الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمن الجديد

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2022 / 1 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يبين هذا النص ملامح فلسفة جديدة لجزء من عمل هيئات الأمن الداخلي في دول العالم الثالث


1- تاريخ:
واشجت بداية الحواسيب منطق لعبة المنقلة والسيجا المنتشرة في إفريقيا والهند والصين منذ الاف السنين ونمت الحاسبات الخشبية والحجرية في آسيا ثم في أوروبا وصولاً إلى الات الحساب في المتاجر ثم الحواسيب نصف الكهربية نصف الميكانيكية الضخمة الحجم ذات الأداء المحدود ثم توالى ظهور بعض الحواسيب العبقرية في شرق أوروبا وغربها قبل أن تتسيد الصين في أغلب مجالاتها في القرن الواحد وعشرين.

في سبتمبر 1976 سرق طيار خائن طائرة ميج 25 من الإتحاد السوفييتي وهبط بها في جارتهم اليابان التي قامت مع أمريكا بفحصها ونسخ تصميم وأفكار حواسيبها، ومن ثم بجمع عبقرية الحواسيب السوفييتية مع عبقرية الحواسيب الغربية دخلت دول غرب أوروبا وشمال أمريكا واليابان وبعض توابعهم عصر الحواسيب الكهربية الحديثة الصغيرة الحجم الكبيرة الإمكانات.

وقد أفاد ذلك التقدم في تجديد محطة GCHQ العملاقة في بريطانيا وهي أكبر محطة رصد لأي شيء الكتروني في العالم/الكون وفي تطوير الإتصالات وفي تغيير بنية المعلومات في الدول الغربية، وقد اسهم هذا التقدم بشكل موجب في تطور امكانات الرصد والتحليل في العالم، ومن ثم أثر بشكل موجب على عمليات الرصد التي تقوم بها هيئات الدول واستخباراتها وأجهزتها الأمنية.



2- تغير المعلومات والمهمات:
تضخمت المعلومات المخزونة بأشكال مختلفة عن كل الأشياء والمجالات الحيوية لأي دولة أو مجتمع، ومع تحول غالبية دول العالم من الحالة الوطنية إلى الحالة التجارية أصبحت معرفة المعلومات الاستراتيجية الضخمة معرفة سهلة متاحة بصور هائلة منذ الثمانينيات عن طريق البحوث الأكاديمية ومخزوناتها في مكتبات الجامعات وعن طريق مخزونات وأرشيفات بنوك المعلومات ومراكز البحوث ثم عن طريق محركات البحث المختصة أو العمومية، ومن ثم تغيرت طبيعة عمل ومهام كثير من وحدات الرصد والتحليل والتخمين في الوزارات وفي الهيئات الإستخبارية والأمنية.



3- تطور الحواسيب/المعرفة والعمل الأمني:
إنخفض حجم الجهد الضخم المبذول لجمع المعلومات الضخمة التي أصبحت كثيرة وسهلة التناول صعبة الحصر، حيث أصبحت كثير من مهمات جمعها وتنسيقها مهمات تؤديها الحواسيب تلقاء عملها.
ومن ثم مع نموء معرفة وصناعة الحواسيب والاتصالات ومعارفها توفرت لهيئات الأمن حواسيب ومعلومات وكوادر بشرية تؤدي مهمات أكبر من عمليات الإحصاء والرصد الأولية بل ترتبط بتقدير أحوال المعرفة/الإعلام/ الثقافة، ومواقف الهيئات المجتمعية الكبيرة (أحزاب، طوائف، عشائر، شركات، جمعيات وأسر وأفراد)، وتحسن معرفة هيئات الأمن لتصرفات الإقتصاد والسوق والسياسة، وكذلك معرفة الأوضاع والمواقف الدولية وتغيرات البيئة والمناخ في الدولة أو في العالم .

أي إن كثير من النشاط الأمني تطور من حالة السؤال البدائي عن "ما هو؟" إلى أسئلة من نوع "كيف؟" و"لماذا؟" و"طبيعة النتيجة وآثار التغير القريبة والوسط والبعيدة؟"



4 - الخطر الجديد والأمن الجديد:
نشأ خطر جديد على غالبية دول العالم الثالث من الدول الكبرى في مجموعة OECD وتمثل ذلك الخطر في ظهور "حروب الجيل الرابع"، وهو خطر إنصب حتى الآن على النظم الممانعة نوعاً ما لأجزاء من نظام "حرية السوق" أو لجزء محدد من الجبروت الأمريكي والرؤية الإمبريالية لصياغة دول العالم في شكل تبعي مطلق.

أدى هذا الجبروت وإضراره بثقافة ومصالح النخب الحاكمة ومجتمعاتها إلى تأسيس حالة ارتباط بين المسائل الأمنية والأمور الإستراتيجية وهو ارتباط سطحي بحكم إن القوى الإمبريالية المتحكمة في غالبية دول العالم والقوى المتحكمة في كل دولة من الدول المستضعفة وهيئاتها الأمنية لا تريد تغيير استراتيجية حرية التملك والمضاربات لا في العالم ولا في أي دولة بل ترغب في تغيير شكل ديكتاتورية تماسيح السوق وشكل رئاسة الحكم المنظم لفسادها خاصة في الدول ذات الإتجاهات الإجتماعية أو في المجتمعات ذات الإسلام أو المعادية للصهيونية.



5- بعض معالم وجذور حروب الجيل الرابع:
تمثل حروب الجيل الرابع قمة مثالية منسقة لتطور كثير من الأفكار والإجراءات الفاشستية ضد الأفكار والهيئات والمطالب التقدمية. وقد نما هذا النوع من الحروب كخلاصة لمجموعة خبرات انتهت إلى اسقاط حكومات.

شمل نموء وترتب الخبرات وتحويلها إلى دليل عمليات لهز وإسقاط الحكومات خبرة الإجراءات الثورية والإشتراكية والشيوعية ضد الحكومات الرجعية، كما شمل خبرة الإجراءات المتخذة ضد الأفكار والعناصر التقدمية بواسطة الحكومات الرجعية، وأهمها خبرة الدول الألمانية (بروسيا وبافاريا) منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى ما يعد إسقاط النازية ثم اسقاط حائط برلين وما بعده، وأيضاً الإجراءات التي اتخذها وزير الداخلية البريطاني ونستون تشرشل لكسر الثورة البروليتارية في إنجلترا عامي 1925 و 1926، وكذا خبرات أمريكا في نفس الفترة ضد المد الاشتراكي داخلها وبعدها بمعونة الخبراء الألمان النازيين خبرتها ضد النشاط التقدمي المناصر لشعوب كوريا وفيتنام وكوبا ثم ضد النشاط الإفريقي داخل أمريكا، وكذلك خبرات أعمال التثقيف السياسي لجماعة "إخوان الحرية" (البريطانية) في مصر الثلاثينيات والأربعينيات ولجماعة "الحرية" (الأميركية) في أمريكا ثم داخل فرنسا، ومعها خبرة الجماعات الإسلامية والمسيحية والصهيونية والبوذية المضادة للأفكار والأحزاب والحكومات الشيوعية وخبرة العمل النقابي ضد الحكومات وضد مديري الشركات، كذا الخبرات القمعية الفاشستية في فرنسا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا واليونان وقبرص وفي دول أمريكا اللاتينيةوفي آسيا كوريا الجنوبية واليابان وتركيا وإندونيسيا وتايوان وماليزيا وايران وفلسطين والعراق واليمن الشمالي ودول الخليج ودول إفريقيا.

بحرب الجيل الرابع تنشط حالتين متناقضتي الشكل "حالة تحكم" و"حالة معارضة"، ومن ثم تختلط البيانات الإعلامية والحقوقية وتصدر قرارات إدانة وحصار بإسم حقوق الإنسان، ويزيد تطاول وتفسخ النخب وصعوبات المعيشة، ومن ثم تصبح مسألة اسقاط الشكل القديم للدولة وتبديله بشكل جديد لا يمس طبيعتها الجوهرية كآلية لتنظيم الاستغلال التجاري في مجالها مسألة وقت وحسابات ترتيب وتكالب تنتهي إلى تغيير حكومي مرتجل تزيد به أزمة الدولة والمجتمع.


يتكرس الإرتجال والتلتيق في الوضع الجديد للدولة الذي بدأ بحرب الجيل الرابع (بإكتمال) تلك الحرب بتكوين إجتماع دولي لكيان مصطنع يسمى أصدقاء الدولة تحاول مقراراته بإسم "تهدئة الأوضاع" أو "حقن الدماء" أو الإهتمام بـ"إجراء إنتخابات" بتحقيق هدفين متناقضين: الهدف الأول هو دعم التغيير ومحاولة ترسيخه بحجج إثنوسياسية تتجنب الموضوعية الطبقية وأسئلتها، والهدف الثاني حماية إستقرار الجوهر التجاري للدولة وهو جوهر رأسمالي ذو عنصريات متشعبة. ومن ثم بعد فترة نزاع يأتي الحكم الجديد والوضع الجديد للدولة خالياً من الإستقرار القديم على علاته وخالياً من أي تغييرات جذرية، بل إصلاحات شكلية تزيد تنافرات المجتمع والدولة.



6- الأمن السيبراني في عصر التضليل:
ارتبطت بداية إسقاط كل حكم بإسقاط صورته الإعلامية عبر عملية بسيطة مزدوجة تقوم بها جهة الإسقاط وعروتها كشف أخطاء وجرائم الحكم وتقديم صورة مشرقة للجمهور عن أداء الهيئات البديلة في المستقبل مزينة بحساب مالي مفرح يزعم ان دخل الدولة والمجتمع في المستقبل سيكون قريباً من حجم الصرف.

إزاء هذه المعالم تتوكد مهمة الأمن في التعامل مع المنظمات المدنية والمجتمعية ومع الأخبار المضللة! والواقع ان نشاط القمع ضد المنظمات وناشري الأخبار يزيد السخط على الحكام ومن ثم يصير القمع أقصر طريق لإنهاء الوضع القديم وليس حمايته، بحكم إن أكبر خطر على التماسك النسبي بين المجتمع والدولة ليس نشاط المنظمات المزدحمة بالمحسوبيات ولا تشتت اجتهادات الناشطين أو إختلافاتهم، بل هو خطر تجتمع في فترة واحدة عناصره الستة وهي:
1- عدم التكامل مع الجيران،
2- الإستعمار والقهر الداخلي،
3- إدمان تسول التمويل الخارجي،
4- الرجعية الثقافية التي ترد الأمور الى الطبيعة والقدر،
5- الضياع الثقافي المنتظر حضور الحلول من الخارج أو من شخصيات فذة ومن أفكار تلفيقية،
6- ضعف القدرة على الحشد الداخلي والخوف من الإرتباط الإستراتيجي مع دولة قوية دون شروط مالية مسمومة.

بهذه الحقيقة يصبح واجب الهيئات الأمنية خارج إطار القمع بل في إطار بناء ديموقراطية شعبية تمثل في برلمانها بشكل مباشر فئات الكادحين (زراع، رعاة، حرفيين، وعمال، ومهنيين) وممثلين لمجتمعات العمل العام (المجتمع الأكاديمي، المجتمع الأمني والعسكري، مجتمع حركة الجمعيات التعاونية، المجتمع التجاري، مجتمع الإعلاميين، مجتمع تنظيمات النساء، مجتمع المغتربين، إلخ) + ممثلون لكتل الأحزاب وبذلك تبعد الهيئات الأمنية المجتمع والدولة من حذلقات وفساد النظام النخبوي ومن دوغما وانبهام الدعاوى الشعبوية سواء كانت باسم تحكيم الله أو باسم تحكيم الشعب. وان تعمل على حماية ودعم العناصر الوطنية والشيوعية بحكم كل عنصر منها قادر على اضعاف عشرة أخطار على الحقوق والعدالة والسلام في مجال وحوده.

-

7. النشاط السيبراني المفيد للأمن:
تشمل شبكة المعلومات والإتصالات كل شيء لكن تسوء حالها بتفاصيل كثيرة عن التفاوت الرقمي Digital Gap وهو إصطلاح يعبر عن فرق طبقي وإقليمي وجندري في الإمكانات المالية والمعرفية والثقافية لإستعمال التكنولوجيا وتحقيق أهدافها لذا مع سيطرة الإعلام على السياسة مهم أن تنتبه هيئات الأمن إلى تحسين كفاءة شبكة التواصل في البلاد ودعم الأفكار والأعمال التي تجود إستعمال الشبكة في كشف النواقص والفساد واثارة الاحصاءات والأسئلة المفيدة للديموقراطية الشعبية والتنمية المتوازنة والتكامل مع الجيران، وزيادة الأنشطة التعاونية والنقابية والمجتمعية، وزيادة الأنشطة الثقافية والجمالية، فغياب شبكة التواصل الفعالة يفتح الطريق لقيام بعض العناصر المتقدمة الاتصالات بالسيطرة على جزء كبير من عمليات توجيه المجتمع، تماماً كغياب الإمداد الكهربائي ليلاً إذ يسمح للصوص والجبابرة بالسيطرة على أمن وأمان المجتمع المظلم.

أنتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال