الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، ستالين وفرضية مقايضة أسرار القنبلة النووية بالأعتراف بإسرائيل -5

هاني عبيد

2022 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل

أعد دراسة بعنوان "التاريخ المنسي..قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل"، حيث سأستعرض مواقف الدول التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية وهي: الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وسأنشر تباعاً فصول من هذه الدراسة، ويسعدني أن يشاركني القراء بملاحظاتهم وتعليقاتهم حول هذا الموضوع الهام.
ستالين وفرضية مقايضة أسرار القنبلة النووية بالأعتراف بإسرائيل -5
يؤيد ويدعم هذه الفرضية المحامي الإسرائيلي الكس راسكن. وهذا المحامي عاش في الإتحاد السوفياتي وعمل في دوائر التحقيق في الشرطة السوفياتية ومن بعد في الوحدات الخاصة لوزارة الداخلية السوفياتية، كان من أوائل المهاجرين إلى إسرائيل في تسعينات القرن الماضي، وعمل في الشرطة الإسرائيلية في الوحدة السرية للقسم العالمي لمكافحة الجريمة. وحسب رأي هذا المحامي فقد لعب سالمون ميخائيلز (سالمون ميخائيلوفيتش ميخائيلز (1890-1948)م كاتب وممثل مسرحي وشخصية عامة، منح عام 1939م لقب فنان الشعب لجمهوريات الإتحاد السوفياتي وحصل على جائزة ستالين من الدرجة الثانية عام 1946م. اغتيل في منسك في حادث سيارة مدبر بناء على أوامر ستالين. في شباط 1942م تأسست اللجنة اليهودية ضد الفاشية زأصبح أول رئيس لها. سافر إلى اميركا وكندا والمكسيك وبريطانيا لجمع التبرعات من الجاليات اليهودية للاتحاد السوفياتي. وجه في عام 1944م بالاشتراك مع فيفر وايبشتين رسالة إلى ستالين لإنشاء منطقة حكم ذاتي في شبه جزيرة القرم.
) دوراً كبيراً حيث فاوضه ستالين – القنبلة النووية مقابل الإعتراف بإسرائيل.
في عام 1943م سافر سالمون مع الشاعر اسحق فيفر إلى الولايات المتحدة وكان الأخير تحت إشراف مساعد مدير الدائرة الجنرال اليزار رايخمان (ليونيد فيدروفيتش رايخمان (1908-1990)م جنرال في المخابرات السوفيتية. لم يتلق تعليماً منتظماً في المدرسة ومارس عدة مهن متواضعة وبين سنتي 1930-1931 خدم في فرقة الرماية في سيفاستيول. اعتباراً من سنة 1931م بدء العمل في المخابراتالسوفيتية واعتقل في عام 1951م لنشاطه الصهيوني، وأفرج عنه في عام 1953م ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى في نفس العام وأفرج عنه في عام 1956م. جُرِد من رتبته العسكرية وأوسمته) وقد قابلهم بيريا قبل سفرهم. كان هدف هذه الرحلة جمع تبرعات من الجالية اليهودية في أميركا لمساعدة الإتحاد السوفياتي (أما الهدف الخفي فكان كيفية مساعدة ستالين في الحصول على أسرار القنبلة النووية). كانت المخابرات الأميركية برئاسة هوفر لا تعلم شيئاً عن أسرار هذه الزيارة. وكان اليهود يأخذون على أميركا موقفها من يهود أوروبة وبأنها لم تدافع عنهم ولم تستقبلهم، ولذلك لجأ اليهود إلى ستالين لنيل دعمه.
كان مسؤول مشروع منهاتن هو اليهودي روبرت أوبنهايمر وتحت رئاسته عمل العلماء اليهود مثل اوتو فريش وادوارد تيلر ونيلس بور وليو سيلارد وجون فون نيمان وجوزيف روتبلات وايسدور رابي وستانسيلاف اولام والكساندر ساكس وجون كيمني وجيمس فرانك. وحسب هذه الفرضية فإن ستالين حصل على الأسرار النووية في الفترة بين 29 نوفمبر 1947م و12 يناير 1948م. وفي عملية التجسس على القنبلة النووية تم محاكمة الزوجين روزنبرغ حيث تقرر أعدامهما، وشارك في عملية التجسس ديفيد جرين جلاس وهنري جولد ومرتون سوبلي وخمس عشرة آخرين ومعظمهم كانوا يهوداً.
ونذكر هنا أن صحيفة الإتحاد الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي شنت حملة شعواء ضد الولايات المتحدة بسبب قضية روزنبرغ وجمعت التواقيع لعدم إعدامهما وهذا يُشير إلى موقف داعم للإتحاد السوفياتي وتبرئة لليهود من تمرير المعلومات النووية إلى الإتحاد السوفياتي.
بعد استعراض الفرضيات السابقة، دعونا نناقشها ضمن السياق التاريخي والسياسي لظهورها وتبنيها.
إن الفرضية الأولى والمتعلقة بمحاربة ستالين لبريطانيا في مستعمراتها هي فرضية صحيحة وخاصة بعد ظهور بوادر الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، حيث كانت السياسة الدولية بعد الحرب تعتمد على عنصر التوازن والقتال المحدود التأثير على المستوى العالمي بين حلفاء المعسكرين.
أما الفرضية الثانية حول إمكانية تأسيس دولة ذات توجه اشتراكي فهي من الأسلحة التي يمكن استخدامها في زعزعة الأمبراطورية البريطانية. فأوائل المهاجرين اليهود كانوا من أعضاء الحركات الإشتراكية في روسيا وأوروبه الشرقية، وكانوا متعاطفين مع أول دولة للعمال والفلاحين وخاصة أن بريطانيا وأميركا قد سنّت قوانين صارمة تتعلق بهجرة اليهود اليهما من أوروبة. فقد كان في أميركا ومنذ العام 1924 قوانين ضد استيعاب ضحايا اليهودوفوبيا الأوروبية (1).
لعب حزب ماباي (حزب عمال أرض إسرائيل) وهو حزب يساري اشتراكي تأسس بقيادة ديفيد بن غوريون دوراً في علاقات اليهود بالإتحاد السوفياتي قبل قيام إسرائيل وفي السنوات الأولى لنشوئها، حيث كان أعضاء عصبة التحرر يعتقدون أن الصراع في فلسطين هو صراع طبقي وأهملوا المحتوى القومي للصراع، مما دفع العصبة إلى اتخاذ خطوتين في هذا الإتجاه. تمثلت الخطوة الأولى في تأييد قرار تقسيم فلسطين، والخطوة الثانية وهي نتيجة طبيعية للأولى وهو إندماج العصبة مع حزب ماكي (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) في أكتوبر 1948م. وفي هذا الصدد فإن الحزب الشيوعي الإسرائيلي بيّن ذلك بوضوح في قرار لجنته المركزية بتاريخ 6 تشرين أول 1948 حيث ذكر في قراره "إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي تلاحظ برضا التغيير الحاصل في الموقف السياسي الذي اتخذته عصبة التحرر الوطني تجاه القضية القومية في فلسطين. إن الموقف الماضي الذي وقفته عصبة التحرر الوطني من هذه القضية قد عرقل وحدة الحزب الشيوعي. إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي تعتبر هذا التغيير الحاصل بمثابة مساهمة في تحقيق الوحدة" (2).
تغير موقف الإتحاد السوفياتي من اليهود، وخاصة في روسيا، ففي كانون الثاني 1948م أمر ستالين بقتل سالمون ميخائيلز مؤسس اللجنة اليهودية ضد الفاشية والذي مارس العنف ضد المنظمات اليهودية الأخرى. وبعدها تم إغلاق الصحف ومؤسسات النشر اليهودية والمدارس وحتى المسارح. وابتدأت موجة عنف ضد اليهود استمرت حتى موت ستالين، ومع ذلك ظلت العلاقات مع إسرائيل قائمة وجيدة حتى عام 1953م عندما قطع الإتحاد السوفياتي العلاقات الدبلوماسية. ففي الساعة العاشرة من مساء الأثنين 9 شباط تم تفجير المفوضية السوفياتية في تل أبيب وأدت إلى أضرار كبيرة في البناية وإلى إصابة زوجة الوزير المفوض واثنين من موظفي المفوضية بجراح، وعلى إثر ذلك استدعى وزير الخارجية السوفياتية أندريه فيشينسكي وزير إسرائيل المفوض في موسكو شموئيل أليشييف في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الأربعاء وسلمه مذكرة تتضمن قطع العلاقات الدبلوماسية، "في التاسع من شباط وبمساعدة من شرطة إسرائيل ألقى مجرمون قنبلة على بناية المفوضية السوفياتية في تل أبيب"، وتُشير المذكرة إلى خطاب وزير الخارجية موسى شاريت الذي ألقاه في الكنيست في 19 كانون ثاني والذي حض فيه على القيام بأعمال عدوانية ضد الأتحاد السوفياتي. وتُشير إلى أن بقاء البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الإتحاد السوفياتي لم يعد ممكناً وهي تطلب أن يُغادر جميع العالمين في المفوضية الإسرائيلية موسكو في أقرب وقت.
وهكذا نجد أن العلاقات السوفياتية الإسرائيلية بدأت تتأزم وبلغت ذروتها في العدوان الثلاثي على مصر عندما وجه الإتحاد السوفياتي إنذاره الشهير لقوى العدوان بالإنسحاب من الأراضي المصرية. وقُطِعت العلاقات الدبلوماسية بعد عدوان حزيران 1967م.
ونأتي الآن إلى فرضية الحصول على أسرار القنبلة النووية.
بداية نقول أن سمعة الإتحاد السوفياتي ومكانته بين المثقفين في العالم زادت بشكل ملحوظ بسبب التضحيات الكبيرة التي قدمها في الحرب على النازية، وثمّن كثير من المثقفين في أوروبة نضال هذه الدولة، وتبنى هؤلاء المثقفون المبادئ الإشتراكية والماركسية، ومن هنا فإن تعاون المثقفين والعلماء مع السوفيات كان ينطلق في أحيان كثيرة من إيمانهم بهذه المبادئ وضرورة مساعدته. فمثلاً، يذكر ابن بيريه في كتابه "ابي لافرنتي بيريا" ]24[ أن روبرت أوبنهايمر بقي في بيت بيريه في موسكو لمدة أسبوعين وقد جاء ليقترح على السوفيات تنفيذ مشروع القنبلة النووية، وعندما سأل ابن بيريه والده هل يُساعدنا فأجابه الوالد ثمة أشخاصاً كثراً غيره يساعدوننا. ويضيف "لقد تم نقل كبار علماء الغرب سراً إلى الإتحاد السوفياتي، وبوسعي أن أذكر أن بعض الأسماء، فقد نُقل برونو بونتيكورفو، مثلاً، من بريطانيا إلى الإتحاد السوفياتي على متن غواصة".
كذلك تم عبر تشيكوسلوفاكيا نقل أثنين من أكبر علماء الراديو إلى الإتحاد السوفياتي وهما من أصل أميركي.
ونُشير هنا إلى أن ستالين وقع في 1 شباط 1943 قرار مجلس الدفاع الحكومي حول برنامج إنشاء القنبلة النووية بإشراف مولوتوف، ولاحقاً أصبح بيريه هو المسؤول.
ويضيف ابن بيريه في مذكراته أنهم لم يأخذوا التقنية النووية عن الغرب "لم يكن تفوق العلم السوفياتي موضع شك طوال العقود الماضية. لكن حين نشرت بعض وثائق المخابرات، بدأت تنتشر الأحاديث بأننا أخذنا السلاح النووي عن الأميركيين...ليس هذا صحيحاً! أنه عامل الوقت لا غير، لقد سهلت المخابرات إلى حد بعيد المهمة المطروحة أمام العلماء السوفيات، والتي نجحوا في معالجتها في فترة قصيرة نسبياً"، ويضيف "فلو بدأنا العمل آنئذ دون أن تتوفر لنا أية مُعطيات، لكنا حصلنا على النتيجة متأخرين عشر سنوات". أما الميجور ستانيسلاف ليفتشنكو (عمل في مقر المخابرات السوفياتية KGB في طوكيو وفر إلى الغرب) فقد تحدث عن ذكرياته في مدرسة المخابرات ويقول "أصيب بالصدمة حين سمع من مدرسيه بقصة الوصول إلى أسرار مشروع مانهاتن لأول مرة من مدرسيه، فقد تسنى للأمريكيين اخفاء أسرار مشروعهم النووي عن المخابرات الألمانية واليابانية لكن المعلومات عن سير تنفيذ مشروع مانهاتن بقيت تصل تباعاً إلى الاتحاد السوفياتي. كما اعترف العالم كلاوس فوكس بأنه كان يعمل لصالح الاتحاد السوفياتي. ويعتقد الأمريكيون أن فوكس ساعد في تعجيل حل المسألة الذرية لفترة تتراوح بين ثلاثة وعشرة أعوام. ونشير أيضاً أن موريس ولونا كوهين المعروفين لدى الأجهزة السرية الأمريكية خلال سنوات الحرب تحت اسمي بيتر وهيلين كروغر وكانا في عداد مجموعة الزوجين روزنبرغ (أعدما على الكرسي الكهربائي في سجن سينغ سينغ في نيويورك في 19 تموز 1953م).
لقد صنع العالم السوفياتي خاريتون القنبلة على أساس مختلف من حيث المبدأ عن القنبلة الأميركية، فكانت الشحنة عند الأميركيين تطلق في السبطانة (الماسورة) وتبدأ المعادلة المتسلسة بواسطة الضغط ويبدأ توليد الطاقة. أما عند السوفييت فقد تم استخدام ضغط الكرة بدلاً من السبطانة، وهو تصميم أشد تعقيداً الا أنه أكثر فعالية من حيث الضغط.
ليس سراً قيام الدول الكبرى بعمليات تجسس علمية وسرقة المعلومات السرية المتعلقة بالبحوث، ففي الحرب العالمية الثانية تم تطوير القدرات العلمية للدول المتصارعة وتم اصطياد العلماء الالمان من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لعلمهم بالتطور العاصف للعلم والصناعة الالمانية وخاصة في مجال الصورايخ والقنبلة النووية. ففي 16 تموز 1945م اجرت الولايات المتحدة أول نجربة بنجاح على القنبلة النووية وتم ارسال الخبر إلى ترومان اثناء مؤتمر بوتسدام، وعندما أخبر ترومان تشرشل رئيس وزراء بريطاني بنجاح التجربة أتفق الأثنان على تمرير خبر مبهم حول نجاحهم في الحصول على قنبلة لم يرَ العلم مثلها إلى ستالين، وكان رد فعل ستالين على الخبر عادياً ولم يستفسر بالمطلق، عندها قال تشرشل لترومان أن ستالين يجهل مه هي القنبلة النووية وبذلك كان رد فعله عادياً، ولكن الأمر لم يكن كم ظن تشرشل حيث كان ستالين على علم بالبحوث التي تُجرى في أمريكا وكذلك على مدى التقدم الحاصل بمثل هذه البحوث في روسيا، وهذا يُفسر عدم تعليقه.
كان الاتحاد السوفياتي مهتماً بالبحوث حول القنبلة النووية واستطاع اختراق السرية الفروضة على هذه البحوث وقد حصل بالفعل على معلومات مهمة من العاملين في مشروع منهاتن ولكن ليس عن طريق المنظمات الصهيونية أو نتيجة عملية مقايضة بين المنظمات الصهيونية والاتحاد السوفياتي.
وسنستعرض كيف تم تمرير المعلومات السرية إلى السوفيات.
احد العلماء الذين لعبوا دوراً مهماً في هذا المجال هو كلاوس فوشس Klaus Fuchs (1911-1988)م وهو فيزيائي ألماني، درس الرياضيات والفزياء في جامعة ليبزغ، وفي عام 1930م انتسب للحزب الشيوعي الألماني، وعندما استلم الحزب النازي الحكم فب ألمانيا هاجر إلى بريطانيا واشتغل في جامعة بريستول مع أستاذ الفيزياء هناك البفيسور نيفل موت Nevill mott. حصل على شهادة الدكتوراة في الفيزياء عام 1937م وبعدها ابتدأ العمل مع الفيزيائي الشهير ماكس بورن Max Born في جامعة ادنبره حيث حصل هناك على الدكتوراة في العلوم.
في بداية الحرب تم ترحيله إلى كندا كونه لاجئ الماني ولكن بورن استطاع اعادته إلى بريطانيا للعمل معه. في أيار 1941م انضم إلى المشروع البحثي البريطاني للقنبلة الذرية (السم الكودي للمشروع Tube Alloy)، وفي هذه الفترة ابتدأ بتزويد السوفيات بالمعلومات المتعلقة بالمشروع البريطاني.
في عام 1943م كان عضواً في وفد العلماء البريطانيين الذين تم ايفادهم إلى جامعة كولومبيا للعمل في مشروه مانهاتن Manhattan Project وهنا طور طريقة الانتشار الغازي لتخصيب اليورانيوم، وفي عام 1942م اتصلت به المخابرات السوفياتية عن طريق عميلها هاري جولد Harry Gold. في عام 1942 تم نقله إلى لوس الآموس Los Alamos حيث ابتدأ العمل باشراف هانس بيث Hans Bethe وادوارد تيللر Edward Teller حيث قام بحساب الطاقة المنطلقة من الانفجار النووية. قدّم للسوفيات معلومات قيّمة عن هذا المشروع وكذلك معلومات تتعلق بالقنبلة الهيدروجينية، ويقال أن المعلومات التي قدمها قلصت الوقت الذي احتاجه السوفيات لصنع القنبلة النووية بسنتين. بعد الحرب عاد إلى بريطانيا وفي بداية عام 1950م تم اعتقاله بناءً على معلومات استخبارية من الجيش الأمريكي، حُكِم بالسجن لمدة 14 عاماً، قضى منها تسع سنوات في السجن وعندما اطلق سراحه غادر إلى ألمانيا الشرقية ومُنح الجنسية الألمانية وعُين نائب مدير المعهد المركزي للبحوث النووية في مختبر هيلمهةلتز زنتروم درزدن روزندولوف، تقاعد في عام 1979م وتوفي في عام 1988م. من استعراض سيرة هذا العالم نجد أن تلعتبارات الايدلوجية هي التي حتمت عليه التعاون مع السوفيات.
إن اعتقال كلاوس أدى إلى سقوط الشبكة التي كان يقودها فيش جولد وكانت تُسمى حلقة فيتش-جولد للجاسوسية والتي كانت تتكون من تسعة أشخاص ثمانية منهم كانوا يهوداً اعتقلهم مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، وهم:
1. هاري جولد Hary Gold (اسمه اليهودي Goldodnitsky)، كيميائي، هو ابن مهاجر روسي، هاجر والده إلى أمريكا عام 1914م، ابتدأ نشاطه الشيوعي في سن مبكرة. ابتدأ تعاونه مع السوفييت بسرقة المعلومات الفنية من المصنع الذي كان يعمل به وهو شركة بنسلفانيا للسكر، وكان حلقة الوصل مع كلاوس فيتش. اعتقل في عام 1950م وحكم بالسجن لمدة 30 عاماً، منح عفواً في عام 1965م وتوفي في عام 1972م.
2. ديفيد غرين جلاس David Greenglass (1922-2014)م ولد في نيويورك لعائلة يهودية مهاجرة، وهو الأخ الأصغر لايثيل روزنبرغ، درس في معهد بروكلين التكنولوجي ولكنه لم يكمل دراسته، تزوج في عام 1942م من روث برنتز وانضما إلى حلقة شيوعية. عمل في مختبر لوس ألاموس ومرر معلومات عن هذا المشروع للسوفيات. اعتقل وحُكِم بالسجن لمدة 15 عاماً، قضى منها عشر سنوات واطلق سراحه عام 1960م وتوفي عام 2014م.
3. ابراهام بروثمان Abraham Brothman. ولد عام 1913م ودرس في كلية كولومبيا وأصبح مهندساً محترفاً قبل أن يكمل عامه التاسع عشر. كان عضواً في الحزب الشيوعي الأمريكي وزود جولد بالمعلومات السرية المتعلقة بالوقود المستخدم في المحركات النفاثة للطائرات والمطاط الصناعي. اعتقل عام 1950م، سُجن سنتين وتوفي عام 1980م.
4. سيدني وينباوم (اسمه اسرائيل وينباوم) درس في معهد خاركوف التكنولوجي وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1922م، عمل في مختبر الأشعاع التابع لمعهد كاليفورنيا التكنولوجي، كان عضواً في النادي الشيوعي وزود السوفيات بأسرار علمية، اعتقل عام 1950م وحُكشم بالسجن لمدة أربعة أعوام.
5. الفرد دينسلاك Alfred Deanslack، ولد في عام 1906م، وفي عام 1930م عمل في مؤسسة ايستمان كوداك Eastman Kodak Coprporation حيث زود جولد باسرار صناعية، كما زوده بمعلومات عن المتفجرات أثناء عمله في ورشة هولتسون للمتفجرات. اعتقل عام 1950م وحكم بالسجن لمدة 15 عاماً.
اما الثلاثة الآخرين في هذه الحلقة فكانوا يوليوس وايثيل روزنبرغ Julius and Ethel Rosenberg ومورتن سوبل Morton Sobell فلم يعترفوا بأنهم مذنبين فحكم على الزروجين روزنبرغ بالأعدام وعلى مورتن بالسجن ثلاثون عاماً.
6. يوليوس روزنبرغ، ولد لأبوين يهوديين هاجرا من بولندا، درس في سيتي كوليدج في نيويورك حيث كان عضواً في مجموعة الشيوعيين الشباب، وتخرج كمهندس كهربائي في عام 1939م وفي نفس العام تزوج ايثيل غرين غلاس وأصبح عضواً في الحزب الشيوعي. أنضم إلى سلاح الاشارة في الجيش الأمريكي كمهندس وعمل في مختبرات السلاح في فورتمونماوث Fort Monmouth في نيوجيرسي. وهو الذي جنّد جرينجلاس في حلقة الجاسوسية، عمل في شركة ايمرسون الكهربائية حيث مرر للسوفيات اسرار النبيطة المسماة Proximity fuse وهي عبارة عن نبيطة اشتعال تستخدم في القنابل بحيث تنفجر تلقائياً عندما تصبح على مسافة محددة مسبقاً من الهدف، وقد استخدمها السوفيات في اسقاط الطائرات الأمريكية أثناء الحرب الكورية، كما ساعد في تمرير اسرار القنبلة النووية. اعتقل في 17 تموز 1950م ورفض الأعتراف بأنه مذنب وحكم بالأعدام بواسطة الكرسي الكهربائي ونفذ الحكم في سجن سينغ سينغ.
7. اثيل روزنبرغ هي زوجة يوليوس وهي اخت ديفيد غرينجلاس وكانت زوجة الأخير هي حلقة الوصل بين جرينجلاس وروزنبرغ. اعتقلت بعد شهر من اعتقال زوجها ورفضت أيضاً الأعتراف بأنها مذنبة وحكمت بالأعدام ونفذ الحكم بواسطة الكرسي الكهربائي في سجن سينغ سينغ.
8. مورتن سوبل، درس في ستي كوليدج في نيويورك، مرر معلومات كهربائية واصة تلك المتعلقة بالرادار إلى روزنبرغ، هرب إلى المكسيك لتفادي الأعتقال الا أن السلطات المكسيكية اعتقلته وسلمته إلى أمريكا، حكم بالسجن لمدة ثلاثون عاماً (3).
كان في هذه الحلقة آخرون، لكن أهمهم كان آل سارانت Al sarant وجويل بار Joel Barr حيث سلموا أسراراً علمية غاية في الأهمية وخاصة تلك المتعلقة بمشروع فينونا Venona Project حيث مرر سارانت وبار 17 مخططاً أصلياً تتعلق برادار متطور هو APQ-7 والذي تم تطويره في معهد ماساشوستش التكنولوجي MIT وويسترن الكتريك للجيش الأمريكي.
يقودنا الإستعراض السابق إلى نتيجة تستبعد فرضية مقايضة الإعتراف بإسرائيل بالحصول على أسرار القنبلة النووية، حيث أن معظم الذين تعاونوا مع السوفيات كانت لهم توجهات ايدلوجية ومنهم من كان عضواً في الحزب الشيوعي وبالتالي فإن تعوانهم كان عن قناعة بأنهم يخدمون أهدافهم التي آمنوا بها.
ومن الجدير بالذكر أن المخابرات الأميركية لم تستطع تقديم أدلة تُثبت تورط أوبنهايمر الذي كان مسؤولاً عن مشروع مانهاتن في تسريب الأسرار عندما أتهمته إدارة مكافحة الجاسوسية بتعاونه مع الإتحاد السوفياتي، وكل ما فعلوه هو إبعاده عن الأعمال السرية وبالتالي حُرِم من العمل في القنبلة الهيدروجينية، وكان إتهامه بالتجسس مترافقاً مع إتهام آخر بأن زوجته شيوعية.
وتبقى فرضية أن الإتحاد السوفياتي كان يأمل بأن تكون إسرائيل قاعدة للشيوعية أو على الأقل للإشتراكية في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي يمهد لموطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط ويزعزع مكانة بريطانيا في الشرق مفتوحة على كل الاحتمالات.
المراجع:
1. شلومو ساند
اختراع أرض إسرائيل. ترجمة: انطوان شلحت وأسعد زعبي. مدار الأهلية، 2014.
2. جريدة الاتحاد الحيفاوية، العدد الأول، الأثنين، 18 ت2، 1948، السنة الخامسة.
3. Dr. David Duke.
The secret behind communism.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمون ميخايلز
عبد المطلب العلمي ( 2022 / 1 / 15 - 10:51 )
مخمور يقطع الشارع في مكان غير مخصص للمشاه، فتضربه سياره.ثم يأتي من يدعي ان ستالين قتله! لم يبقى إلا ان يصبح ستالين هو سبب حرد الزوجه عندما لا ينجز الزوج مهامه الزوجيه.
اما فرضيه ان الاتحاد السوفياتي كان يأمل ان تصبح اسرائيل شيوعيه.احيلك الى موجز اعده قسم بلدان الشرق الأوسط في وزارة الخارجية السوفياتيه بعنوان الحكومة الجديدة لدولة إسرائيل. تاريخه 15 اذار 1949 و سترى في نهايه النص(وبالنظر إلى أن الحكومة الجديدة في إسرائيل، كما كانت الحكومه المؤقتة ، غالبيتها العظمى من أعضاء حزب مباي، من المرجح أنها ستقوم، كما كان هو الحال دائما، بانتهاج سياسة مواليه للأميركيين.)


2 - الصفقة الجيكية
منير كريم ( 2022 / 1 / 15 - 16:04 )
تحية للاستاذ هاني عبيد
هذه الفرضيات في مقالك تتجاهل حقيقة تاريخية هي ان البلشفية من قبل 1917 كان لها صلات وثيقة جدا مع المنظمات اليهودية في روسيا ومن خلال ذلك بالمنظمات اليهودية العالمية سواء كانت صهيونية ام لا وذلك لاسباب شتى من بينها الموقف الايديولوجي العدمي المشترك والعداء المشترك للقيصرية
وتاييد الاتحاد السوفيتي لقرار التقسيم كان اقل اهمية من الصفقة الجيكية وهي صفقة اسلحة هائلة من الاسلحة الالمانية من الرصاصة حتى الطائرة المقاتلة التي قدمها الاتحاد السوفيتي لاسرائيل عند قيامها عن طريق جيكوسلوفاكيا في الوقت الذي كانت الدول الغربية متقيدة بحضر توريد السلاح للطرفين في فلسطين
وماذا قال بن جوريون عن هذه الصفقة ( الان قامت اسرائيل )
نحن نقيم التاريخ في سبيل الحقيقة
ولم تضعف علاقة اسرائيل الا بعد ان اختارت اسرائيل الانحياز الكامل للغرب في الخمسينات
عندذاك تغير موقف الاتحاد السوفيتي واخذ يدعم النظم العسكرية العربية
شكرا لك

اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل