الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن من نصنع إله التمر ثم نأكله

وليد الحلبي

2022 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تترددت كلمتا (الديكتاتورية والدكتاتور) قبل التاسع من شهر نيسان – أبريل - 2003 ، كما ترددتا بعده، وكأن المثقفين والإعلاميين العرب كانوا قبل ذلك اليوم يرون في الوطن العربي واحة مريحة للديمقراطية وحقوق البشر، ولكن بعد ذلك اليوم، بدأت الإشارة إلى الديكتاتورية بسبب وبدون سبب، فإذا تحدث مثقف عن علاقته بحماته وصفها بالديكتاتورة، ولو منع رجل زوجته من تركه أثناء مرضه والذهاب لزيارة والدتها، لوصفته زوجته بالديكتاتور، ولو طلبت الأم من ابنها أن ينام مبكراً، لوصف الولد أمه بالديكتاتورة، حتى أصبحت آذاننا أسيرة لهذه الأحرف التي تؤلف تلك الكلمة، وكأن أحرف اللغة العربية كلها قد انحصرت فيها، ومناقشة مختصرة ومتأنية لقصة النظام الديكتاتوري، وكيف يُصنع، توحي للكثيرين بأنها نوع من الدفاع عنه، وهي بالقطع ليست كذلك.
فلو تمعنا في قراءة القصة من بدايتها، لوجدناها تتلخص في أن الديكتاتور ورعاياه هم صناعة عربية - عالم ثالثية بامتياز. فالأسرة القامعة، المتحكمة في أفرادها على يد الكبير فيها، جداً وأباً وأماً وعماً وخالاً وحتى الأخ الأكبر، ناهيك عن احتمال نشوء الغلام في كنف زوجة أب أو زوج أم، هذه الأسرة هي التي تشكل الخامة المناسبة لصناعة القامع والمقموع في آن واحد. فما أن يدخل الفتى عالم مجتمعه الكبير، حتى يجد في نفسه الرغبة في الاستئثار بالسلطة التي حرم منها في أسرته الضيقة، وبمجرد أن تتاح له الفرصة للاستيلاء على السلطة، يأخذ الدور الذي أهله له البيت الذي نشأ فيه: القامع ، فيقسو على من هم دونه، الذين سرعان ما يرتدون إلى أخذ دورهم الذي كانوا قد أعدوا له أيضاّ: المقموعون، الذين يخضعون للديكتاتور خوفاً ورهبة وطمعاً في المغانم من الداخل، وإعجاباً ونفاقاً وتملقاً ورياءً من الخارج، ولذا ترى أنه سرعان ما يأخذ الديكتاتور شعبية ربما غير مسبوقة، ويتحول إلى ما يشبه إله التمر الذي كان البدوي يصنعه ويصلي له، بينما كان ينوي في سره أنه إذا ما جاع سيأكله، ولذا، فحينما تسنح الفرصة لأحد المقموعين الوصول إلى السلطة، لن يوفرها، وسيعتلي سدة من كان ينتقده بالأمس سراً، ومن ثم سيتصرف ربما أسوأ منه بآلاف المرات، وهكذا تستمر عجلة تداول السلطة على هذا المنوال.
أما ما يقال عن صلاحيات الديكتاتور المطلقة، فإن في الأنظمة الديمقراطية صلاحيات تمنح لرئيس الدولة، قد يفاجأ البعض بأنها ربما تتساوى إلى حد ما مع صلاحيات الديكتاتور(غزا صدام حسين الكويت باستخدام صلاحياته كرئيس للدولة دون الرجوع للشعب، وكذلك فعل بوش عندما غزا العراق)، غير أن الفارق الجوهري بين الاثنين هو أن عنف الرئيس الديكتاتور يكون موجهاً عادة نحو أبناء شعبه، بينما يتوجه عنف الرئيس الديمقراطي نحو أبناء الشعوب الأخرى، والتاريخ الدامي للديمقراطيات الغربية في بلدان العالم الثالث غني عن البيان، لدرجة أن هذه الديمقراطيات ترفض حتى الاعتذار عن جرائمها السابقة (كما في حالة فرنسا مع الجزائر، وتوني بلير وبوش مع العراق)،وبما أنه (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) فقد تساوى رأسا هذين النظامين في أفعالهما، وبالتالي في تقييمنا لهما. بعد كل هذا: من شاء أن يقول بأن هذا الكلام هو دفاع عن الديكتاتورية، فليكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك