الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في كنائس لا تسقط في الحرب بحث دائم عن أطياف الموت والحياة بأنامل شاعرية

محمد احمد الغريب عبدربه

2022 / 1 / 20
الادب والفن


الكتابة عن الطيف الذي يلمس الروح، عن إضاءات تمر في لحظات الحياة، تمسك الكاتبة اريج جمال بخيوط مخيلها الادبي والشاعري بعض الومضات والاطياف التي تلمس الروح الانسانية في مجموعتها القصصية الاخيرة المعنونة كنائس لا تسقط في الحرب، كل كلمة بها باطن شاعري، إغراءات هنا وهناك للفلت الانتباه الشاعري للقارئ والمتلقي، دفء وراءه توهج للمس الروح والجسد والمجاز والمعني، تقترب الشخصيات من بعضها البعض في دفء وإندماج مدهش ثم تنفك بسهولة من بعضها البعض أيضا كما تمر الحياة علينا هكذا، ليس هناك تكلف في سرد الشخصيات وتفاصيل اللحظة الكاشفة للروح، اريج بأناملها الشفافة تسبر أغوار تلك الاشياء الوعرة التي لا يقترب منها الكثير من الكتاب، الباطن اللحظي الشاعري لكل همسة أنسانية هكذا يكون السرد الشاعري.
في قصتها عن الحب تلتفت الي التشظي في الحب، الحضور والغياب، لا يتم التأكد من حالة الحب، الحب يصبح ومضات ومشاعر جياشة لا يمكن الإمساك به، فالحبيبة تكلم حبيبها عن كيفية القرب والحضور، وتسأل نفسها عن ماهية الحب، ولما كل هذا الضياع والتوهان، معني الحب يتجسد عبر شذرات روحية وشاعرية تسيل بين الحروف وتصنع لحظات هادئة ومتأججة في نفس الوقت، مستقرة ومتحركة لا تتوقف، صمت وحديث في نفس اللحظة، في القصة ايضا الحبيبة تتحدث عن حبيبها المتعدد المختلف، هناك اصوات الحب وليس صوت واحد، وليس مشاعر واحدة، الماضي يحضر في حالة الحب، فكل لحظة من الحب تصبح ماضي ليشعر المحب بالكذب ويقرر التوقف ثم يبدأ من الجديد فالمشاعر تتجدد غصباً، وتتلهف النفس للحب والحبيب مرة أخري بعد القرار المقاطعة، تنبلج الروح لكي تصنع مساحات سرمدية دائمة لا تتوقف، فتؤكد الكاتبة عن ديمومة الحب وتعقده وصوفيته وحتميته، هذه الملامح الأربعه للحب هي ملامح وجودية كلية، اكدت عليه اريج في قصتها الثانية في المجموعة.
التداخل بين الحلم واليقظة، الذهاب الي المنامات والتحرك في اليقظة، البحث عن الذات في الآخرين والأشياء، الاخر له مساحات معترف بها، ولكن الطيف يأتي ويذهب، هناك فخاخ لا تتوقف عن النباح، هكذا فخاخ اريج السردية التي تفصح عن نفسها في فيض من التفاصيل المرهقة المتشذرة، حيث هذه التفاصيل المتباعدة تساعد في تكوين لوحة واضحة لها معني، فبعد حالة الاجهاد يصل القارئ إلي أحساس ما بالمعني، ولكنه لا يصل الي كليته، هكذا سرد اريج للاطياف في الحياة، فالمعني لدي الشخصية التي تسأل نفسها عن انها في حلم، لا نصل اليه، فهناك الحكي عن الاخر سواء صديق أو حبيب، وعن القصر، وعن الليل والسرير، والحلم يعبر عن الذات، انه الحكي عن الذات وتجلي دائم دون تحديد مؤكد وواضح للمعني.
موت فرجينيا، وحضورها الأدبي والسردي وروحها يتسلل نص أريج ولا تبخل في تأكيده، ففي المجموعة الاولي للكاتبة المعنونة "مائدة واحدة للمحبة"، كانت فرجينيا تحلق وتجول مع اريج في السرد والمخيال الادبي، والبعد النفسي، كانت تكتب مع أريج حرف بحرف، او تقرأ فرجينيا ما تكتبه أريج وتنظر لها مبتسمة راضية تماما عن روح الكاتبة السردية، وتبدي اعجابها ايضا بمخيالها عن الذات والبوح الداخلي الدائم في كل حرف وكلمة، تقول أريج أنا أبنة فرجينيا أقضي وجودي معها أقضيه بالكامل معها، تفهم تلعثمي بلغة غير واضحة، تفهمني حين أغمض عيني تفهمني حين أكتب وحين لا يقرؤني أحد. روح فرجينيا تشتهيه الكاتبة, وتحادثه بأنه عالمه النصي، هي صاحبة امتياز نسج روح النص لديها، تقترب من فرجينيا من أجل التأمل والكتابة والونس، والبوح، تسرد الكاتبة بأنامل فرجينيا ولا تتوقف، استمرار للذات التي تحكي.
في أحدي قصصها، نجد روح التيه، والقلق، ارتباك النوم، تختلط الاشياء في نسيج الأرق، يذهب النوم وتأتي الاسئلة، للحظة ما قررت أن تسافر، هذه الشخصية التي لا اسم لها، تبحث عن أوراق السفر والختم تهرول صباحا لكي تنتهي من كل ذلك، تتوه داخل نفسها لذا تقرر البراح والبحث عن الاشياء بعيداً، لعلها تجد شئ ما له معني، ارهاصات للزمن والروح، تحدث نفسها عن كيفية السفر، فكل الاجراءات اشبه بدوائر لا تنتهي، روحها تنبلج اثناء خطواتها نحو العدم، فكل شئ يقف أمام كل خطوة تخطوها نحو تحقيق شيء، الم تكن رحلتها هذه مجرد وهم وسراب لن يتحقق، ويعبر عن بحثها الدؤوب نحو شئ ما لا تراه ولكنها بإحساسها الداخلي تشعره، شئ ما منه يجذبها نحوه، هكذا تعبر أريج عن حالة القلق بروح شاعرية وداخلية دسمة، انتقالات بلا جدوي، تناثر هائل ومكثف للتفاصيل ومباغت أيضا يشعرنا بالتشتت الباحث عن غصن شجرة تائه في الصحراء.
في قصة الطنين، تسرد الكاتبة كيفية الهبوط إلى النهر في المنام، الروح التي تسمع طنينها الذي لا يتوقف عن الحديث المشوش، فالطنين لا يترك أذن الشخصية في حالها، فهناك محاولات للعلاج والتخلص من ذلك ولكن لا جدوي، فالقرين لا يترك الذات، دائم الالتصاق، حكت مع صديقتها وذهبت الي المنزل، وقررت قطع الأذن ولكن الأمر ليس بالهين، الخوف من الفقد، هذا الطنين يجعلها تزواج بين الموت والحياة معاً، فهي تشهق للحياة لحظة ثم تحدق في النهاية لحظة أخري، هذا الطنين يجعلها تميل إلى إمتلاك عصفورة، أن تصبح العصفورة ذاتها, تطير وتمنع نواياها حول الانتحار من السرد والظهور، وتفقد ظل انتحار فرجينيا وولف في ذاكرتها، أن تنفك من ضيقها وانحصارها، العصافير ستجذبها نحو السماء والطيران والحياة، ولكن أيضا طريق الموت وفراشات النعش الأخير تلتف حولها، تفقد الصواب والخطأ معاً، تدرك المعني وتفقده في نفس اللحظة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل