الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحياء القناة السورية: ليس لدى الجمعية الخيرية مَن يكاتبها

صبحي حديدي

2006 / 9 / 2
الارهاب, الحرب والسلام


الخبر الأول يقول إنّ السلطات الإسرائيلية باشرت العمل في مشروع جديد عملاق لإنشاء مجمّع مياه ضخم في هضبة الجولان السورية المحتلة (سنة 1967، ثمّ للمرّة الثانية سنة 1973)، سوف يكون الرقم 19 في عدد مجمعات المياه التي أقامتها الدولة العبرية بهدف تحسين شروط الريّ في مزارع المستوطنات وتخفيف ضخّ المياه من بحيرة طبرية. ويتمّ العمل في هذا المجمّع الجديد على مرأى ومسمع قوّات الفصل، الـ UNDOF، التابعة للأمم المتحدة والتي تكتفي بتسجيل تقارير روتينية عن هذا الخرق الفاضح لاتفاقية الفصل التي وقعتها سورية وإسرائيل في خيمة سعسع، سنة 1974.
الخبر الثاني يقول إنّ مجموعة مجهولة تطلق على نفسها اسم "رجال المقاومة السورية الوطنية في الجولان السوري المحتل"، أعلنت عزمها على الاقتداء بنموذج "حزب الله" في أسر جنود إسرائيليين في الجولان المحتل، لمبادلتهم بأسرى سوريين تحتجزهم الدولة العبرية منذ ربع قرن. وقالت المنظمة، في بيان تلقاه مكتب وكالة أنباء "يونايتد برس إنترناشنال" في دمشق، إنّ "النموذج اللبناني، نموذج حزب الله، لن يكون ببعيد عنا في التنفيذ والإعداد لإطلاق سراح أسرانا". كما أوضح البيان الدافع الرئيسي وراء هذا التحرّك الجديد، كما يلي: "استمرار سلطات الإحتلال الصهيوني باعتقال رفاقنا منذ 22 عاماً يدعونا للعمل وبذل المساعي لإطلاق سراحهم".
والحال أنّ الخبرين ينفعان، النفع الأكبر ربما، في شحذ ذاكرة ـ وتشذيب حجّة ـ القائلين اليوم باحتمال استئناف مفاوضات سورية ـ إسرائيلية تسفر عن توقيع اتفاقية سلام يكون في طليعة بنودها انسحاب من، أو انسحابات في، الجولان. الخبر الأول يذكّرنا بحقائق الاستيطان الصلبة، على الأرض وما في بطنها وفي سمائها أيضاً، حيث لا يبدو الانسحاب من الجولان شبيهاً بأي انسحاب إسرائيلي سابق من أية أرض عربية محتلة، وحيث لا يمكن لاتفاقية سلام سورية ـ إسرائيلية أن تشبه اتفاقية كامب دافيد أو اتفاقية وادي عربة. الخبر الثاني يذكّرنا، إذا صحّ محتواه ولم يكن تلفيقاً استخباراتياً من جانب النظام السوري، أنّ الأمر أكثر إثارة للبهجة من أن يكون صحيحاً في جانب، ولكنه جدّ قليل/ جدّ متأخر في جانب ثانٍ.
ذلك لأنّ كلّ يوم يعقب العدوان الإسرائيلي البربري على لبنان، إنما يؤكد ـ بثبات تصاعدي يثير العجب أحياناً ـ نقيض النظرية التي عدّت النظام السوري في صفّ الرابحين من تلك الحرب، خصوصاً في المآل المزدوج الذي انتهت إليه الحرب: ما أنجزه صمود المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني بأسره، وما تكبدته الدولة العبرية من خسائر فادحة غير مسبوقة في تاريخ حروبها مع الأنظمة العربية. وإذا كان النظام لا يبدو وقد انتهى على شاكلة "أنصاف الرجال" و"أنصاف المواقف" من القادة العرب الذين لاموا "حزب الله" أو وقفوا متفرجين على صموده فحسب (هؤلاء تدبروا أمرهم الآن، أفضل بكثير كما يبدو، واستعادوا المبادرة حتى مع طهران!)، فإنه في الآن ذاته لا يبدو وقد انتهى إلى أيّة حصيلة عملية ملموسة تفيد الرجولة الكاملة أو الموقف الكامل، ولندعْ جانباً أيّ مكسب سياسي دسم سمين، أو حتى غثّ هزيل.
مسعى النظام إلى مصادرة منجزات المقاومة اللبنانية، بعد تحويل عذابات اللبنانيين إلى أضحيات بالنيابة، انتهى إلى كاريكاتور يثير الشفقة حقاً، مثاله هذا الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية، "سانا": جماهير حاشدة من أبناء الضاحية الجنوبية اعترضت موكب الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، وأجبرته على اختصار زيارته، وكانت تهتف: تسقط إسرائيل... تحيا سورية! هكذا، فقط لا غير، ولا جماهير البتة تهتف بحياة لبنان، أو بحياة "حزب الله"، أو أمينه العام حسن نصر الله! إذا لم تستحِ فافعل ما تشاء، قد يقول قائل، ولكن أيضاً: ماذا تفعل إذا كان كلّ ما في وسعك أن تفعله في لبنان ما بعد العدوان الإسرائيلي البربري هو هذا، ولا شيء سوى هذا!
وأمّا رياضة حرق ما تبقى للنظام من صلات إقليمية مع المملكة العربية السعودية ومصر (وهي، في نهاية المطاف، بعض إرث حافظ الأسد وليس بشار الأسد)، فإنها أرضت شهوة النظام إلى إهراق اللغة الخشبية وممارسة التنظير وإلقاء العظات. وهي، للإنصاف، أشبعت أيضاً نهم البعض (من طراز دراويش الناصرية الميتافيزيقية ويتامى جمهورية الفاكهاني البيروتية) إلى انتصارات لفظية ديماغوجية تداوي الهزائم والجراح النرجسية، حتى في مستوى البلاغة الطنانة الرنانة ليس أكثر. ولقد رأينا كيف أنّ وزير دعاية النظام السوري، ثمّ بعده وزير الخارجية، تصببا عرقاً وسفحا الكثير من ماء الوجه وهما يحاولان تلطيف تلك التصريحات التي تصف أنصاف الرجال وأنصاف المواقف والمنتجات الإسرائيلية، دون جدوى في الواقع.
مكسب مع إيران، قد يقول قائل ممّن يؤمنون بوجود، أو حتى احتمال نشوء، ذلك القوس الشيعي" الذي ينطلق من طهران (أم من مدينة قم؟)، مارّاً ببغداد (أو البصرة، بالأحرى؟)، ثمّ دمشق (السيدة زينب، بادىء ذي بدء؟)، فالجنوب اللبناني (مارّاً بالضاحية؟ أم بعلبك؟)، واصلاً إلى غزّة في فلسطين (وهنا لا يملك المرء مرجعية جغرافية محددة!)... ولكن إذا صحّ أنّ الاحتلال الأمريكي للعراق، فضلاً عن تسعة أعشار سياسات البيت الأبيض في المنطقة عموماً والخليج خصوصاً، هي التي حوّلت وتحوّل إيران إلى قوّة إقليمية، فلماذا يتوجب أن تكون هذه القوّة شيعية بالضرورة والتعريف؟
وثانياً، لماذا يتوجّب أن تظلّ القوّة إياها شيعية المحتوى في بلدان ذات أغلبية غير شيعية (لكي يتابع المرء هذه المقاربة المذهبية، على سبيل المناقشة فقط)؟ وثالثاً، إذا لم يكن النظام السوري "جمعية خيرية" في البحث عن مصالحه، كما يردّد وزير الخارجية السوري مقتبساً عبارة الأسد الابن، فلماذا يتوجب أن تكون إيران جمعية خيرية تغدق الهبات الإقليمية على النظام السوري دون مقابل؟ وفي هذه الحال، أيّ مقابل يملك النظام مبادلته مع طهران؟ وأيّ مقابل إيرانيّ محدّد يخدم النظام في معركته الدبلوماسية لاستعادة الجولان المحتلّ تحديداً؟
وفي ما يخصّ هذا الملفّ الأخير، الجولان المحتلّ، يزعم بعض أهل النظام بأنّ أي استئناف للمفاوضات مع إسرائيل ينبغي أن يبدأ من حيث انتهت جولات التفاوض الأخيرة أيام الأسد الأب وما قبل قمّة جنيف مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، أواخر آذار (مارس) 2000. ولكن... هل كانت إسرائيل هي الطرف الخاسر تلك الساعة، في تلك المرحلة من التفاوض، لكي يصرّ النظام على التمسّك بها هكذا؟ الوقائع تفيد العكس تماماً، إذْ نعرف مثلاً أنّ جدول أعمال مفاوضات شبردزتاون (بين وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك) كان يسير في معظمه وفق الأولويات الإسرائيلية، وليس السورية.
بين تلك الأولويات ما يلي: العلاقات السلمية الطبيعية (التطبيعية، في العبارة الأوضح)، والتريتبات الأمنية (ما ستحصل عليه الدولة العبرية من الولايات المتحدة لقاء الإنسحاب من كلّ أو معظم أراضي الجولان)، والمياه (تحكّم الإسرائيليين المطلق، أو الشراكة التي لا تختلف عن التحكّم المطلق، بمنابع بانياس والضفة الشرقية من نهر الأردن والضفة الشمالية ـ الشرقية من بحيرة طبرية والضفة الشمالية من نهر اليرموك)، والحدود الدولية (في إطار الفارق بين حدود الإنتداب التي رُسمت في العام 1923 وحدود 1967 كما رسمتها الحرب. والفارق هذا ليس أكثر من 16 كم مربع كانت تحت السيادة السورية في عام 1967، مقابل 50 كم مربع من المنطقة منزوعة السلاح قضمتها الدولة العبرية على دفعات بعد حرب 1948).
ونعرف أيضاً أنّ الدولة العبرية طالبت بما هو أبعد ـ وأبعد بكثير في الواقع ـ من مجرّد فتح الخزانة الفيديرالية الأمريكية أمام تعويضات بمليارات الدولارات، تُدفع لمستوطني الجولان الذين سينزحون عنها في حال انسحاب الجيش الإسرائيلي. ما طلبته الدولة العبرية لم يكن أقلّ من إحياء الأفكار القديمة حول اتفاقية دفاع مشترك أمريكية ـ إسرائيلية، يفرضها اعتباران استراتيجيان حاسمان:
1 ـ صحيح أنّ الجيش السوري ضعيف ومتدنّي العدّة والتدريب، وأنه لم يعد يشكّل خطراً عسكرياً كبيراً على الدولة العبرية، وأنّ الإنسحاب الإسرائيلي من الجولان لن يقوّي شوكة هذا الجيش في أيّة حال. ولكن من الصحيح اأضاً أنّ الجيش السوري ما يزال يملك صواريخ بعيدة المدى، مؤهلة لحمل رؤوس كيماوية، وأنّ وصول هذه الصواريخ إلى حيفا ويافا وتل أبيب لا علاقة له بالإنسحاب من الجولان. المطلوب، تالياً، الذهاب بالقدرة الردعية الإسرائيلية إلى مداها الأقصى، وإلى النقطة التي يقول فيها رئيس الأركان الإسرائيلي إنه في وضعية تتيح له ضمان أمن الدولة العبرية بالمطلق.
2 ـ صحيح أنّ الدولة العبرية تحتكر اليوم السلاح النووي في المنطقة، ولكنّ هذا الإحتكار لن يدوم إلى الأبد، والمنطقة مرشحة في العقود القادمة من هذا القرن لامتلاك السلاح النووي (في إيران أوّلاً، وأساساً). ذلك يقلب كامل المعادلة الإستراتيجية، ويحتّم على الولايات المتحدة اتخاذ كلّ (نعم: كلّ!) الإجراءات التي تكفل أمن الدولة العبرية إزاء الأخطار النووية.
ونعرف، أخيراً، أنّ اللائحة الإسرائيلية لضمان ذلك الأمن (وهي، في عبارة أخرى، الثمن الإسرائيلي للقبول بـ «سلام الشجعان») تتضمّن مساعدة أمريكية (مالية ـ عسكرية) طويلة الأمد، ينبغي أن تزداد من 1.29 إلى 2,4 مليار دولار دفعة واحدة؛ وضمانات أمريكية قصوى حول فعالية أنظمة التفتيش عن الأسلحة المحظورة في الشرق الأوسط (باستثناء الدولة العبرية!)؛ وضمانات لتقديم مساعدات طارئة فورية في حال وقوع أزمة تهدّد الدولة العبرية، على غرار ما جرى في حرب تشرين وحرب الخليج الثانية؛ وتمكين الدولة العبرية من الإطلاع على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتقدّمة، بما في ذلك تلك الأسلحة التي لا تقدّمها أمريكا حتّي لحلفائها في الناتو؛ وضمان تدفّق النفط إلى الدولة العبرية، في حال وقوع أزمة...
في تلك الأيام كان المطبّلون لـ «سلام الشجعان» هذا يبشّروننا بأمرَين: أنّ المفاوض السوري سوف يلحق هزيمة نكراء بالمفاوض الإسرائيلي، أين منها هزائم الأنظمة العربية أمام الدولة العبرية في ساحات القتال؛ وأنّ «سلام الشجعان» إياه سوف يتمخّض عن وليد إعجازي هو «البيريسترويكا السورية»: ليبرالية إقتصادية، انفتاح، شفافية، تقويض لنظام الحزب الحاكم الواحد، الخ... الخ... ولقد تكفّل اشتداد المرض بإقناع الأسد الأب أن ملفّ توريث ابنه بشار هو الأهمّ، بل من غير الحكمة توريث الفتى اتفاقية كهذه محفوفة بالأخطار مزروعة بالألغام، خصوصاً في غابة الذئاب الكاسرة هذه التي سيستلمها الوريث. كما تكفّل الملفّ ذاته بإرسال المطبّلين بـ "بيريسترويكا سورية" إلى سلّة مهملات التاريخ، ليس بعد وأد ما سُمّي بـ "ربيع دمشق" فحسب، بل قبل هذا الموعد، أو منذ بدء البدء في واقع الأمر.
وإذا كان المرء، السوري خاصة، لا يأمل في ولادة حركة مقاومة شعبية حقّة لتحرير الجولان إلا اقتراناً بأمل خلاص سورية من نظام الاستبداد والعائلة والنهب والفساد، فإنّ من المحزن للمرء ذاته أن لا يرى أيّ أفق قريب يمنع إسرائيل من إنشاء مجمّع المياه الـ 20 في أيّ من وديان الجولان المحتلّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيع دراجة استخدمها الرئيس الفرنسي السابق لزيارة عشيقته


.. المتحدث باسم الصليب الأحمر للجزيرة: نظام الرعاية الصحية بغزة




.. قصف إسرائيلي يشعل النيران بمخيم في رفح ويصيب الأهالي بحروق


.. بالخريطة التفاعلية.. توضيح لمنطقة مجزرة رفح التي ادعى جيش ال




.. هيئة البث الإسرائيلية: المنظومة الأمنية قد تتعامل مع طلب حما