الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تتناسون ومتى تعتذرون ؟!

وهيب أيوب

2022 / 1 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


في العام 2012 وفي كتاب البابوية الجديد "يسوع الناصري"
أعلن رسمياً بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر، عن تبرئة اليهود من دم السيد المسيح، وقال إن الكتاب هو رسالة لكل العالم من أجل تأكيد أن اليهود بريئون من دم المسيح.
وهذا يُعدُّ اعتذاراً من البابا والمسيحية عن قرونٍ سابقة من العداوة بين المسيحية واليهودية، بسبب تلك الحادثة المُفترضة بصلب المسيح قبل أكثر من ألفي عام.
كما قدّم البابا يوحنا بولس الثاني اعتذاراً علنياً غير مسبوق،
والاعتراف التاريخي بالذنب وطلب الصفح والعفو عن خطايا الكنيسة الأوروبية ووقوفها وراء الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واضطهاد الفلاسفة والمفكرين الأحرار، وعن قتل 70 ألف إنسان أثناء الحملة الصليبية عام 1099 عند استيلائهم على القدس.
وهكذا تتوالى اعتذارات البابا والكنيسة عن جرائم الماضي التي ارتكبتها، وإعادة تكريم من ظلمتهم وقتلتهم، وذلك من أجل طوي تلك الصفحات المأساوية، وفتح صفحة جديدة، لتلافي ونزع فتيل أي صراع ديني محتمل.
يقول أحد الفلاسفة، أنه من أجل تواصل التقدّم الحضاري؛ فإنه يجب دائماً نسيان شيئاً من التاريخ.
أو نقول أيضاً؛ أن هناك أحداث وصراعات ومعارك دموية جرت قبل قرونٍ طويلة بين دول وشعوب معيّنة، أو حتى حروب أهلية ونزاعات دموية داخلية، فإنه لا سبيل لاستمرار حياة طبيعية بين البشر إلا بتجاوزها، وذلك من أجل حياة أفضل للأجيال الحالية والتالية، الذين لا ذنب لهم في تلك الأحداث والحقب الزمنية الغابرة، ولا يجوز استمرار تلك اللعنة التاريخية وتحميل أوزارها وتداعياتها وتوريثها لأجيالٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وتدمير حياتهم في استمرار استعادة وإحياء تلك الصراعات البائدة وإضرامها من جديد، من أجل الثأر والانتقام.
لكن ما يُحيّر العقل ويُربك تفكير أي إنسان عاقل ويُنهك الوجدان، أن ما يجري في منطقتنا ولدى شعوبنا وشريحة رجال الدين والمُفتين هو عكس ذلك تماماً، وكأنهم يعيشون عصراً غير هذا العصر ومأسورون لزمنٍ غير زماننا!
فحتى اللحظة لم يجرِ أي اعتذار عن الجرائم الإنسانية والانتهاكات التي جرت في التاريخ الإسلامي زمن غزو المسلمين لشعوب وأقاليم أُخرى، واستعباد الناس وبيعهم في سوق النخاسة، وعن السبايا من النساء وجعلهم جواري وملك يمين، وما زال شيوخهم يتفاخرون بهذا التاريخ المرعب المشؤوم حتى اليوم، بل ينادون باستعادة الأندلس!
وقد سمعتُ أحد شيوخهم على اليوتيوب يبتسم ويتلذّذ في سرد سيرة وبطولات خالد ابن الوليد، عندما قتل مالك بن نويرة وقطع رأسه ووضعه بقدرٍ على النار، ثمّ أسر زوجته ليلى وتزوجها عنوةً. ثم يبدأ هذا الشيخ برواية معركة "أُلّيس" في العراق وقد سُمّيت بـ"نهر الدم" بحيث قام خالد ابن الوليد بذبح 70 ألف أسير من المسيحيين المتحالفين مع الفرس، وقد أقسم بأن يُجري دماءهم نهراً.
فهل اعتذر الأزهر ومسلمو اليوم عن هذي الجريمة البشعة بحق أسرى عُزّل وعن جرائم أُخرى ارتكبتها جيوش المسلمين أثناء غزواتهم ..؟
وهل يعتذروا كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية، عن اضطهادهم وقتلهم للفلاسفة والمفكرين وملاحقتهم وحرق كتبهم وتكفيرهم، أمثال الرازي والكندي والفارابي وابن سينا وابن الهيثم وابن رشد، والقائمة طويلة جداً تحتاج إلى مُجلّد، والأنكى ؛ أنّهم مستمرون في هذا السلوك وتلك الذهنية الفاشية العنصرية التكفيرية حتى الأمس القريب واليوم.
والمُفارقة العجيبة التي يكاد لا يُصدّقها عاقل، في محاولة إشعال نار الفتنة من جديد، ولو لم نتابعها ونشهدها بأنفسنا، لعُدّة أسطورة وخُرافة من خرافات الزمان!
ففي العام 2012 عُقدت محاكمة في العراق، تولّتها نقابة المحامين العراقيين فرع "النجف الاشرف"، وهي أول محكمة تاريخية لمحاكمة قتلة الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين، وحدث ذلك قبل 1313عام، وأصدرت المحكمة حكمها بعد الاستماع للشهود بإعدام المُدانين شنقاً حتى الموت، التالية أسماؤهم، كما جاء في قرار الحكم:
المجرم (هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويوسف بن عمر والي العراق والحكم بن الصلت أحد القادة العسكريين في الجيش الأموي! وهكذا يُجدّدون كل فترة الصراع السني الشيعي، ويستنهضونه ويوقدون نار الكراهية لتبقى مشتعلة أبد الدهر.
فهل يمكن لهذا الحدث أن يُصدّق أنه قد جرى في القرن الواحد والعشرين، والجريمة المُفترضة حدثت قبل 1313 سنة، فأيُّ عتهٍ وجنون هذا وأيُّ متاهة سرداب؟!
متى يفقه عربان ومسلمو هذا العصر؛ أنه باستمرار هذا الجنون وهذا الفكر الفاشي الإقصائي العنصري الذي يولّد الحروب والإرهاب، وإلى متى هذا الادعاء المريض بالتفوّق، رغم كل الهزائم وكل هذا الانحطاط والتقهقر والصراعات الداخلية التي لا تنتهي، متى يُدرك هؤلاء أنّهم يحفرون قبور أبنائهم بأيديهم، فإلى متى؟
متى تعقلون، متى تفكّرون، متى تتحضّرون، متى تتناسون،
ومتى تعتذرون؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي