الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طريق البحث عن قالب مسرحي عربي -الحلقه الثالثه-

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2022 / 1 / 17
الادب والفن


«في طريق البحث عن قالب عربي"
الحلقة الثالثة

كيف لنا أن نحمي هوية مسرحنا العربي ونحن لا نستقرأ تجاربنا التي تعبر عن قضايانا اليومية ؟ وكيف لنا أن نخرج بنظرية عربيه في المسرح والبحث العلمي مازال يرتمي في أحضان الآخر الغربي ؟
لقد بات البحث العلمي في مسرح الشارع الذي يناقش قضايا المتلقي خارج العمارة المسرحية ضرورة حتميه في ظل هرطقات ودوغمائية كل من زج بنفسه إلى الفضاء المادي الطارئ ظنا منه أنه يصنع مسرح شارع بل تعدت الإشكالية الي مرحلة بالغة الخطورة أطلقت عليها في مقالات سابقة بقلمي مرحلة (الخلط الشائع) والتي يتجلى فيها غياب الأنساق المفاهيمية وعدم وضوح السمات المميزة لعروض مسرح الشارع فأصبحت العروض المسرحية التي تقدم في الشارع لا تختلف عن العروض التي تقدم علي الفضاء التقليدي (العلبة الإيطالية) واصبح مسرح الشارع يعاني الخلط الشائع بين الأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع وبين مسرحة الفضاء المادي الطارئ . ولنا أن نتوقف أمام عروض مسرح الشارع في وطننا العربي ونتساءل هل عروض الشارع هي عروض مسرحية؟ ام فنون أدائية؟ بمعني هل تنطبق العناصر الأساسية للعرض المسرحي عليها ؟ أم اننا نشاهد طقوسا للتجليات التوليفية ؟
إن الإجابة علي مثل هذه التساؤلات تستدعي أن نغوص تاريخيا فيما أطلق عليه ظواهر مسرحية عربية، وسنصف هذه الظواهر ب (الحكواتية) نسبة للحكواتي العربي الذي تطور فنه فانبثق عنه الأراجوز و المحباظاتيه وخيال الظل •
ففي بداية الأمر استخدم الأثرياء لاعبي خيال الظل في حفلاتهم مثلما كانوا يستقدمون كبار القصاصين والمنشدين والمغنين . وحينما كثر المخايلون (لاعبي خيال الظل) وتطورت ألعابهم وفنونهم أخذوا يجوبون القرى والأرياف وأحياناً المدن . ويقدمون عروضهم في موالد الأولياء والمناسبات الدينية والسياسية وفي حفلات الزواج والختان . والأماكن التي يؤدون فيها عروضهم هي المقاهي والحانات والأسواق إضافة إلى دور الأعيان من ساكني الريف أو الحضر وذلك أيام شهر رمضان وحفلات النذور .
وأول عربي كتب في خيال الظل هو( أبو الحسن علي بن محمد) المعروف( بالشابشتي).
ولابن دانيال الكحال كتابه المعروف ( طيف الخيال ) الذي انتشر الفن على يديه وبتأثيره في أرجاء البلاد العربية، وأشار إليه جماعة من المؤرخين كابن شاكر والغزولي والمقريزي وابن إياس وغيرهم.
ويرى د.( إبراهيم حمادة) إن عملية الزحف الظلي إلى العالم الإسلامي والعربي(3) بدأت " أواخر القرن العاشر، وأوائل القرن الحادي عشر حيث أمكن بالتدريج تقديم مستويات ظلية محلية لها قيمتها الفنية بعد أن امتزج الوافد بخصائص التراث الاجتماعي العربي وتطبع بطابعه وصبغته واستقرار ملامحه الأخيرة أتاح له فرصة هضم قوميته، وان اقتران خيال الظل بالتنقل هو الذي فرض شكل هذا النوع من المسرح وجمهوره . .
ويصف الدكتور( عبد الحميد يونس) داراً لعرض خيال الظل في مصر(4) , على شكل ردهة متسعة واحدة , والدخول فيها لم يكن بأجر , ولكن ينقطع التمثيل بعد التمهيد , وفي الاستراحة يدفع النظارة كل حسب طاقته , وهذه سمة يتسم بها الفن الشعبي التمثيلي . ووضعت المنصة والتي يمكن أن نطلق عليها المسرح , مقابل باب الدخول . ونصب حاجز يفصل النظارة عن اللاعبين , وقد شيدت عليه ستارة من القماش الأبيض الرقيق الشفاف وراءها مصباح كبير من مصابيح الزيت وتحرك بين المصباح والشاشة رسوم من الجلد مثبتة على قصبات , فتظهر ظلالها على الشاشة المواجهة للجمهور , ويقوم بتحريكها شخصان على الأقل ويعاونهما اثنان آخران لتبادل الإنشاد والحديث , وهم لذلك يلونون أصواتهم بحيث تلائم الشخوص والمواقف المعروضة وكثيرا ما قلدوا أصوات الحيوانات . •نستخلص من هذا كله وجود مسرح ثابت أو متنقل لهذا الفن . وكلاهما يشترك مع الآخر في المقومات وطرق الإضاءة وعدد اللاعبين.
وموضوعات خيال الظل عبارة عن تمثيليات تصاغ صياغة أدبية, نثراً أو شعراً بالفصحى أو بالعامية . وتقترب في خصائصها من الكوميديا المرتجلة وتلائم الذوق والتفكير الاجتماعي السائد آنذاك . إذ يبتكر المخايلون نكات ومواقف ساخرة .
لقد اثبتنا بالدليل أن خيال الظل هذا الفن الأدائي كانت تنطبق عليه قواعد المسرح التي وضعها اليونانيون والتي لا يجب علينا القياس عليها نظرا لإختلاف واقعهم وازمتهم ومتلقيهم عن الواقع العربي وازماته . بل أن القياس علي ما اطلقوا عليه ظاهرة خيال الظل هو ذاته ما نستدل به في وصمهم "للمحباظاتيه» بالظاهرة
* فنجد المستشرق الدانماركي « إدوارد لين» يتحدث عن فرق "المحبظين في مصر"(5) وكان ذلك في إحدى حفلات " محمد علي باشا" عام 1830م، بمناسبة ختان واحد من أنجاله وقد أشترك المحبظون في الحفلة بمسرحية أقرب للعروض السياسية على بساطتها حسب وصف "لين" من حيث خطوطها الرئيسية وشخصياتها، حيث يقدم المحبظين عروضهم تلك أمام ( سلطان مصر ) بجرأة شديدة كما لو كانوا يعرضونها في حفلات الزواج والختان داخل بيوت العظماء وحلقات المتفرجين حين يقدمون ( مسرحهم ) في الأماكن العامة من حيث اعتماد عروضهم على النكات والحركات الخارجة، كما أن الممثلون ( المحبظاتية ) كلهم من الذكور، ما بين رجال وصبيان يقدمون جميع الأدوار الرجالية والنسائية.

يقول "لين":
[تدور المسرحية حول فلاح فقير فقراً مدقعاً أسمه "عوض" وتقول سجلات " العمدة" أن عليه ديناً يساوي ألف قرش أي عشرة جنيهات لجباة الضرائب لم يدفع منهم سوى خمسة قروش فقط، فيذهب له شيخ البلد ليسأله لماذا لم يدفع ما عليه من مال لجباة الضرائب فيرد عليه "عوض" بأنه معدم ولا يملك مليماً واحداً ليدفعه، وحينئذ يأمر شيخ البلد الغفير النظامي أن يطرح "عوض" أرضاً ويتم جلد المسكين عشرين جلدة ثم يساق إلى السجن بأوامر من العمدة الذي يري أن العشرين جلدة ليست عقاباً وأن ذل السجن هو العقاب اللائق حتى يدفع ما عليه أو يموت بداخله ميتة الكلاب، ويذهب "عوض" للسجن وتزوره زوجته هناك فيطلب منها "عوض" أن تأخذ بيضاً وقليلاً من الكشك الصعيدي والشعرية وتذهب للمعلم "حنا جرجس القبطي" فتعطيه البيض والكشك والشعرية كأتعاب دفاعه وتوسطه لإخراج "عوض" من السجن، وبالفعل تأخذ الزوجة كل ما طلبه منها زوجها في ثلاث أسبته وتمضي تسأل عن بيت المعلم ( حنا جرجس ) فيقال لها أنه هذا الرجل الذي يرتدي العمامة السوداء والذي يضع في حزامه محبرة كبيرة، وإذ ذاك ترجو الزوجة المعلم "حنا" أن يبل منها هداياها كأتعاب لدفاعه عن زوجها المسكين والتوسط لإخراجه من السجن، فيقبل المعلم " حنا جرجس" ويطلب من الزوجة أن تتحصل بأي شكل على عشرين قرش وتذهب لتعطيها لشيخ البلد، وبالفعل تعمل الزوجة بنصيحة " المعلم حنا" وتذهب لشيخ البلد وتعطيه العشرين قرشاً وهي تقول له صراحة: إقبل مني هذه ( الرشوة ) وأخرج لي زوجي! .. المدهش أن شيخ البلد يقبل الرشوة وينصحها أن تتوجه لبيت الناظر وترجوه في إلحاح أن يطلق سراح زوجها وتبتسم له وهي تستعرض جمالها أمامه فيقبل الناظر عرضها ( الشهي ) وينحاز للزوج ويعمل على تحريره من السجن.
•ويعود «لين »ليصف فرق المحبظين الذين يضحكون الناس بنكات هابطة مفسدة. وكان هؤلاء يُشاهدون في حفلات الزواج والختان في بيوت الكبراء، وأحيانا في ميادين القاهرة العامة يتحلق المشاهدون حولهم. لم يكن بين هؤلاء "المحبظين" أي امرأة، بل كان يقوم بهذا الدور رجال وصبيان في لباس امرأة.]
إن «إدوارد لين» لم يعي ماتقدمه فرق المحبظين من عروض كوميديا إنتقاديه تنتزع موضوعاتها من الواقع الحي المحيط بالمجتمع وتتناسب وفضاء الشارع

•ويقول دكتور « علي الراعي»
[قد كان هناك طوال القرن التاسع عشر - على الأقل - دراما محلية تماماً، خالية من المؤثرات الأجنبية التي أخذت تتعامل مع فن التمثيل في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، وما لبثت أن أثرت تأثيراً بارزاً على حرفية هذا التمثيل.]
ويعود بنا " دكتور على الراعي " للتعليق على الصورتين الكوميديتين السابقتين اللتان قدمتهما فرق المحبظاتية(6) - ورواهما كل من «بلزوني »و«لين »وهما جزء صغير من عشرات النصوص التي ساقها في كتابه - بالقول[ أن هاتين الصورتين عبارة عن كوميديا انتقاديه انتزعت موضوعاتها من الواقع الحي المحيط بالممثلين والمتفرجين ومن ثم فهي ترضي جمهورها بالإمتاع والنصح معاً، على عادة الفن الشعبي في مصر.]
ويصف الراعي هذه العروض بأنها [ كانت على درجة لا بأس بها من التقدم الفني فهي تبدأ بعرض موسيقي ( شعبي ) واقعي يقدمه بعض الفنانين مع راقصتين أو أكثر( يقوم بأدائها فنانين ذكور )، وهي لاشك عروض ناطقه بانتمائها إلى البيئة التي أنتجتها، كما أنها في تركيبها الفني وطريقة صنع شخصياتها لا تبين عن أي أثر فني آخر غير مسرح خيال الظل والأراجوز وكلاهما من فنون مصر المحلية، ومن هذه المحلية وبفضل التبسيط الظاهر تنطلق الشكوى الموجعة والسخرية الدفينة من الحكم والحكام كما ينطلق الصاروخ الموجه تجاه هدفه المعلوم، فمن وراء الضحك الظاهر تقول غالب هذه العروض في تلك الفترة بمصر أن المصري كان لا يحصل على حريته إلا إذا فقد كل شيء، ماله وشرفه معاً.]
•ومن هنا يمكننا أن نلحظ ان نظرة الاستهجان لفنون الشارع هي نظرة منبعها اراء المستشرقين وعدم وعيهم بسيكولوجية جمهور المتلقين المصري من جهة وكتاباتهم التي كان لها الأثر البالغ في عزوف الطبقة البرجوازية او النخبة السياسية التي روجت لاستهجان هذا الفن ووصمته بأبشع التهم وألصقتها بالشارع في محاولة للقضاء علي فن ينتقد وينتزع موضوعاته من الواقع الحي للممثلين والجمهور فتم نبذ هذا الفن خشية إثارة القلاقل والتظاهرات ضد الحكام وتم نبذ كل من يحاول ان يكتب عنه او يتعاطف مع صناعه وليس غريب علي النقاد المعاصرين عزوفهم عن التنظير لمسرح الشارع فما تم وراثته تاريخيا يغفر لهم عزوفهم هذا . فضلا عن الخلط الشائع الذي يعانيه مسرح الشارع لعمومية تعريفه في المعاجم المسرحية واستسهال صناعه له .
ولذا فإن عودة خروج المسرح الي الشارع في السنوات الأخيرة بوطننا العربي لم تكن أذان بموت المسرح بل كانت إعلاء لقيمة المسرح ودوره الاجتماعي كفن يذهب الي المهمشين والغير قادرين من أجل تبصيرهم ومد يد العون لهم لتمييز صحيح الفكر من فاسدة
ونتسأل هل عروض مسرح الشارع في وطننا العربي عروض مسرح شارع ام عروض مسرح في الشارع ؟
ام أنه يشوبها الخلط الشائع ؟
للإجابة علي هذه التساؤلات انتظرونا في الحلقة الرابعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب