الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديني والسياسي في رواية -الحانوتي- يوحنا مصلح

رائد الحواري

2022 / 1 / 14
الادب والفن


الديني والسياسي في رواية
"الحانوتي"
يوحنا مصلح
الأدب يحمل شيئا من الواقع، وبما أن واقعنا في المنطقة العربية في غاية البؤس، فكان لا بد من وجود طريقة (تتحايل) على هذا الواقع لتقديمه، بحيث لا يشعر المتلقي أنه أمام صورة عادية، بل أمام حالة جديدة، تتباين عما نعيشه، من خلال اختار السارد "الحانوتي" شخص مركزي في الرواية.
العنوان "حانوتي" يأخذنا إلى عالم الموت والأموات، وهذا أمر مثير، فالقارئ يميل إلى الأدب الناعم، الأدب الذي يخرجه من حالة البؤس التي هو فيها، وليس ذلك الأدب الذي يذكره بواقعه ويزيد همومه وغمه.
من هنا نقول أن اختيار العنوان يعد مغامرة من قبل الكاتب، فهو يقدم عنوان (منفر) وليس عنوانا جاذبا/لامعا، فهل أراد بعنوان الرواية أن يجعلنا نحوم ونعلق في عالم الأموات، أم أنه استخدمه بقصد لنرتفع به إلى عالم الأحياء؟، ولماذا جعل "الحانوتي" هو المركز؟، وهل فكرتنا عن "الحانوتي" تتماثل مع ما هو مطروح في الرواية؟، وما الحكمة من استفزاز القارئ باسم صادم ومنفر؟، وهل استطاع اقناعنا أنا أمام طرح جديد عن فكرة "الحانوتي"؟.
أسئلة مشروع لكل من يقرأ العنوان، وهذا بحد ذاته يعد أحد عناصر (الجذب) للقارئ، فالتوقف عند العنوان، ووجود هذه الأسئلة في ذهن القارئ، تحسب للكاتب الذي استخدم عنوانا منفرا كعنصر جذب، وهذا تجديد وخروج على ما هو سائدا.
"الحانوتي"
من خلال أحداث الرواية يقدم لنا السارد صفات هذا الرجل بقوله: "...فأمام الأحياء يعد الحانوتي شديد الصمت، لا يتكلم سوى نادرا، أما أمام الأموات فهو الرائي الحكيم ذو الحديث الصامت الغزيز، الأحياء يسمعون ولا ينصتون أما الأموات فيصغون ولا يسمعون" ص22، وهذه اشارة إلى أننا امام رجل يتمتع بالحكمةـ فقرر الصمت مع الأحياء، والحديث مع من يحسنون الإصغاء، الأموات.
أما عن طبيعة مهنة وكيف اختير ليقوم بمهنة الحانوتي: "تعد مدينتنا حالة فريدة على مستوى السكاني والديني، فلا توجد أغلبية في قريتنا، بل يتشاطر الإسلام مع المسيحة النسبة العددية، لكن لصغر حجم البلدة، شيدوا مقبرة واحدة نصف مشتركة، ...رجلا يعرف أصله ودينه، بدون عائلة و ارتباط، أسلموه وظيفة الحانوتي وفرضوا عليه الإلحاد" ص24، من خلال هذا الطرح يقدمنا السرد مما يريد طرحه، فهو يعمل/يدعو إلى محو الفروق الدينية بين الناس، فعندما اختاروا "أهل القرية" رجلا بلا دين، فهذه اشارة بالإقرار على أن الدين عامل تفرقة بين الناس وليس عامل جمع.
وعندما رحل الحانوتي أوصى أهل القرية بأن يكون موته بهذه الطقوس: "فعلى سرير فراق الحانوتي لأول أوصاهم أن لا يحزنوا بل يرقصوا بالأحرى طربا، فكان كلامه كالسيف في نفوسهم... فكانت تلك الليلة "خالية من كل الدين" حيث سكر أهل القرية، مسلمون ومسيحيون، فلم تقدم القهوة، بل قدم الكونياك بكميات هائلة للجميع، فالحزن تحول إلى سبب للفرح وأصبح حزنا مفرحا...لم يغسل من أحد لأنه سبق فأبصر موته، فقام عن فراشه برغم مرضه واغتسل وألقى نفسه في وضعية الموت الخالي من المفاجأة، أما المفاجأة...بعد "عرس" المدينة والدفن وانقضاء اليوم، استيقظ بعض المتطوعين لتنظيف الكوخ الخالي من أي غرض ثمين، فاكتشفوا جهل أهل القرية رحيل كاتب كبير من وسطهم، حيث وجدوا مئات الصفحات من لخواطر التي تدهش العقول عن أعراض الحياة وجوهرها" ص25و26، مشهد يتداخل في الحزن مع الفرح، تمتزج فيه الأفكار الدينية، يتداخل فيه البعد الأسطوري بالزمن الروائي، لهذا يمكننا القول أن الأفكار الدينية متداخلة ومتشابكة، بحيث نجد فيه شيئا من طقوس الدين القديم/الأسطوري: "فالحزن تحول إلى سبب للفرح وأصبح حزنا مفرحا "، وشيء من الدين المسيحي: "لأنه سبق فأبصر موته، فقام عن فراشه"، وشيء من الدين الإسلامي: "فقام عن فراشه برغم مرضه واغتسل"، ونلاحظ أن البعد الزمني متداخل، بحيث نجد فيه الطقوس الدينية البعلية/التموزية، وشيء من فداء المسيح، صورة الشهيد في الإسلام.
يستوقفنا هذا التناول المتعدد للأديان ويجعلنا نتساءل: "هل أراد السارد بهذا المشهد توحيد الأديان وجمعها في دين/عقيدة واحدة، أم أراد أن ينوه إلى أنها متشابهة ويمكن أن تلتقي معا، إذا ما وجدت الشخص/القائد/النبي الذي تجتمع عليه؟، اعتقد أن السؤال الثاني هو المراد، وهو الذي يسعى إليه السارد، فهو لا يريد إيجاد دين واحد يتوافق عليه الجميع، بل يرد التأكيد على أن الجامع/الموحد للناس/للمجتمع عناصر كثيرة وعديدة، فإذا كان موت شخص ك"الحانوتي" جعلهم ينسون الحزن وينعموا بالفرح، فما بالنا بوجود أشياء/عناصر/أشخاص كثر يجتمع عليها أهل القرية؟.
وإذا ما توقفنا عند المقطع لأخير في المشهد السابق، نجد أن السارد أدخلنا إلى البعد الروائي من خلال حديثه عن "موت كاتب كبير" والأوراق التي تركها، وكأنه بهذا الطرح يؤكد على تداخل الأزمنة والأفكار والشخصيات الروائية، من هنا كان هناك "حانوتي" آخر: " أما تاريخ المدينة المتعلق بالحانوتية فاستمر رغم وفاة من ابتدأه اكراما لأجداده، فتم اختيار "عنقود" المشرد الذي لا أصل له" ص26و27، فالتركيز على (محو) الأصول العائلة/القبلية للحانوتي، والأصول الدينية كلها تجعل من "الحانوتي" شخص جامع، موحد للكل، فتقديمه بهذا الشكل يأتي وكأنه (شيء/شخص) غير أرضي، سماوي، لهذا يتقبله الكل، ويجتمع عليه الكل.
الاجتماعية/المدنية
فيما سبق، نوه السارد إلى عدم الأخذ بالفروق الدينية بين الناس، من خلال حديثه عن المقبرة المشتركة، وعن الحانوتي الملحد، وها وهو يؤكد على هذه الدعوة من خلال عن "عنبر": "...كان يؤيد الدولة المدنية التي لا تميز بين أديان مواطنيها هي الحل، وأن الدين يجب بقاؤه كعامل مساعد على استقرار الدولة وازدهارها" ص120، الجميل في هذه الدعوة أنها توضح فكرة المدنية بطريقة محايدة، بعيدا عن التشويهات التي يحاول رجال الدين إيجادها، فهي دعوة متوازنة، عادلة، تساوي بين الجميع، لهذا ـ بهذا الطرح ـ تكشف عيوب من يعارضها، وتكشف عيوبه الفكرية والعقائدية.
السياسي
الثالوث المحرم في المنطقة العربية، هو الدين، السياسية، الجنس، فالسارد فيما سبق تناول "الدين" بطريقته الخاصة، وها هو يتناول المحرم الثاني، السياسة، مبينا الطرق القمعية التي ينتهجها النظام الرسمي في معاملة المعارضين له: "...ولد عمار في بيت مريح، لكن تدخل أهله في السياسة أجبرهما على الرحيل عن هذا العالم وهو في العاشرة من عمره، لكن مقتلهما لم يكن في البيت، بل كان خارجه، ... في منتص الليل قرع بابه الجنود فخاف الطفل لكنه لم يستطع التحرك، فألقوا به خارج البيت وأحرقوا المنزل وهكذا وجد نفسه في الشارع" ص35، هذه إحدى الصور التي يتعامل بها النظام الرسمي مع من يعارضه، فالحانوتي نفسه يتعرض للتحقيق من قبل المخابرات قبض على الصحفي: "ـ اتعرف، مع أي مخابرات خارجية تعمل؟، لماذا تنشر أخبار كاذبة عمن بنوا الوطن؟، هل تكره الآباء؟" ص46، فالتهم ولشك هما الوسيلة المتبعة لمطاردة كل من لا يثبت ولاؤه للنظام.
أما عن الاجراءات للحصول على شهادة (حسن سيرة وسلوك)، وهذا تعد بمثابة (جواز سفر) للعبور إلى أي وظيفة في الداخل أول في الخارج: " كان أبني يريد السفر للدراسة في الخارج، فأخبرونا بأن علينا احضار ورقة "براءة ذمة" فذهبنا إلى أحد فروع المخابرات، فأخبرنا الموظف أن علينا الانتظار أسبوعين للحصول على الورقة، لكن الوقت كان يداهمنا، ...ذهب إلى مدير المخابرات ووقع أبني على أنه لم يقاتل مع نابليون أو محمد علي، مع تشرشل أو هتلر" ص126، ما جاء في هذا المشهد لا يعد مبالغة أو (فنتازيا) بل هو الواقع الذي يمارس من قبل المخابرات العربية، فهي تريد (صك غفرن) موقع من الله وليس من البابا لإثبات براءة المواطن، وعدم (تلوثه) بالآخرين أبو بأفكارهم.
عن عقم النهج العربي الرسمي في التعامل مع المواطن، يقدم السارد هذه الصورة: "...فلن يحقق معك أحد إذا كنت تملك الجنسية، أما هنا فالأمر مقلوب، يحقق مع الشخص لأنه يمتلك هوية وطنية أما الأجنبي فيسجد له" ص165، هذا حلنا في المنطقة العربية، وحال الممارسة الأمنية للنظام الرسمي العربي.
الأفكار والحكم
فيما سبق السارد عرفنا على طبيعة الحياة التي يعيشها المواطن في المنطقة لعربية، فوجدنا الألم والظلم الواقع على الإنسان، لكنه لم يكتفي بتقديم الواقع، فيقدم رؤيته للخلاص من بؤس الحال من خلال الأفكار التي تطرحها شخصيات الرواية: "...أن الحضارات لو تغيرت أشكالها، تقع على كوكب واحد نحن سكانه، فاحسب كل تطور في ذلك البلد واكتسب إيجابياته وأبغض سلبياته ولا تحملها معك عند عوتك، ..متى اشتد عودك فتحرر وكن وحيدا، ...أعلم أن خروجك هروب ومنفذ، إجباري وطوعي، مع ذلك فامدح أصلك فإنه ليس السبب، ولا تبغض وظيفة والدك، فإنها مصدر رزقنا، لا تهتم بما يقوله الناس عبئا، بل أبحث في البداية عن نفسك وفتش في مكنونها وجد عيوبها وإن أمكن أقضي عليها" ص66، هذا بعض من وصية الأب للابن المسافر إلى مجتمع جديد، فنجد الفكر الإنساني/الأممي، والأخلاق، ومحاربة النفس الأمارة بالسوء، والدعوة لاستخدام العقل/المنطق في المفاضلة بين الرذيلة/السلبيات وبين العفة/الايجابيات، ونلاحظ أن هناك دعوة للتميز من خلال حدثيه عن (النقد الذاتي) ومعالجة السلبيات.
"...لا يمكن أن نعتبر الأرض أفضل من النباتات التي تخرج منها، لا يمكن اعتبار الأهل أفضل من أبنائهم لمجرد كونهم أهلهم" ص57، فهذا القول يتماثل مع فكرة الماركسية هو التغييرات الإيجابية في المجتمع "الجديد يولد من رحم القديم.

السرد الروائي
الرواية تناول مواضع صعبة وجديدة، وعلى القارئ أن يتوقف ـ بين الحين والحين ـ عند ما تطرحه الرواية، فكان لا بد من وجود مخففات على القارئ، فكان دخول السارد وكسر وتيرة السرد يعد أحد تلك الأساليب التي استخدمها ليخفف على المتلقي قدر المستطاع، "هذا كان الجزء "المختصر" من القصة، أي غير كاملة، ففي كثير من الأحيان يظن القراء أن المكتوب سيروي ظمأ ذهن عطش، لكن الحقيقة غير ذلك، فكل كاتب يقدم ما يراه للناس صحيحا ويخفي شيئا ما لسبب أو لأخر" ص33و34، بهذا الطريقة استطاع السارد أن (يخرج) عن تتابع السرد، ويعيد المتلقي إلى حالة كتابية جديدة، بعيدا عن السرد الروائي.
"...كما تريد أيها القارئ لكني أعلم شيئا واحدا، لم يكن الحانوتي شخصا جاهلا بخبايا النفس البشرية" ص128، وهنا أيضا (يجنح) السارد إلى استخدام قطع السرد ومخاطبة القارئ مباشرة.
الرواية من منشورات، الرعاة للنشر والتوزيع، رام الله، فلسطين، ودار جسور للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى ، 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما