الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن لتطور المعرفة عبر العولمة أن تغيرمفهوم التاريخ

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا

(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

2022 / 1 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


حاولت إرهاصات العولمة أن تقضى على العلوم الإنسانية التى لم تنزل إلى أرض الواقع بتبويرها ووقف تمويلها فى الجامعات والمراكز البحثية ومن ثم تناقص مريديها حول العالم مما ينعكس سلبا على تطورها ، ولكن التاريخ كجسر بين العلوم الإنسانية والاجتماعية طالته العولمة بطريقة أخرى أكثر تأثيرا، حيث حاولت أولا إنهاء عصره لكى يصبح القرن الحادى والعشرين هو قرن نهاية التاريخ وسيادة نظام عالمى واحد هو النظام الغربى الليبرالى الديموقراطى العلمى البراجماتى النفعى من خلال مفكرين مثل فوكوياما حتى لو سارت أحداث التاريخ كالمعتاد ، ولكن عدم وضوح الرؤية بعد عام 2008 والفشل الغربى أمام الصين والهند وشرق العالم أوقف نهاية التاريخ المتوقعة فى الولايات المتحدة وعاد التاريخ إلى مكانه المتاح لكل نظم العالم . وهنا حاولت العولمة مرة أخرى أن تنال من التاريخ بتقويض أركانه والتشكيك فى فلسفاته ونظرياته وسرده بطريقة تعتمد على المعرفة وليس على تفسيرات المؤرخين وكتابات وسرديات فقط ، فقامت بإدخال روافد جديدة للتاريخ تعتمد على ما كان مجهولا ومخفيا فى اللغات والآثار والاقتصاد والاجتماع والأدب وحتى الديانات فيما يرتبط بالتاريخ باستخدام تقنيات تكنولوجية وبرامج حديثة تستطيع فهم معظم المخطوطات والألواح والرسومات والعملات والأدوات والسرد القصصى وشكل المبانى والحفريات وتحديد عمر المكونات الحيوية مثل الجلود والأقمشة والأحبار التى يدخل فيها مكونات حيوية والأهم بالطبع هو إمكانية فهم معظم لغات العالم القديم والجديد بأسرع ما يمكن مما يسهل على الباحثين والمؤرخين الوصول إلى المعلومات وإجراء المقارنات فى أيام وليس عبر سنوات كما كان يحدث قديما. لقد استفاد التاريخ الحديث أيضا من العولمة فى مقارنة النصوص بكل لغات العالم التى حفظت فى المكتبات ودور الكتب القومية وحتى وثائق الأمن القومى للدول المختلفة والوثائق المسربة ومقارنة الصحف والمجلات والنشرات والخرائط والمواثيق وكل شئ تم تدوينه عبر تاريخ الإنسان فلم تعد تستعصى على العولمة أى معرفة إنسانية الآن ، كما لا توجد طلاسم غير قابلة لفكك شفرتها لتطور برامج الكمبيوتر والحاسبات والمعلومات وسرعتها ودقتها.
لقد كشفت العولمة عبر إتاحة المعرفة لكل العالم عن وجود بلبلة تاريخية حول تاريخ العالم تجعل كل القواعد التى بنى عليها التاريخ قابلة للهدم نظرا لكثرة التناقضات التاريخية فى معظم السرديات والأحداث والأساطير وحتى الكتب المقدسة منذ هيرودوت إلى الآن. إن الأحداث منذ التسعينيات بينت أن طريقة كتابة التاريخ وتدوينه من خلال المنتصر والأقوى لم تعد هى الأجدر والأقرب للصحة ، حيث أن الوثائق المسربة التى تتسم بالسرية حول نفس الموضوعات أوضحت تدخل العنصر البشرى القوى فى الأحداث التاريخية ، بل إن أدوات العولمة بدأت تفتح ملفات كانت مغلقة بأوامر من القادة تحاول طمس الكثير من الأحداث مثلما تم طمس معظم تاريخ النازية الألمانية والفاشستية الإيطالية كما كانت تفعل الدول والمجتمعات قديما بحرق الكتب والمخطوطات المخالفة ودعم وجهة نظر معينة بحيث تصبح هى الوحيدة التى تبقى كتبها ومخطوطاتها وبالتالى يسيرالتاريخ حسب الأحداث المدونة بها ، وأقرب مثال على ذلك هو دخول أدوات العولمة من باب التسريبات ونشر الوثائق والمخطوطات السرية واعتبارها تراث العالم ، بل إن موقع تويتر نفسه بدأ يسجل تويتاته لتصبح تاريخا يدل على تلك المرحلة التى يعيشها العالم ولربما يفعل ذلك فيسبوك ويوتيوب وتيك توك لتدخل الكلمة مع الصورة مع الفيديو لتكون تراث وتاريخ العالم عبر الإنسان نفسه وليس عبر الحكومات التى لديها السيطرة والقوة على التدخل فى طمس أحداث التاريخ.
إن القادم فى التاريخ سيكون كبيرا جدا ومثيرا وربما هادما لمعظم ما كنا نعتقده فى تاريخنا وحضاراتنا بل وفى معتقداتنا مما سيجعل العلوم الإنسانية بما فيها التاريخ تذهب إلى دائرة أخرى بعيدة جدا عن دائرة اهتمام العصر المتسلح بالتكنولوجيا المحددة المدخلات والمخرجات والتى تتبع الأسلوب العلمى والحقائق العلمية بصورة كبيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة