو إنجلند ) ذوات النوافذ الصغيرة والصارمة .
أطلت علينا قرى ، وأديرة ، وانسابت على مياه النهر المخملية الهادرة العبارات المائية .
بعد ذلك برزت غابات أشجار الصنوبر بلونها الخمرى المعطاء . وهكذا فكر هيرتسوغ ، متقبلا أن فكرته الخيالية عن الكون كانت قاصرة ، نجم تفجر من العدم خالقا أكوانا وعوالم .
قواه المغناطيسية اللامرئية تقرر أيا من الأجسام تجمع مثيلاتها كى تنتظم فى المدار .
أوحى لنا علماء الفضاء أن كل تلك الغازات الكونية تكونت عن طريق خلطها فى قارورة .
وبعد مضى مليارات من السنين الضوئية ، نرى هذا الكائن الطفولى من براءة بقبعة قشية على راسه وبقلب داخل صدره ، وقد تجلت له فردانية روحه الشقية ، سيحاول أن يكون صورة مهزوزة خاصة به عن هذه الشبكة المعقدة الهائلة " .
وقد يتطلب الأمر فصلا دراسيا طويلا ، وربما كتابا كذلك ، كى تتضح قيمة المقطع السابق .
تظهر حذاقة – الذكاء الحاكم – لهذا النص النثرى فى تلك الشذرات الطويلة التى تلتقط المنظر الذى يتراءى ممن داخل القطار المتحرك .
وفى ذلك الانطباع عن الصراع والطموح الانسانيين ، اللذين تعلوهما قبعة من القش .
ليست هناك كتابة قاصرة فى الصحافة الأمريكية مثل تلك المختصة بالتعليق على الصور ، لكن " جيفرى بايج " من صحيفة ( زى ريكورد ) بنيو جيرسى يكشف الإمكانيات السردية لهذا النوع من الكتابة القصيرة .
لقد توفى المغنى المشهور فرانك سناترا من فوره ، فتخيل صورة تحتل عمودا صحافيا تظهر النصف الأعلى من جسد المغنى مرتديا بذلة رسمية بربطة عنق سوداء وممسكا بالميكرفون وهو يدندن.
" إذا رايت رجلا فى حلة رسمية وفراشة عنق سوداء يختال على خشبة المسرح كقرصات أنيق ، وإذا أُعلمت أنه ظل يغنى بعذوبة ، وحين فتح فمه بالغناء سمعت جزءا من حياتك فى صوته ، وعندما تراه يحنى رأسه إلى الوراء حين يرفع اللحن عاليا فى
المواضع التى يتعمد إشركك فيها ، ويجعلك تنسى همومك وتقفز فى سعادة غامرة .
وعندما يغنى أحلى أغانيه وأكثرها صفاء وعذوبة وتسمع فيها المقطع الذى يحكى عن المرأة التى تلبس نفس الفستان المهترىء والذى يصيبك بالحزن الشديد ، وحين يموت فى لاحق الأعوام تشعر بأنك أقل حياة ، من المؤكد أنك كنت تشاهده منذ أن كان مغنيا
مغمورا يغنى فى الصالونات حتى كبر وصار أحد رموز الموسيقى الرائجة فى أمريكا " .
كيف تمكن بايج من كتابة تعليق على الصورة من 166 كلمة فى جملة واحدة تقع عباراتها الرئيسية قرب نهايتها من دون أن يذكر أسم الرجل الميت ؟
لقد أخبرنى " أعرف .. أعرف ، لقد خالفت كل القواعد اللعينة .
تبا لها . لقد كانوا دائما يقولون لنا ألا نخاف المجازفة ؟ وهذا ما فعلته ...
إذا كنت صحيفة أمريكية وخاصة فى ولاية نيوجيرسى ، فلست بحاجة إلى أن تخبر القراء بأن الصورة التى ينظرون اليها هى صورة سيناترا وليست الأم تريزا " .
والى الاداة السابعة والثلاثين فى مقال قادم
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف
.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار
.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا
.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم
.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس