الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد شكري - من الكتابة كامتياز الى الكتابة كاحتجاج

حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)

2022 / 1 / 18
الادب والفن


في نهاية العشرينات من عمره، لم يكن محمد شكري معروفا، كان يعيش في الظل وكان يبحث عن طريقة لينال بها احترام الناس من حوله . كان يبحث عن طريقة يجعل، من خلالها، الأضواء مسلطة عليه، وذلك كي لا يبقى في العتمة. محمد شكري، الذي تحيط به آنذاك جدران من كل جانب تجعله غير مرئي، كان متشوقا ليجد طريقة يصبح من خلالها مرئي. كانت تتملكه الرغبة في أن لا يظل نكرة . تستبد به الرغبة في الخروج من حالة أنت لا تساوي شيء الى أنت كل شيء. كان مسكون بهاجس تغيير نظرة الناس إليه .
ولم يدم انتظاره طويلاً، سرعان ما عثر على الطريقة والوسيلة التي يمكن أن يرد بها الاعتبار لنفسه. إذ أنه ذات مساء وهو جالس يحتسي مشروبه في مقهى أغلب رواده أنيقون تبدو على وجوههم أثار النعمة على عكس وجهه الذي يذل على الفقر والقهر. لفت أنتباهه، شخص أنيق المظهر، محاط بثلة من رواد المقهى، الذين يعاملونه باحترام كبير، هنا تلبس محمد شكري الفضول، واستبد به سؤال من يكون هذا الشخص الذي هو موضوع احترام هؤلاء الناس. ولكي يجيب عن هذا السؤال، التفت شكري الى شخص يجلس بجانبه وسأله قائلاً :
من يكون ذلك الشخص ؟
أجابه الشاب قائلا :
ألا تعرفه ؟ انه الأديب محمد الصباغ .
فكر شكري في نفسه قائلا :
إذن الكتابة امتياز.
حمل جسده وخرج من المقهى، وأول شيء فعله أنه اشترى كتب محمد الصباغ وانكب على قراءتها، استغرق الأمر منه يومين فقط لقراءة أربعة كتب، فشكري يقرأ بسرعة، يقرأ بنهم، كأنه يريد أن يتدارك ما فاته، ينتقم من أيام الأمية التي عاشها.
إذ كما تعلمون، شكري لم يعش طفولة سوية، طفولته كانت مثال لما لا ينبغي أن تكون عليه الطفولة، عاش صدمات لا حصر لها، لم يتعلم القراءة والكتابة إلا متأخرا، وعانى الجوع، الفقر المدقع، التهميش، التشرد، أي عاش حياة منقطعي الجذور. فعندما كان الأطفال مثله يلعبون ألعابهم الطفولية ويمرحون ويملئون الحي ضجيجا ، كان شكري ينتقل من وظيفة سيئة إلى وظيفة أسوأ، و يعاني من ألم الجوع – الجوع نفسه الذي أخذ روح خاله – وكي يسكت جوعه ، كان يضطر إلى أكل ما يعثر عليه وسط القمامة، وبالأخص قمامة الأجانب الذين يسكنون طنجة، مثلما يقول في سيرته الروائية الشهيرة الخبز الحافي.
وما إن انتهى من قراءة كتب محمد الصباغ حتى قال مخاطبا نفسه :
" إذا كانوا يحترمون من يكتب مثل هذه الأشياء. فأنا أستطيع أن أكتب مثلها أو افضل منها .. لماذا لا أصبح أنا الآخر كاتبا حتى يحترمني الناس."
وكانت هذه بداية محمد شكري في الكتابة، بمعنى أنه لم يرتمي في أحضان الكتابة ليدافع اول الأمر على المقهورين والبؤساء . ليكتب تاريخ من سكت عنهم التاريخ. لا لم يكن الأمر كذلك ، بل كتب ليسلط الأضواء على نفسه . كتب ليشبع رغبته الدفينة في أن يكون ذا قيمة في مجتمع يحسسه دائماً بأنه بلا قيمة .
لكن فيما بعد ، اكتسب شكري وعيا، وأدرك أنه يملك سلاحا ويجب أن يوجهه نحو غاية نبيلة ، أدرك أن مهمة الكتابة والأدب خصوصاً هي الاستنكار والاحتجاج والتمرد على واقع مسكون بالبؤس والعفونة والاستغلال البشع . هكذا أصبح شكري يكتب للاحتجاج على القبح والظلم المستشري ... يكتب لرد الاعتبار للمهمشين و البؤساء والجائعين والمقهورين والمعدومين أمثاله ، الذين لا يعترف بهم التاريخ المأجور خوفا من أن يلوثوا مجده المزيف.. يكتب للانتصار لكل ما هو جميل في هذه الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??