الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة و الحركات الإحتجاجية : إحتجاج مارس 1968 الطلابي نموذجا

منصف سلطاني

2022 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


واجه النظام السياسي البورقيبي في تونس عدة حركات احتجاجية منذ أواخر الستينات . نتجت هذه الحركات بعد تفرد النظام السياسي بالحكم و هيمنته على المشهد السياسي ، فقد انتهز الزعيم محاولة الانقلاب التي دبرها عبد العزيز العكرمي و رفاقه و في مقدمتهم المقاوم الأزهر الشرايطي للقضاء على المعارضة في البلاد التونسية خاصة حظر الحزب الشيوعي نهائيا من كل نشاط سياسي . في المقابل كانت المنظمات الوطنية في تبعية تامة للحزب الحاكم " الحزب الإشتراكي الدستوري " مثل الإتحاد العام لطلبة تونس و الاتحاد العام التونسي للشغل و اتحاد الصناعة و التجارة و الصيد البحري و اتحاد الفلاحين إلخ ...
و قد مثلت فترة الستينات على المستوى العالمي بداية لظهور حركات احتجاجية في عدة أقطار من العالم و لعل أبرزها الأحداث الطلابية 1968 بفرنسا و كذلك بألمانيا حيث نادى الطلبة بالديمقراطية الداخلية و مراجعة مناهج التعليم .
و لم تكن البلاد التونسية بمعزل عن هذه الأحداث العالمية ، حيث انتقلت هذه الحركات إلى تونس في ربيع 1968 . و في هذا السياق اعتبر المؤرخون و علماء الاجتماع عام 1968 بمثابة سنة الانتفاضة العالمية للشباب .
و لم تواجه السلطة السياسية حركة برسبكتيف فقط ، بل واجهت كذلك انتفاضة أخرى أكثر حدة بعد حوالي عقد من الزمن و نعني " إضراب 26 جانفي 1978 " الذي مثل القطيعة النهائية بين المنظمة النقابية " الاتحاد العام التونسي للشغل " و الحزب الحاكم " الحزب الاشتراكي الدستوري " .
فماهي أبرز دوافع هذا الاحتجاج الطلابي ؟ و كيف تعاملت السلطة السياسية بقيادة الزعيم بورقيبة مع هذه الأحداث ؟
_ خفايا أحداث 1968 الطلابية بتونس :
تعتبر أحداث 1968 الطلابية أول حركة معارضة للسلطة السياسية في تونس منذ الاستقلال ، و لم يكن هذا الحدث كما أشارنا سابقا معزولا عن بقية الأحداث التي شهدتها معظم بلدان العالم و خاصة بلدان القارة الأوربية . و في هذا الإطار نشير أن المنظمة الطلابية " الاتحاد العام لطلبة تونس " كانت تحت سيطرة الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم المهمين على السلطة و الساحة السياسية . و انطلقت التحركات الاحتجاجية من الجامعة التونسية ، و قد نادى الطلبة في هذه المظاهرات بالديمقراطية و الحريات النقابية ، و في هذا الإطار نذكر بموقف الرئيس بورقيبة من مسألة تكريس قيم الديمقراطية و الحريات النقابية ، التي يعتبرها غير ملائمة في هذا الوطن بسبب عدم النضج الفكري، حيث يرى أن الشعب التونسي غير مؤهل لممارسة الديمقراطية في ظل انتشار الجهل و التخلف .و علاوة على ذلك كانت سنة 1968 بمثابة حدث عالمي التقت فيه العديد من الحركات السياسية و الثقافية و الاجتماعية ، حيث اندلعت الانتفاضات الطلابية في أهم بلدان القارة الأوروبية مثل فرنسا و إيطاليا و بولونيا و إسبانيا و غيرها . لذلك لم تكن الاحتجاجات الطلابية في مارس 1968 بالجامعة التونسية بمعزل عن انتفاضات الطلبة ببعض البلدان الأوروبية .
فترة الستينات في تونس : سياق اجتماعي و اقتصادي متأزم . +
شهدت البلاد التونسية خلال فترة الستينات عدة تحولات اجتماعية و اقتصادية كبرى مهدت لاحقا لإندلاع بعض الانتفاضات ضد النظام السياسي . و لعل من أهم هذه التحولات الاقتصادية نذكر تجربة التعاضد التي تتمثل في تعميم الوزير أحمد بن صالح نظام التعاضد الذي لم يحقق أهدافه الإجتماعية و الاقتصادية نهاية فترة الستينات .
كما شهدت الجامعة التونسية في هذه الفترة عدة توترات تعود إلى احتداد الصراع بين الصراع بين طلبة الحزب الحاكم " الدستوريين " و طلبة المعارضة " اليسار و بعض التيارات الأخرى " داخل الاتحاد العام لطلبة تونس التي كانت في تبعية تامة للحزب الدستوري الإشتراكي . و بقيت هياكل المنظمة الطلابية إلى بداية السبعينات خاصعة لسيطرة الطلبة الدستوريين دون منازع .
و علاوة على ذلك ، لا يمكن التغافل عن بعض الاحتجاجات التي اندلعت بالجامعة التونسية و من أهمها حراك فيفري 1965 التي تم تنظيمه من قبل المئات من الطلبة تنديدا بالتمييز بين طلبة الحزب الحاكم و الطلبة الاخرين على مستوى الخدمات الجامعية المبيت و المنح و إلى ما ذلك . و كذلك في ديسمبر 1966 تم إعلان الإضراب العام للمرة الأولى في تاريخ الجامعة التونسية عن الدروس من طرف بعض الطلبة المعارضين بمعزل عن منظمة الإتحاد العام لطلبة تونس .
_ أحداث مارس 1968 و ردود فعل السلطة .
انطلقت هذه الاحتجاجات في شهر مارس 1968 بالجامعة التونسية ، و قد سبقت الأحداث الطلابية التي اندلعت في شهر ماي 1968 بفرنسا . و مثلت هذه الانتفاضة حسب رأي المؤرخين المختصين في التاريخ المعاصر منعرجا كبيرا في تعامل السلطة السياسية مع النقابة الطلابية " الاتحاد العام لطلبة تونس " الذي كان تحت سيطرة الطلبة الدستوريين (طلبة الحزب الحاكم ) . و أكد البعض الذين عاصروا هذه التحركات الاحتجاجية أن الجامعة التونسية عرفت تحركات طلابية غير مسبوقة تنديدا بما وقع في الفيتنام و استنكارا للعدوان الإسرائيلي على مصر سنة 1967 .
و إن المتأمل في طبيعة الحراك الطلابي في مارس 1968 يتبين له أنها نتجت عن تأزم الأوضاع الإقتصادية و الاجتماعية بالبلاد التونسية نهاية فترة الستينات بعد فشل تجربة التعاضد الاقتصادية بالإضافة إلى تضييق حرية التعبير و التنظم ، حيث عمدت السلطة في ذلك الوقت إلى غلق عدة وسائل إعلامية و اعتقلت الكثير من الطلبة و وقع محاكمتهم بمحكمة أمن الدولة . و تعتبر هذه الانتفاضة حسب اعتقادنا مفصلية في طبيعة العلاقة بين الطلبة من جهة و النظام البورقيبي من جهة أخرى ، حيث دخلت انذاك الحركة الطلابية في صدام مع السلطة السياسية .
ففي شهر مارس من سنة 1968 ، شهدت الجامعة التونسية عديد الإضطرابات التي كانت بمثابة مواجهات يومية بين الطلبة و قوات البوليس . و قد ازدادت وتيرة الاحتجاجات داخل أغلب المؤسسات الجامعية لتصل لاحقا إلى المعاهد الثانوية . فقام الطلبة المنتمون إلى منظمة برسبكتيف انذاك . بتعليق اللافتات المنهاضة للنظام البورقيبي على جدران الأحياء الشعبية بتونس العاصمة .
و بالإضافة إلى ما تقدم ، بلغت هذه الإضطرابات أوجهها حين وقع الإعلان عن الإضراب العام المفتوح عن الدروس بكل المؤسسات الجامعية و المعاهد الثانوية .
و من المؤكد أن السلطة السياسية انذاك لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه هذه الاحتجاجات ،حيث بادرت بقمعها مباشرة إذ تولت المليشيات التابعة للحزب الحاكم " الحزب الاشتراكي الدستوري " بالتعاون مع الأمن التونسي عمليات الإيقاف للطلبة المشاركين في تنظيم هذه التحركات . في هذا السياق قامت كل من وزارتي التربية و التعليم العالي بتقديم عطلة الربيع قبل موعدها الحقيقي من 23 مارس إلى يوم 19 مارس حتى تخلوا الكليات من الطلبة و التلاميذ و يتم بذلك فشل تنظيم الاحتجاجات الطلابية . فاقتحمت قوات البوليس الجامعة التونسية و اعتدى بالعنف على عدد كبير من الطلبة و تسبب في إصابة الكثير منهم بجروح خطيرة .و في يوم 20 مارس انطلقت عمليات الإيقاف و شملت خاصة مجموعة آفاق المعارضة _ برسبكتيف ، و وقع محاكمة حوالي 94 طالبا من برسبكتيف و 7 آخرين من الحزب الشيوعي المحظور في محكمة أمن الدولة بعد إجراء التحقيقات .كما شملت هذه المحاكمات أيضا 27 طالبا بعثيا تراوحت الأحكام السجنية بين عدة أشهر و 16 عشر عاما .
و ختاما يمكن القول أن الإحتجاجات التي عرفتها الجامعة التونسية في مارس 1968 ،كانت بمثابة أول حركة معارضة للنظام السياسي البورقيبي الذي كان في حاجة ملحة إلى الانضباط و الطاعة ، فقد كان نظاما لا يتسامح أبدا مع حركة التمرد و الانشقاق لأنهما يتسببان في ضعف الدولة و الحزب . لذلك عمد إلى انتهاج القمع في مواجهة الحركات الاحتجاجية الطلابية داخل الجامعة في مناسبتين مختلفتين مارس 1968 و 5 فيفري 1972 .

الهوامش :
بوقرة ، ( عبد الجليل ) ، النظام البورقيبي الصعود و الانحدار ،دار اآفاق للنشر ، تونس ، 2011
بوقرة ، ( عبد الجليل ) ، فصول من تاريخ اليسار التونسي ، دار آفاق برسبكتيف ، تونس ، 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش