الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة نظر في ضوء قرار المجلس الوزاري للأمن الوطني منع سير الدراجات النارية في بغداد

عمر طارق القاضي

2022 / 1 / 19
الادارة و الاقتصاد


أصدر المجلس الوزاري للأمن الوطني يوم الاثنين المصادف 17 / 1 / 2022 توجيهات أمنية من شأنها ضبط الأمن في العاصمة بغداد وتحديدا فيما يخص تقييد حركة الدراجات النارية في الشارع ابتداءً من الساعة 6 مساءاً وحتى الساعة 6 صباحاً ، كما واصدرت مديرية المرور العامة بيان تأكيد بذلك يشمل جميع الدراجات النارية سواء المسجلة منها او غير المسجلة ومعاقبة المخالف بفرض غرامة مالية وحجز الدراجة النارية ، وهنا لابد من وقفة لدراسة ذلك التوجية للوقوف على صحة اصداره وتحليل الاثار المترتبة عن تنفيذ ذلك.
بمراجعة تاريخية سريعة لموضوع استخدام الدراجات النارية سنجد ان نموا سريعاً قد شهد في استخدام شريحة واسعة من المجتمع لهذا النوع من المركبات وتحديدا بعد العام 2003 بعد فتح الحدود امام استيرادات القطاع الخاص تنفيذا لسياسات تحرير التجارة ، فبدأ السوق العراقي يشهد تدفقاً سريعاً وغير مدروس للدراجات النارية موازي لتدفق مختلف المركبات من سيارات الصالون والحمل بمختلف احجامها وحمولاتها ، واقصد بغير المدروس من حيث حاجة السوق الفعلية متمثل في الطلب الحقيقي على هذا النوع من مركبات النقل وواقع استيعاب الطرق للكميات المستوردة منها وغياب تنظيم دخولها عبر المنافذ الحدودية وتسجيلها من قبل دوائر المرور وتطبيقات شروط السلامة الميكانيكية للدراجة وسلامة قيادتها ، فشهدنا تسارعاً فوضوياً لتدفق الدرجات النارية الى الاسواق المحلية . بالمقابل احدث ذلك نشاطاً اقتصادياً تمثل في سوق عرض واسعة استوعب عشرات ألآلاف من العاملين في هذا المجال بدءاً من سوق استيراد الجملة لها وللادوات الاحتياطية وسوق بيع التجزئة ونمو سريع في سوق صيانتها وتصليحها عملا بمضاعف الاستثمار كلف ذلك القطاع الخاص المليارات من الدولارات بتمويل مباشر من قبل مزاد بيع العملة للبنك المركزي العراقي ، وليخلق سوق طلب على الدراجات النارية من قبل فئة الشباب واصحاب الدخل المحدود من العديد من صغار الموظفين والعسكريين ومنتسبي الاجهزة الامنية الذين وجدوا سهولة في استخدام الدراجات النارية كبديل عن استخدام السيارات من حيث انخفاض اسعار شرائها وسهولة قيادتها ومن دون الحاجة الى دفع رسوم التسجيل والتجديد السنوي ، وفي سرعة التنقل في الشوارع المزدحمة وصولاً الى الجهة المقصودة بأسرع وقت وسهولة التوقف في الشوارع العامة وبالمجان دون الحاجة الى التوقف في المواقف المخصصة كما هو حاصل مع المركبات الاخرى وتحمل اجور الموقف ، فاصبحت الدراجات النارية سلعة اساسية للنقل "وللكسب اليومي" خصوصا للعاملين في قطاع خدمات التوصيل الذي تنامى بشكل سريع خلال السنوات العشرة الاخيرة ويشغل شريحة واسعة من الشباب ، وليشهد السوق العراقي نموذج جديد من النشاط اقتصادي متمثل في خدمة توصيل المأكولات يعتمد بشكل كامل على التكنلوجيا الرقمية عبر الشبكة العنكبوتية فظهرت تطبيقات على الهواتف المحمولة تسهل عملية شراء وتوصيل الماكولات مما اوجد رغبة لدى الكثير من افراد المجتمع في الاعتماد على خدمات التوصيل خصوصا في اوقات المساء واصبحت الدراجات النارية هي الاداة الوحيدة لتنفيذ ذلك النشاط الاقتصادي.
ومع تنامي الحاجة الاقتصادية للدراجات النارية والتي اصبحت تشكل عصب الحياة لكافة مستخدميها ، بالمقابل تنامى الاستخدام الخاطئ للدراجات النارية من قبل اولاً المخالفين لقواعد السير على الطريق متمثلة في قيادتها عكس اتجاه حركة المرور وتسببها في الكثير من حوادث الاصطدام مع السيارات اومع المشاة ، وثانياً في تنفيذ الجرائم الجنائية التي تمس حياة المواطنين كجرائم السرقة والمخدرات وثالثاً في تنفيذ العمليات الارهابية كالتفجيرات والاغتيالات السياسية حيث تسهل للجناة ارتكاب الفعل الاجرامي وسهولة الافلات بعد التنفيذ مما ادى الى زعزعة الاستقرارالامني للمجتمع طوال مايقارب 18 عاماً لم تقدم الاجهزة الحكومية خلالها اية دراسة حول تنظيم اسواق استيراد واستخدام الدراجات النارية بل تركت الباب مفتوح امام فوضى الاستيراد وعدم التنظيم لترتفع جرائم الاستخدام الخاطئ اعلاه وتحديدا العمليات الارهابية اعتمادا على تلك الدراجات ولتتسبب في استمرار فقدان حياة المواطنين .
لقد عودتنا الحكومات المتعاقبة منذ عقود على ما يعرف باتخاذ القرارات الارتجالية وغير المدروسة وفي ذلك استخدام لفرض سياسة طرف قوي لإرادته على الطرف الاخر المستضعف وحمله على القبول والتكيف معها مع تحميله تكاليف تنفيذ تلك القرارات ، فجاء قرار منع استخدام الدراجات النارية في ذروة النشاط الاقتصادي لتلك الدراجات من الساعة السادسة مساءاً وحتى منتصف الليل دون اية اكتراث للعواقب المترتبة على ذلك المنع اذ سيحرم اصحاب الدراجات النارية العاملين في خدمة التوصيل من الحصول على الدخل اليومي الذي يعتاشون عليه ، كذلك سيترتب على القرار تراجع كبير في حركة مبيعات المطاعم التي تعتمد على خدمة التوصيل كجزء من سياسة التسويق لنشاطها الاقتصادي وسيتراجع الايراد الشهري لها مما يولد صعوبة لدى اصحاب وإدارات تلك المطاعم في مواجهة مستحقات اجور العاملين والايجار محدثة تباطئ في حركة الانفاق الاستهلاكي لشريحة واسعة من المجتمع ، وكذلك في صعوبة التحاق مستخدمي الدراجات النارية من العاملين في الفترة المسائية الى دوائرهم في الاوقات المحددة واغلبهم من العسكريين ومنتسبي الاجهزة الامنية ، فهل لدى المجلس الوزاري للامن الوطني احصائية تقريبية عن عدد الذين سيتضررون من قرار المنع وحجم الخسائر الاقتصادية المترتبة على ذلك ، وقبل كل ذلك هل لدى المجلس الموقر القدرة على تعويض المتضررين من المنع حتى يكتسب القرار مقبولية شعبية واحتراماً ينفذه الجميع دون اي التفاف ولكي لا يستغل من قبل بعض من اصحاب النفوس الضعيفة في التشجيع على الممارسات الفاسدة ومساومة المخالفين من اصحاب الدراجات عند ضبطهم.
ان المجلس الوزاري قد ترك نفاذ قرار المنع مفتوحاً دون تقييده بفترة زمنية تصل الى اسابيع او اشهر ينتهي من بعدها العمل به علماً ان جميع المتضريين هم من الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، كما لم يتضمن القرار تحديد تاريخ مؤجل لتنفيذ القرار كأن يكون بعد شهر من اصداره يمنح بموجبه كافة المشمولين مدة زمنية تمكنهم من الاستعداد وايجاد البدائل والتقليل من كلف الاضرار الناجمة عند التنفيذ. فماذنب المتضريين من قرار المنع تحميلهم كلف فشل الاجهزة الحكومية في عدم تنظيم استيراد وتسجيل الدراجات النارية ولسنوات طويلة ، اوكلف فشل الاجهزة الامنية في رسم ومتابعة تنفيذ السياسات الصحيحة للحد من الاستخدام الخاطئ للدراجات النارية بانواعه الثلاث اعلاه وملاحقة مرتكبيها والقبض عليهم . وما ذنب شمول اصحاب الدراجات النارية المسجلة بقرار المنع بعد ان سددوا كافة رسوم التسجيل التزاماً منهم بالتعليمات الصادرة مؤخرا بذلك ومساواتهم مع المتخلفين عن التسجيل .
يظهر مما تقدم ان قرار منع سير الدراجات النارية لم يكن قرار نابعاً من ادارة واعية في اتخاذ ماهو مناسب في ميدان التطبيق ولم يكن قراراً مدروساً بشكل مستفيض وانه جزء من خطة متكاملة قابلة للتطبيق وقليلة الثغرات او تكاد تكون معدومة ، او في مشاركة ذوي الاختصاص من الاقتصاديين لدراسة التداعيات والاستعداد لها ومشاركة ممثلين عن ممن سيشملهم القرار من اصحاب الدراجات للاستماع الى وجهات نظرهم وللتقليل من الخسائر عملا بمبدأ الضوابط والتوازنات والتوقف عن تحميل المواطنين ضعف الكفاءة البشرية وعجز الاجهزة الحكومية عن اداء واجباتها على الوجه الامثل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”


.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو




.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة