الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجهة

أكرم شلغين

2022 / 1 / 19
الادب والفن


لم يكن هناك أي كلمة تعبر بدقة أكثر من الكراهية التي تصف علاقة مريم بوالدها فقد كانت تتحاشى حتى رؤيته أو أن تتواجد بحضوره أو أن تحاول أن تجبر نفسها حتى على أن تتحدث معه بشكل عادي أو أن تجلس مع العائلة حول نفس طاولة الطعام كونه موجوداً أيضا. وبالرغم من أنه لم يكن يعرف سبب ذلك إلا أنه بدوره كان لا يصر على ملاطفتها كأب ولم يرد أي شيء منها واكتفى بأن اعتاد على هذا الجفاء الواضح الذي لم يجد له تفسيرا. وقد اختزلت علاقتهما منذ وقت بعيد وبشكل غير مباشر على طلب ما يلزمها من مصروف منذ كانت في الإعدادية حتى هذه اللحظة حيث هي في السنة الأخيرة من دراستها الجامعية. وقد كان يدفع بدون تلكؤ بل كان سخيا حيث يخصص مصروفا عاليا لها قياسا لزميلاتها.
كانت عمة مريم تحبها كثيرا وتكرر لشقيقها والد مريم إنها تشبهنا أكثر مما تشبه عائلة أمها، وأما رده فكان دوما يتلخص بالابتسامة وبقول إأنه فخور بها وينتظر أن تنهي دراستها الجامعية كي يبحث لها عن عمل يناسبها ويؤمن لها دخلا تستطيع منه أن تعيش بدون الحاجة لأحد. لم يخبر شقيقته مرة عن الجفاء أو التوتر الذي فرضته مريم بعلاقتها به كأب وكان شديد الحرص على ألا يتكلم عن ذلك لأنه يعرف أن شقيقته لن تدع ذلك يمر بدون كلام وربما ستتخذ موقفا سلبيا من ابنة أخيها.
كانت لمى، صديقة وزميلة دراسة مريم تزورها بين الفينة والأخرى وكذلك كانت مريم تترد لمنزل أهل لمى فلم يفصل بينهن في السكن إلا شارع. بعد ظهر يوم جمعة جاءت مريم لزيارة لمى. تسامرتا ضحكتا وقررتا أن اليوم ليس للكلام عن الدراسة بل للتسلية وهكذا وضعت لمى بعض المكسرات والتسالي أمامهن وراحتا تتحادثان وتحكيان عن أمور كثيرة...فجأة لمعت عين لمى وقالت هناك شيء...ثم ترددت...ابتسمت بطريقة يصعب تمييزها إن كانت ابتسامة طفولية أو فيها شيء من الخبث! وبكل الأحوال، بأن أن برأسها شيء ما تتلعثم في قوله! انتبهت مريم لذلك وسألتها أن تقول ما بها وماذا تخبئ...! هزت رأسها يمينا ويسارا وسألت: "مريم هل جربتي المشروب من قبل؟" أجابت مريم: "لا ولكنني أتمنى لو أنني أستطيع ذلك." لم يستمر جو التمهيد لما تريده لمى كثيرا إذ أباحت بأنها جربت الويسكي مرة وتحتفظ بنصف زجاجة الويسكي في خزانتها الخاصة...وهكذا أحضرت لمى زجاجة ويسكي مستهلك منها من قبل ووضعتها أمامهما وهي تقول والدي اتفق مع والدتي على التوجه بعد صلاة الجمعة لزيارة جدتي وفي هذه الحالة سيطول بقاءهما هناك حتى قبل العشاء بقليل، كما هي عادتهم. وضعت لمى كأسين وملأت نصف كل منهما وقالت لمريم ارشفي ولكن أول مرة القليل...رشفت مريم وصرخت على الفور إنه حاد ولا يشبه أي شيء أعرفه.. لا أريد أكثر...ثم شربت ماء وتناولت من التسالي قليلا...احمرت عيناها وبدت غير عادية بينما شربت لمى بشكل طبيعي وتناولت المكسرات بعدها وقالت لمريم لأنك غير معتادة...ما رأيك لو خففت لك من حدة الطعم بخلط المشروب بالبيبسي لأنني أعرف أن البعض يمزج الويسكي بالكولا...لم ترغب مريم أولا ولكن بعد قليل ولدى رؤيتها للمى تشرب وتحكي بشكل عادي وبفرح طلبت أن تجرب مع البيبسي وهكذا أضافت لمى البيبسي للويسكي فرشفت مريم وعلقت أصبح أقل حدة مع البيبسي. شربت ثلاثة أرباع المزيج وبعد دقائق قليلة أصبحت في مزاج لا هو بالحزين ولا هو بالفَرِح و راحت تحكي وتحكي عن أشياء كثيرة متعددة ومتشعبة إلى أن وصلت لذكر والدتها فقالت إنها تشعر دوما بالأسف والحزن لأن والدتها عانت مع والدها الكثير...وأوضحت أنها منذ صغرها تعرف أن والدها كان يضرب والدتها ولا يحترمها ولا يعاملها وكأنها زوجته وأم أولاده...ثم سردت بتفاصيل كثيرة كيف رأته مرة يضربها بعنف وأخرى كان يشتمها وثالثة فعل كذا ورابعة كذا وكذا وكذا...كانت لمى تستمع لذلك بغرابة واضحة وكررت بين الفينة والأخرى أنها لا ترى في علاقة والديها أي شيء من هذا القبيل فهو يحترم والدتها وتشعر أنه أحيانا لا يستطيع أن يقرر شيئا بدون الرجوع إليها...وأضافت: وسط الناس يتظاهر أنه ليس مغرما بها كثيرا ولكنه في البيت يحتار كيف يرضيها وهو مستعد أن يفعل كل شيء ليراها ضاحكة دوما كما ويساعدها سرا في بعض شؤون البيت. بالرغم من أن كلمات لمى كانت تأتي بالمطلق في سياق مقارنة والدها بوالد مريم إلا أن الأخيرة كانت تأخذ تلك الكلمات كمؤشر على أن والدها فريد من نوعه فهو عنيف وغير متحضر ولا يستحق أمها زوجته تلك المرأة الملاك...وهكذا كانت تبني في رأسها سيناريو لمواجهة بينها وبين أبيها لتعبر له عن أنه متخلف وعنيف وأنه جعلها معقدة من كلمة أب ومن شيء اسمه الزواج لأنها لا تريد مستقبلا أن تعيش مثل والدتها. لم تمكث مريم طويلا بعد ذلك في زيارة لمى وإنما ودعتها وخرجت لتعود لبيت والدها.
في البيت كانت مريم متحمسة، وعلى خلاف عادتها بتحاشي والدها، توقفت في الصالون حيث جلس يراقب الأخبار عبر التلفاز، لم يعرها اهتماما لأنه يعرف أنها تجافيه ولا تريد رؤيته بالأساس. نطقت مريم بكل شجاعة قائلة: "هذا ما أنت فالح به، تراقب الأخبار ناسيا أن لك عائلة وأن لديك زوجة ملاك...أنت لست مثل أي أب آخر...أصبحت معقدة بسببك...منذ صغري وأنا أعرف أن مسايرتك لأمي هي بالضرب وبدون أي سبب...عقدتني وقد أصبحت أكرهك وأكره كل الرجال لأجلك...ولكن لا أحد يشبهك في عنفك وجلافتك..." نظر إليها وقال: "اخرسي قبل أن أكسر أسنانك وأعلمك الأدب في مخاطبة والدك..." لكن مريم لم تسكت بل قالت: "هذه المرة أنا سأرفع صوتي نيابة عن أمي التي صمتت وصبرت كل هذه السنين عليك ومعك..." صرخت بصوت عال أكثر فأكثر وكأنها تريد أن يسمع كل من في الحي أصواتها وتريد من الناس أن يتدخلوا ليعرفوا عن هذا الأب السيء...!" لكن الأب هدأ قليلا ثم قال: "ما عملت لنصل لهذه النقطة ولا أردت يوما أن أواجهك بما خبأته طيلة السنين لنفسي.." توقف عن الكلام قليلا ثم نظر لابنته التي أصابها الفضول لتعرف ماذا في نفسه...قال اجلسي أريد أن أكلمك كابنة وكفتاة أصبحت في سن تعرف فيه الخير من الشر وتميز إن كنت مخطئا بحق زوجتي وأولادي...جلست وهي تريد أن تحثه على عدم الإسهاب أو الإطالة في الحديث...قال: "ابنتي، تعرفين أن هناك علاقة قرابة بيني وبين والدتك قبل أن نتزوج ولهذا اختارتها جدتك لي ووافق وجدك...ولكن ما لا تعرفينه هو كم عانيت من زواجي منها؛ والدتك ومنذ ليلة الدخلة أدركت هناك من دخل قبلي...هل تفهمين!؟ عانيت بصمت ولم أفتح فمي بحرف لأحد لأنني لا أريد فضيحة لها ولي وللأهل...وحاولت أن أتجاوز ذلك لأن والدتك كانت تحلف وتقول إنها لم تعرف أحدا في حياتها غيري...عندما عدنا مما يسمى شهر العسل في العاصمة أعطيت صورة للجميع أنني فرح وأنني ألتفت لأرزق بأطفال فأنا أحب الأسرة وحياة الأسرة. يومها كان دخلي محدودا وأعتمد بالكامل على محل مواد البناء الذي افتتحه لي جدك وسط البلد...لم أكن كما أنا اليوم بعد أن دخلت في مشروع ونجحت وأصبحت قادرا على إعالتكم وحريصا على ألا ينقصكم شيء...بعد أقل من سنتين على تاريخ زواجي وأمك شعرت يوما وأنا في المحل بإعياء شديد وغثيان ومن ثم استفرغت أكثر من مرة فأغلقت المحل ذلك اليوم وعدت إلى البيت لأتفاجأ بأن عند والدتك شخص لا أعرفه وكانا في وضع لا أريد أن أصدمك بذكر ما رأيت...هرب الرجل وأنا مريض لا أقوى على شيء ووالدتك بقيت تتوسل وتقول استر علي وأنا سأكون خادمة لك كل العمر...وبعد يومين أنكرت أن أحدا جاء في غيابي لغرض غير شريف وإنما ذلك الرجل كان يشتري أغراضا مستعملة وأرادت بيعه المكواة القديمة التي لا تعمل على حد قولها..." قبل أن يكمل كلامه ركضت مريم باتجاه والدتها التي كانت تعمل في المطبخ وصرخت: "تعالي بسرعة أريد أن أسمع الحقيقة...أريد مواجهته..." لكن والدتها لم تتحرك من المطبخ بل قالت: "سمعت كل شيء وهذا ما حصل بيننا فعلا!" هنا توقفت مريم عن طلب أو قول أي شيء وأسرعت لتدخل غرفتها وترمي بنفسها فوق السرير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته