الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


1 - السينما في موريتانيا

محمد عبيدو

2006 / 9 / 2
الادب والفن


يرى أغلب المتتبعين والمهتمين بالمجال السينمائي في موريتانيا أن سنوات الخمسينات شهدت أولى إرهاصات وتطورات المشهد السينمائي الموريتاني من خلال "البعثات الرحالة" التي قامت بها فرق فرنسية ومصرية على شاشات سينمائية محمولة جابت العديد من البوادي الموريتانية محاولة تجسيد ونقل صورة لمجتمع صحراوي لم يألف هذا الفن ولا هو بالقريب من فهمه واستقراء مكامنه، واستمرت الرحلة على علاتها حتى سنة 1960 التي ظهر فيها المخرج السينمائي "همام افال " محاولا خلق قاعدة بشرية تستوعب أو تقترب في تلك الرحلة من التعمق في فهم الصورة السينمائية وقراءتها مستفيدا في ذلك من تجربة الفرنسيين والمصريين الذين أدخلوا هذا الفن تحت يافطة التعاون الموريتاني الفرنسي والمصري، ومن هنا أسس همام افال بعض دور السينما وفي نفس الوقت توجه اهتمامه هذا بإنتاج بعض الأفلام مثل "ميمونة" و"بدوي في الحضر" و"ترجيت" وهذه الأفلام التي لا يعتبرها المهتمون بالسينما أفلاما بالمعنى المهني تمثل على الأقل بداية كان يمكن أن توصل هذا البلد إلى تجاوز واختزال لزمن طويل لا زال تجاوزه يطرح عائقا كبيرا..
بعد مرحلة همام افال أسست المؤسسة الوطنية للسينما واختزل دورها ـ في صورة غريبة ـ على الرقابة على الأفلام دون الإنتاج الذي اقتصر على إنتاج الأفلام الوثائقية، وظهر مخرجون من أمثال سيدين سوخاني ومحمد ولد السالك ومحمد ميد هندو الذي يعتبر من أمهر المخرجين الموريتانيين، ويقيم حاليا في فرنسا وفي رصيده العديد من الأفلام السينمائية ولسوء الحظ لم تعرض في موريتانيا حتى اللحظة. .. والده كان سنغالياً ، والأم موريتانية ، وينحدر أسلافه من السودان ، ولهذا فهو يتمتع بجذور أتنية متعددة ، ولقد بدأ هيندو حياته طباخاً ، ثم هاجر إلى مرسيليا لاكتساب المزيد من المعرفة ، في هذا المجال ، وهناك اشتغل عاملاً في الميناء ، ثم في قطف الفواكه من الحقول الفرنسية ، قبل أن يجد عملاً في مطعم . يتذكر هيندو قائلاً : (( لقد كان العمل في المطعم شاقاً ، ولكن علاقتي مع بعض الأشخاص الذين عملت معهم كانت هي الامتحان الحقيقي لي ، فقد كان رئيسي الذي استأجرني بأقل من الأجر المعتاد ، يخجل مني ، فأرسلني ركناً قصياً في المطبخ ، ولما اكتشف ، أنني أضفي نكهة غرائبية أثرية على مؤسسته سمح لي بالظهور العلني .
أتاحت له الأعمال المختلفة التي أمتهنها أن يتعرف على حياة الطبقات العليا والدنيا من المجتمع الفرنسي عن كثب ، وبعد 6 سنوات من هجرته تلقى هيندو دروساً في فن التمثيل المسرحي ، ولكنه سرعان ما أدرك أنه من الصعوبة بمكان أن يعبر أفريقي أسود عن نفسه على خشبة المسرح الفرنسي ، فألف هيندو مع عدد من أصدقائه من أفريقيا وأمريكا اللاتينية مجموعة مسرحية لأداء بعض المسرحيات التي كتبها مؤلفون أفروأمريكيين ، وبعد أن أدى هوندو بعض الأدوار في أفلام للمخرجين كوستا غافراس ، وجون هيوستون ، وروبرت أيكر يكو شغف شغفاً كبيراً بالكاميرا وشرع في العمل كمساعد مخرج ، وقرر أن يتعلم الإحراج السينمائي على نفقته ونجح في ذلك وقبل أن يخرج فيلمه المشهور ( الشمس – أو ) ( SOLEIL- O ) كان قد أخرج فيلمين قصيرين فقط . الفيلم الأول ( أغنية للمنابع والجذور ) يتناول فيه هوندو مشكلة أفريقي مهاجر يعود إلى وطنه من فرنسا ولا يجد أية وظيفة فيتسكع على الشاطئ ثم يعتصر ذهنه في التفكير في هذا الخيار الذي اتخذه طواعية خيار العودة إلى الوطن ، على خلاف أبطال إيكاري ، يعود البطل إلى الوطن ولكنه على الرغم من ذلك يشعر بالضياع والتيه ، ويحكي الفيلم الثاني ( كل مكان ولا مكان ربما ) عام 1969م ، عن قصة زوجين فرنسيين من خلال عيون أفريقية .
في فيلمه الروائي الطويل ، ( SLOEIL- O ) عام 1969م يعيد هوندو إنتاج تجربته الشخصية المريرة في المهجر إلى جانب ملاحظاته حول التمييز العنصري . يتركز الفيلم حول أفريقي شاب ، لا اسم له يأتي إلى باريس بأمل الحصول على وظيفة محاسب ، ومن خلال بحثه الدائب عن وظيفة وعن مسكن ، يواجه عدداً من الصعوبات وأشكال الرفض المبنية على أساس عنصري ، وهيندو لم يمنح بطله اسماً لكي يكون ممثلاً لكل الأفارقة بغض النظر عن أقطارهم أو مهنهم ، وإذ يشعر البطل بأنه مرفوض وغير مرغوب فيه ، يصير على شفا حفرة من الجنون . هذا الفيلم على خلاف أفلام إيكاري ، موجه إلى النقد والاحتجاج السياسي ، وتشاهد البطل في نهاية الفيلم ينطلق إلى الغابة وهو يعاني من الألم والتوتر ، وتتراءى له مشاهد من انتفاضات العالم الثالث الشعبية .
يكتب الناقد الأمريكي جيري أوستر ، وهو محق على ما يبدو لي حينما يقول :
(( إن فيلم ( SOLEIL- O ) يتميز بالانسجام المبدع والرائع للصوت والموسيقا كخلفية للمشاهد .. إلخ ، لمشاهده الخشنة والحادة .
الناقد الأمريكي آرثر وينسون كان أكثر موضوعية حين علق على الفيلم قائلاً :
(( لا يُضيع المخرج ميد هوندو فرصة لتناول مظاهر النفاق والادعاءات الجوفاء والعنصرية ، والعوائق التي تواجه الإنسان الأسود في فرنسا ، لقد أحسن اختيار شخصياته السوداء لتقديم الانطباعات الجيدة ، كما أحسن اختيار الشخصيات البيضاء التي تثير الاستياء والاستهجان في معظم الأحوال ، إن هذا الفيلم يمثل إدانة للمجتمع الأوربي لا يمكن تجاهلها ، أو التقليل من شأنها ، كما يحتوي على صدق كبير ومرارة أعظم ، ويمكننا اعتبار هذا الفيلم وثائقياً وليس روائياً ، إنه حجة شخص جُرحت كرامته ، وأُذل كبرياؤه ، وها هو يرد الصاع صاعين إن هذا الفيلم يحمل رسالة ، ولقد نجح هوندو في التعبير عنها بوضوح وفصاحة وقوة .
تتوجه المشاعر الثورية المتطرفة وأصوات الشجب والإدانة ، التي يعبر عنها هيندو في أفلامه وأحاديثه ، ضد أوروبا كما جرى على لسان إحدى شخصيات الفيلم : لقد أسهمنا في خلق ثرواتكم ، أليس من حقنا أن ننال نصيبنا منها ؟ )) .
يفتتح الفيلم بمشهد لأحد أفلام الرسوم المتحركة الذي يعرض أرضاً أفريقية وقد غزتها الآلة العسكرية الأوربية فأحالتها إلى خرائب وأنقاض عن طريق القسوة والبطش ، حتى اسم الفيلم ذو دلالة رمزية فهو مقطع من أغنية قديمة كان يغنيها الرقيق الأفارقة أيام الرِق والاستعباد وهكذا ربط هيندو بين مرحلة الرق ، وعهود الاستعمار وما بعد الاستعمار .
إن للبنية الأسلوبية لهذا الفيلم طبقات ومستويات ، فعدد من اللوحات التي صورت باستخدام تكنيكيات مختلفة ، تتعاقب في الظهور على الشاشة ، وتشكل في نهاية الأمر كولاج يجمع المخرج بين التشخيص المسرحي والوثائقية والمقابلات الشخصية وقصص الحياة الحقيقية . وإن التعددية الأسلوبية لهذا الفيلم تنسجم مع تعدد موضوعاته وتنوعها، التخلص من الوهم ، والوطن والعمل ، والحب وعنصرية البيض ، والتناقضات بين الأفارقة أنفسهم .
في فيلمه (( العرب والزنوج ، جيرانك )) يواصل هوندو معالجة موضوع الاضطهاد الاستعماري
ويتناول بالتحليل حياة العرب والزنوج في فرنسا ولقد أشرك في هذا الفيلم عمالاً حقيقيين كما تبنى الارتجال في أداء المشاهد التمثيلية . يقول هوندو :
" لما كان هدفي هو إخراج فيلم يعكس هموم وقضايا العمال المهاجرين فقد رأيت أن أشاركهم معي بدلاً من استخدام الطرائق الإبداعية التقليدية . لا أريد القول إنه عمل جماعي ، ولكنه بالأحرى فيلم ديالكتيكي قام الناس الذين ساهموا في تحقيقه بتقييم مراحله المختلفة
ان فيلمي ليس هو الكمال .. انه مجرد اقتراحات مني أنا كسينمائي من العالم الثالث لسينما عالم ثالث . سينما أجد أنها من الضرورة أن تأتي مختلفة بمضامينها وأشكالها عن السينما الأوروبية .. سينما عربية افريقية أقترحهاأنا انها مجرد اقتراحات فقط وليس حلولا ."
هذا الفيلم عمل غاضب وعنيف يدين المترفين الذين يَثْرون على حساب الفقراء والمحرومين وفي أعماله السينمائية اللاحقة قام هوندو بالتوسع في تحليل قضايا الاستغلال الاستعماري . والهجرة إلى أوروبا .
إن هوندو مخرج موهوب ، إذ أحدثت أفلامه ضجة واسعة ليس على نطاق السينما العربية والأفريقية فحسب ، وإنما على مستوى السينما العالمية عندما نال كثيراً من الجوائز في المهرجانات الدولية

فصل من كتاب "السينما في المغرب العربي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى أفلام دريد لحام أثرت عليا في طريقة شغلى وعرض الفن


.. كلمة أخيرة - تفاصيل أول معسكر يجمع محمد صلاح وحسام وإبراهيم




.. كلمة أخيرة - تذاكر مباراة المنتخب خلصت.. الناقد محمد عراقي ي


.. لماذا فشلت ترجمة كلمة -الرحمن الرحيم- إلى الإنجليزية؟ | #حدي




.. عقد قران الفنانة جميلة عوض على المونتير ا?حمد حافظ