الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفجع على خمسينيات القرن العشرين

ثائر دوري

2006 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يومياً تجد أمامك متحدثاً من المسنين يتفجع على الماضي القريب ، و بالتحديد على فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، أي خمسينيات القرن العشرين . فيقارن وضعنا اليوم مع وضعنا في ذلك الوقت . فإذا أخذت الأمور بظواهرها فإن هذا المتفجع على مرحلة الخمسينيات محق ، حيث كما يقولون كنا مستقلين . و اليوم عدنا نخضع للاستعمار العسكري المباشر ، إما بصيغة احتلال عسكري أو بتواجد قواعد عسكرية في بلداننا تجعلها محميات أو شبه محميات ، حيث يعرف مواطنو ذلك البلد أن بلدهم يدار من سفارة تلك الدولة أو من داخل حدود القاعدة العسكرية .
لكن إذا تجاوزنا سطح الأشياء ففحصنا الأشياء بفكر نقدي عنها علينا أن نسأل سؤالاً بسيطاً لكنه جد هام :
- هل حقاً كنا مستقلين في الخمسينيات و أصبحنا اليوم مستعمرين ؟
أجاب نهرو عن هذا السؤال بإحدى قمم عدم الانحياز المبكرة. فقال :
(( إن كثيرين من أصدقائنا هنا يتكلمون عن الحرية والاستقلال كثيرون خصوصاً من رفاقنا في أفريقيا... إنني عددت كلمة (الحرية والاستقلال) في كلام ممثلي الحركة الشعبية في كينيا وروديسيا فإذا هي كثيرة.. كثيرة جداً المندوب المحترم من كينيا كررها تسع عشرة مرة ومندوب روديسيا كان أكثر تواضعاً فقد كررها ست عشرة مرة فقط. ليس بين الذين سمعتهم -أمس واليوم- من لم يكررها عشر مرات على الأقل.
أريد أن أسالكم ماذا نعرف عن الحرية والاستقلال ؟ ماذا تعرفون عن الحرية والاستقلال؟
إذا تصورنا إنها إعلان المستعمر القديم بأنه سوف يسحب حامياته من أراضينا ثم يُوقع معنا قصاصة ورق ، فهذا هراء لأن ذلك سهل وهم على استعداد لان يفعلوه غداً، ولكن ماذا بعد؟ هل سألتم أنفسكم هذا السؤال؟
قلت لكم أنكم تثيرون فزعي لأنكم لا ترون ما هو أبعد من موقع أقدامكم تشغلون أنفسكم باللحظة التي مضت وليس باللحظة القادمة. تطلبون الاستقلال حسناً، وتطلبون الحرية، حسناً أيضاً، سوف يعطونكم ما تطلبون، وسوف يوقعون معكم على قصاصات ورق، لم يعد في ذلك شك لأسباب كثيرة أولها أنه لم يعد في مقدورهم أن يسيطروا عليكم بقوة السلاح ولسبب ثانٍ بعده هو أنهم لم يعودوا راغبين في السيطرة عليكم بقوة السلاح.
إن انتشار الأسلحة الصغيرة بعد الحرب الكُبرى الأخيرة جعلكم أقدر على المقاومة المسلحة واختلاف أوضاع العالم جعلهم في غني عن استعمال السلاح.إذن فإنهم سوف يتنازلون (قالها بسخرية) ويوقعون معكم قصاصات الورق حسناً، ماذا بعد ذلك؟ ))

لكن الاستقلال الحقيقي لم تحصل عليه دول العالم الثالث لأن مواردها و اقتصادها بقيت بيد المستعمر السابق ، الذي رتب الأوضاع الجديد بحيث ينسحب إلى خلف ستارة المسرح و يلعب دور الملقن للذين يمثلون أدوار رؤساء دول مستقلة ، فيملي عليهم النص كاملاً . يتابع نهرو :

((سوف تتولون المسؤولية- سوف تجدون أنفسكم رؤساء لشعوبكم لديكم قصور الرئاسة ولديكم حرس وناس، ولديكم سيارات رئاسة وربما الطائرات ليس هذا هو المهم!
هل ستجدون لديكم سلطة رئاسات؟ لست متأكداً!
سوف تجدون لأنفسكم سلطة على رعاياكم ولكن لن تجدوا سلطة على غيرهم. رعاياكم سوف يطلبون منكم (جوائز) الاستقلال ومن حقهم أن يتوقعوا تحسن أحوالهم بعد الاستقلال: فهل لديكم ما تعطونه لهم؟
أشك كثيراً. لماذا؟ لأنكم جميعاً منهوبون ومواردكم نهبت فعلاً أو هي مربوطة بنُظم دولية تواصل عملية نهبها. وإذا لم تكن لديكم سلطة غير سُلطتكم على رعاياكم، وإذا كان هؤلاء سوف يطالبونكم بما سوف تكشفون أنه غير موجود، فماذا سوف تفعلون؟ تغيرون اتجاه سلاحكم من أعدائكم القدامي إلى أعداء جدد سوف ترونهم داخل بلادكم؟))
و يلخص نهرو الوضع و نتائجه . قائلاً :
«إن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الاستقلال وأقاموا أوضاعا جديدة تستبدل أعلامهم القديمة بأعلامكم الجديدة، ولكن هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئاً؟ سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل، وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي قُروضاً، فهل سألتم أنفسكم من هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي؟
نفس جلاديكم السابقين أخشى أن أقول لكم، أي أنكم سوف تذهبون إلى الأسياد القدامى طالبين منهم أن يساعدوكم على مسؤولية الاستقلال. وأي وضع هذا الذي يستنجد فيه الضحية بالجاني حتى يساعده على تلافي آثار جريمته. جريمة الاستعمار لن تصححها قروضه وإنما سوف تزيدها سوءاً ))
و قد حدث كل ما تنبأ به نهرو بحذافيره فعاشت الشعوب على أوهام الاستقلال ، الذي لم تملك منه سوى العلم و النشيد الوطني و شركة الطيران و فريق كرة القدم ، ردحاً من الزمان ، ثم اكتشفت أن شروط حياتها قد تدهورت دون أن تدرك أنها لم تحز استقلالها بعد لأن الغرب بقي مسيطرا على مواردها و تجارتها بل و حتى نخبها . فتخبطت شعوب العالم الثالث ردحا آخر من الزمن حتى اكتشفت هذه الحقيقة فوجهت بنادقها صوب المستعمر السابق محاولة أن تحصل استقلالها الحقيقي فكان أن رد عليها الغرب بعودته للاستعمار العسكري المباشر . و بالتالي انزاحت عن عيون الشعوب أوهام استقلال ما بعد الحرب العالمية الثانية و دخلنا بمرحلة تمتاز بالوضوح الشديد ، وضوح العدو ، و وضوح الطريق للخلاص من سيطرته . و هو وضوح يخدم الشعوب لأنه لا يدخلها في متاهات جانبية كما أنه نزع عنها أوهام الاستقلال التي غرقت بها عقوداً .
إن مرحلة الخمسينات كانت مرحلة أحلام أكثر منها حقائق ، كان هناك مشروع للتحرر لكنه انتكس سريعا بسبب ضعف أدواته و قلة الوعي بالعالم المحيط بنا مما جعل كثير من النخب تغرق بالأوهام التي شرحها نهرو بدقة . كان هناك نيات طيبة و مد جماهيري لكن كان ينقصه الكثير ذاتيا و موضوعياً.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية