الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تربح الديمقراطية وتخسر الوطن

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2022 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


منذ عام 1971 (عام تأسيس الدولة الاتحادية لدولة الامارات العربية المتحدة) وحتى عام 1991 ، حول الشيخ زايد آل نهيان الامارات السبع الصغيرة التي شكلت الدولة الوليدة، من صحراء إلى دولة زاهرة ينظر الجميع إليها بالإعجاب.
تحقق هذا للشيخ زايد ولكنه لم يتحقق للطبقة السياسية التي خلفت صدام في حكم العراق، خلال نفس المدة الزمنية، ببساطة لأن الشيخ النبيل زايد سعى مخلصاً لتأسيس دولة، في حين أن الطبقة السياسية العراقية لم تسع لغير تأسيس الحكم والسلطة لنفسها ولفصائلها.
إذاً الطبقة السياسية العراقية لم يكن هدفها من الوصول إلى السلطة سوى تأسيس قواعد الحكم لفصائلها والقبض عليها بيد من حديد، وهذا ما تأكد للشعب عبر تشكيل كل حزب أو تكتل أو كتلة سياسية لمجموعة مسلحة تحمي لها سلطتها وتديم نفوذها في مؤسسات الدولة وعلى الشارع (المواطنين) طبعاً.
وبالعودة للمقارنة مع المثال الاماراتي في مرحلة التأسيس، فدولة الامارات العربية لا تمتلك أي مؤسسة ديمقراطية (لا مفوضية انتخابات، لا انتخابات دورية، لا قانون انتخاب، لا صناديق اقتراع، ولا تغيير للوجوه الحاكمة) لكن هناك دولة بمؤسسات رصينة وتعمل بجد (اقتصادية، خدمية، اجتماعية، وسياسية تحرص على صيانة أم البلاد وسيادتها وكرامة الوطن وعيشه الكريم ورفاهه)، أما في العراق فإن شكل الدولة القائم يتوفر على جميع هياكل المؤسسات الديمقراطية آنفة الذكر، ولكن من دون سيادة وطنية ومن دون عملية اقتصادية ناجحة ومن دون كرامة عيش واحترام لإنسانية المواطن ومواطنيته وحقه في بلده.
عشرون عاماً تأسيسية، صنعت من صحراء ورمال الامارات العربية المتحدة (تكاد لا تحوي أي شكل من أشكال المؤسسات بل وحتى المباني حتى عام استلام الشيخ زايد للسلطة في أبي ظبي عام 1969) دولة محكمة المؤسسات وتعمل لخدمة المواطن، يقابلها عقدين من الهدم والتهشيم لما كان قائماً في العراق من هيكل الدولة ومؤسساتها التي يزيد عمرها على مئة عام. لماذا؟ ببساطة لأن الشيخ زايد ومن خلفوه عملوا على بناء دولة، في حين أن من منحهم الأمريكان حكم العراق، بعد 9/ نيسان/2003 لم يعملوا على غير تأسيس الحكم الذي يكرس سبل استحواذهم على السلطة وثروات البلاد.
وجه آخر للمقارنة وهو أن السلطة في الامارات العربية، والتي لم تأت نتيجة عملية انتخاب ولم يغير وجوه رموزها غير الموت، تقيم على أراضي بلدها عملية اقتصادية بمنتهى المتانة والتنوع، وعملية عمرانية تحسدها عليها حتى دول أوربا الغربية، ورفاه للمواطن هو مضرب مثل بين دول الشرق الأوسط أجمعها، هذا إضافة إلى احترامه وصون كرامته داخل الامارات وخارجها، وبالمقابل ماذا قدمت سلطات العراق الديمقراطية للعراق ككيان ودولة وللمواطن؟ التطويح بسيادة الدولة وتهشيم مؤسساتها والبطالة واهانة واذلال المواطن قبل قتله على دينه وطائفته ورأيه السياسي، بل وحتى على ضميره.
والآن نصل إلى السؤال الأهم: أين الديمقراطية العراقية وأدواتها مادام المواطن غير قادر على تغيير الوجوه التي تحكمه من خلالها؟
ثار الشعب العراقي في أكتوبر من عام 2019 على طغيان وفساد واحتكار أبطال النظام الديمقراطي للسلطة وأسقط حكومتهم، ليصل في النهاية إلى انتخابات مبكرة يزيحهم عن طريقها عن سلطة الحكم، وهذا ما تحقق (جزئياً على الأقل)، ولكن هذا لم يعجب من تبجح ومازال يتبجح بإرساء قواعد وآليات الديمقراطية وها هم يرفضون مغادرة مقاعد الحكم والسلطة بشتى الحجج والممارسات غير الديمقراطية، بل إن بعض الخاسرين في الانتخابات يهددون بحرق المعبد (البلد) كاملاً، على رؤوس الناخبين العاقين الذين يريدون إزاحتهم عن مقاعد الحكم وامتيازات السلطة. فما قيمة مؤسسات وآليات الديمقراطية مع من لا يؤمن بها أو من يريد أن يطبقها لخدمة وصوله للحكم فقط ولا يرضى بحكمها عندما يكون ضد موقعه من السلطة؟
عشرون عاماً من حكم الشيخ (غير الديمقراطي!!) زايد آل نهيان أسست دولة بمشاريع اقتصادية وعمرانية وخدمية وثقافية يعمل فيها آلاف العراقيين، تقابلها عشرون عجاف من حكم الديمقراطية العراقية التي فلشت خلالها ما كان قائماً من مؤسسات الدولة ومشاريعها الاقتصادية ومصانعها وبناها التحتية التي كان يعمل فيها العراقيون، لتكون حصيلتها ضياع أغلب الخدمات الأساسية لحياة المواطن، مع نسبة أربعين بالمئة من العاطلين عن العمل، ممن يتطلعون للعمل في مشاريع دولة الامارات العربية غير الديمقراطية!
وللمفارقة سأذكر هنا بأن من بين أهم من أرسى قواعد نهضة دولة الامارات، غير الديمقراطية، ووحدتها السياسية والوطنية، كان عراقياً، وهو وزير الخارجية الأسبق، الدكتور عدنان الباجه جي، الذي وضع لهذه الدولة قانون وحدتها وأرسى لها قواعدها القانونية وسياستها الخارجية؛ وأيضاً كان لأساتذة جامعة بغداد، التي تأسست قبل تأسيس دولة الامارات بعشرين عاماً، دوراً مهماً في إرساء قواعد التعليم العالي وتخريج الكفاءات التي تدير حالياً مؤسسات دولة الامارات الناهضة على كافة الصعد والمجالات!
فبورك عصر ديمقراطيتك الزاهر يا عراق، ليس لأنه لم يبق فيك سيادة وطنية وعملية اقتصادية ومؤسسات خدمية تكفي مواطنيك شر البطالة والحاجة فقط، بل لم يبق فيك مساحات خضراء - وأنت أبو الرافدين وأرض السواد – تضاهي مثيلاتها في رمال صحراء الامارات، التي تستورد التراب من دول العالم لتدفن به الرمال، وتحلي ماء البحر الأجاج لتسقي مزروعاتها، من حدائق عامة وأشجار، بل وحتى حقول خضار وبساتين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا