الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في يوم بارد وحزين

محمد بلمزيان

2022 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


صبيحة يوم بارد من شهر ينايرمن عام 1987 استيقظت كالعادة ، تفقدت كراستي وقلمي، بعد فطور خفيف، غادرت باب المنزل بسرعة ،وأشعلت كالعادة سجارتي الرخيصة متوجها الى الثانوية حيث كنا على موعد لمواصلة الإحتجاج، بعزم وإصرارلا يلين ، خاصة وأن تلك الأيام كانت حافلة بالإحتجاج والإضراب عن الدراسة، بينما كنت أقطع بعض الأزقة لاحظت بأن بعض حركة التلاميذ خفيفة جدا مقارنة بالأيام العادية، فأقنعت نفسي بأن تلك الأجواء المشحونة كانت كافية بتغيب العديد من التلاميذ وعدم الإلتحاق بالثانوية، وهم مجموعة من المترديين الذين كانوا يرفضون الإنضمام الى صفوف المتظاهرين وكنا نسميهم ب( المشبوهين)، وهي تسمية كانت تطلق على كل من يلتحق بالدراسة ويترك زملاءه في الساحة، ولحسن الحظ كان عدد هؤلاء يشكلون نسبة ضعيفة جدا مقارنة بالعدد الهائل من التلاميذ الذين كانوا في المواعيد المضروبة والمقررة للتظاهرات السلمية، وكادت أن تكون سلوكا انضباطيا بين صفوف التلاميذ والتلميذات الذين هضموا جيدا مطالب التلاميذ الوجيهة حينئذا، وبينما كنت على مشارف الوصول الى الثانوية ولم يتبق إلا قطع بعض الأزقة لاحظت حجم تلك القوات التي كانت مرابضة هناك، قد يخال المرء الذي لم يعلم بسبب تواجدها بأن ثمة حدث وقع، ولذلك استحق كل هذه الحالة التي تعبر عن إعلان للطواريء، كنت في تلك الأوقات فقط قد التقيت بصديق لي وتوقفنانستطلع الأمر بعدما طلب مني ولاعة لإشعال سجارة، همست للصديق بأن الوضع قد ازداد توترا، بينما حركات التحاق محتشمة للتلاميذ بدأت تتقاطر من الأزقة المختلفة التي تؤدي الى البوابة الرئيسي للثانوية، بعد هنيهة بدات تجمعات صغيرة متفرقة هنا وهناك، والحيرة كانت سيدة الموقف، سيما وأن الأمر يحتاج الى بناء موقف سديد يتعلق بالولوج الى داخل المؤسسة ومن ثم الخروج بالمظاهرة أم البقاء في خارجها والشروع في رفع الشعارات، أو الإنسحاب ومقاطعة الدراسة، أو الولوج الى الثانوية لاستئناف الدروس، كانت خيارات كثيرة وتساؤلات منطقية تحتاج والحالة هذه الى تبادل الرأي، هذا الأمر لم يكن متاحا آنئذا لغياب وسائل الإتصال كما هو الحال الآن، ويتطلب إعلان وتوزيعه بين التلاميذ لتحديد موعد اللقاء والتفكير في كيفية صياغة موقف يلتف حوله جميع التلاميذ، وللتاريخ فقد كان مجمل ما تخرج به التجمعات من قرارات كانت محط امتثال واحترام جميع الحاضرين. بينما كان الجميع متفرقا بين الهضبة وبجانب بعض البنايات، لاحظنا بعض حركات السيارات المعروفة التي كانت تجوب الأزقة المجاورة ،همس لي صديقي بأن ذلك اليوم يحمل بشائر ليست على ما يرام، فوافقته على حدسه الحاذق، فقررنا الإقتراب قليلا الى البوابة الرئيسية، وبينما كنا نسير بخطى متثاقلة، لفت نظري وجود حشد كبير من التلاميذ في الجهات الأخرى والذين التحقوا متقاطرين من مساكنهم ،لم يكن بالأمر الهين أن يتفق التلاميذ بشكل سريع في اتخاذ موقف في حجم ذلك الحدث والساعة كانت تقارب موعد ولوج التلاميذ الى المؤسسة، لكون تلك الفترة هي الخيط الرفيع الذي من خلاله تحسم المواقف بنوع من الحزم والذكاء،بدأت الجموع تقترب من بعضها البعض في محاولة للتواصل وبناء موقف جماعي ولسحب البساط من أرجل بعض المترددين الذين كانوا ينساقون الى الحلول السهلة والرامية الى تكسير شوكة التلاميذ وضرب عنصر القوة في المظاهرة، رغم أن تلك الفئة كانت تشكل نشازا مقارنة مع الإرادة القوية والإصرار على مواصلة الإحتجاج مهما كلف الأمر، في تلك اللحظات بين كان الجميع ينتظر حلا سحريا كلمة تستجمع الآراء المتضاربة، شاهدنا سيارة سوداء قادمة الينا ونحن كنا نعلم من يكون في داخلها بسبب اعتيادها على المكان وترددها الملفت في تلك السنوات، فما كان علينا سوى الإنسحاب من المكان وتغيير الموقع الى جهة أخرى، الأمر الذي ترتب عنه تحرك التلاميذ من جهات مختلفة وتشكيل حزام بشري وحشد كبير من التلاميذ والتلميذات، فقرر الجميع بأن الوضعية لا تستوجب والحالة هذه استئناف الدراسة وبالتالي فكان موقف الإنسحاب ومقاطعة الدراسة هي أنسب قراركانت تستحقه تلك اللحظة الحاسمة، فما كان على جمهرة التلاميذ إلا الإمتثال للقرار ومواصلة افنقطاع عن الدراسة الذي كان يشكل لحظة غضب تلاميذي كتعبير عن الإحتجاج من جهة ورد فعل عن تدهور الأوضاع، وفي نفس الآن هو عجز على تنظيم المسيرة في ظل وضع العسكرة والحصار الذي كان مضروبا من كل جهات الثانوية، فكان ذلك يوما مشؤوما وحزينا في ذاكرتنا الطفولية ينضم الى لائحة الأيام السوداء التي عشناها بلياليها المليئة بالكوابيس ونهاراتها الحبلى بالمطاردات في الأزقة والهضبات المجاروة، إنها لحظات ما تزال ماثلة أمام عيناي موشومة في ذاكرتي رغم مرور ثلاثة عقود ونصف من اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف