الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تملك محكمة التمييز الاتحادية حق التدخل تمييزاً بقرارات محكمة الأحوال الشخصية؟ (تعليق على قرار محكمة التمييز الاتحادية)

سالم روضان الموسوي

2022 / 1 / 22
دراسات وابحاث قانونية


هل تملك محكمة التمييز الاتحادية حق التدخل تمييزاً بقرارات محكمة الأحوال الشخصية؟
(تعليق على قرار محكمة التمييز الاتحادية)
أصدرت محكمة التمييز الاتحادية قرارها العدد (14803/هيئة الأحوال الشخصية والمواد الشخصية/2021 في 16/11/2021) الذي قضت فيه برد الطعن التمييزي شكلاً والمقدم من المدعى عليه ضد قرار محكمة الأحوال الشخصية في مدينة الصدر ، وأسباب الرد لانه مقدم خارج المدة القانونية، ثم عادت وأجرت التدقيقات التمييزية على الحكم المطعون فيه وقضت بنقضه لأنه مخالف لأحكام الشرع والقانون، وانها استندت إلى أحكام المادة (299) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، وهذا القرار يستوجب تحليله والوقوف على المبدأ وعلى وفق السؤال الاتي (هل محكمة التمييز لها سلطة التدخل في قرارات محكمة الاحوال الشخصية من تلقاء نفسها؟) وسيكون العرض والإجابة على وفق الاتي :
1. ان الأصل في الأحكام لا يتم الطعن فيها إلا بناء على طلب ممن خسر الدعوى وعلى وفق ما ورد في المادة (169) مرافعات التي جاء فيها الاتي (لا يقبل الطعن في الأحكام إلا ممن خسر الدعوى ولا يقبل ممن اسقط حقه إسقاطاً صريحاً إمام المحكمة أو بورقة مصدقة من الكاتب العدل) كما ان هذه الطعون لها مدة يترتب على فواتها سقوط الحق في الطعن وعلى وفق ما ورد في المادة (171) مرافعات التي جاء فيها الاتي (المدة المعينة لمراجعة طرق الطعن في القرارات حتمية يترتب على عدم مراعاتها وتجاوزها سقوط الحق في الطعن وتقضى المحكمة من تلقاء نفسها برد عريضة الطعن اذا حصل بعد انقضاء المدة القانونية)، ومن خلال هذه النصوص لم يرد في قانون المرافعات المدنية أي نص يمنح محكمة التمييز صلاحية طلب أي دعوى لتدقيقها تمييزا أو لها ان تنظر في الدعوى وتدقق الحكم فيها ان عرضت عليها بموجب طعن مقدم خارج المدة القانونية، باستثناء ما ورد في المادة (309) مرافعات التي الزمت المحاكم بإرسال بعض القرارات التي تتخذها في نوع محدد من الدعاوى ويطلق عليه بالتمييز الوجوبي وعلى وفق النص الاتي (الأحكام الصادرة على بيت المال او الأوقاف او الصغار او الغائبين او المجانين او المعتوهين او غيرهم من ناقصي الأهلية والأحكام المتضمنة فسخ عقد الزواج....الخ) وهذه المادة لها شروط منها (1-عدم قيام اطراف الدعوى بالطعن تمييزاً 2-ان تنقضي مدة الطعن ثم تقوم محكمة الموضوع من تلقاء نفسها بإرسال الإضبارة وليس بناء على طلب محكمة التمييز الاتحادية) وهذا النص لم يرد فيه بان قرارات الحكم بالتفريق أو الطلاق من ضمن التي الحكام التي ترسل وجوباً، وإنما قرار الحكم بفسخ عقد الزواج فقط، والفسخ غير الطلاق ويختلف عنه جذرياً، ومن الجدير بالذكر ان نص المادة (309) كان يشمل قرارات الحكم بالتفريق والطلاق عند صدور قانون المرافعات عام 1969، لكن تم تعديلها وحذف قرارات الحكم بالتفريق والطلاق من أحكامها وأصبحت غير خاضعة للتمييز الوجوبي، وإنما تخضع للطعن من قبل ذوي العلاقة فقط وعلى وفق ما ورد في المادة (19) من القانون رقم 116 لسنة 1973 قانون التعديل الثالث لقانون المرافعات المدنية.
2. ان قانون المرافعات المدنية لم يمنح محكمة التمييز أي سلطة للتدخل التمييزي في حكم او قرار من تلقاء نفسها وإنما يجب ان يكون بناءً على طعن مقدم من ذوي العلاقة وضمن المدة القانونية، فاذا حصل وان تم قبول أي طعن خارج المدة القانونية، فان يد المحكمة مرفوعة عن النظر فيه أو قبوله ولا تملك أي صلاحية مما يجعل من القرار معدوماً لعدم الاختصاص، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية ومنها قرار العدد 53/هيئة مدنية موسعة/2005 في 25/5/2005، بينما في الدعاوى الجزائية القانون منحها بصريح القول هذه الصلاحية بموجب الفقرة (ب) من المادة (264) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي جاء فيها الاتي (لمحكمة التمييز سلطة التدخل تمييزا بموجب الفقرة ا اذا قررت رد الطعن بموجب الفقرة (آ) من المادة 258) ويذكر ان المادة (258/آ) جاء فيها الاتي (آ – اذا تبين لمحكمة التمييز ان الطعن في حكم او قرار صادر من المحكمة الجزائية لم يقدم في مدته القانونية فتقرر رده شكلا.) وهذا النص الوحيد الذي منح محكمة التمييز الاتحادية هذه الصلاحية وفي الدعاوى الجزائية لخصوصيتها. أما في قانون المرافعات المدنية فلا يوجد مثيل له إطلاقاً.
3. ان قيام محكمة التمييز الاتحادية بنقض الحكم عن طريق التدخل التمييزي هو بمثابة استحداث طريق جديد من طرق الطعن وهذا لا يجوز، لان طرق الطعن وردت على سبيل الحصر في القانون في المادة (168) مرافعات وهي (1- الاعتراض على الحكم الغيابي 2- الاستئناف 3 - إعادة المحاكمة 4 – التمييز 5 - تصحيح القرار التمييزي 6 - اعتراض الغير) وإيجاد طريق جديد غير ما تقدم ذكره محظور قانوناً، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية في قرارات كثيرة ومنها قرار الهيئة العامة العدد ‏13/الهيئة العامة‏/2020 في 30/6/2020 الذي جاء فيه (إيجاد طرق طعن جديدة في الأحكام والقرارات لم ينص عليه هذا الأمر محظور قانونا، إذ لا يمكن إيجاد أي طريق جديد بالطعن بالأحكام والقرارات إلا من خلال تشريع نص قانوني صريح بذلك)
4. ان موضوع الطلاق الذي تصدت له محكمة التمييز الاتحادية هو من الأمور المتعلقة بدعاوى الحسبة في الحلال والحرام، وهي من النظام العام واذا ما ترك الأمر على الخطأ الوارد فيه فانه سيلحق الضرر بالأفراد وفي المنظومة الاجتماعية بشكل عام، لان الطلاق اذا كان غير شرعي ومحكمة الأحوال الشخصية قضت بصحته فان أثاره وخيمة، وتبقى الزوجة بموجب الشرع على ذمة زوجها ولا تعتبر مطلقة، لان الطلاق غير صحيح، فاذا ما تزوجت بموجب قرار الطلاق فإنها ارتكبت الفاحشة باعتبار زواجها زنا لأنها متعلقة بذمة رجل اخر، وان حملت فان حملها سفاح وهكذا الحال، لكن الخلاف يظهر في كيفية المعالجة، فهل نعالج خطأ محكمة الموضوع بمخالفة نصوص القانون الآمرة الواردة في قانون المرافعات، وعند ذاك سنقع في محذور قانوني وهو انعدام الحكم من جهة الاختصاص، ام نترك تلك المخالفة في الحكم المطعون فيه؟ ، لذلك التفت المشرع إلى تلك الحالة، عندما استحدث طريق جديد للطعن وهو طريق استثنائي اطلق عليه (الطعن لمصلحة القانون) وهذا النص قد ورد في المادة (7/ثانياً/آ) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 وعلى وفق النص الاتي (ثانياً: أ. اذا تبين لرئيس الادعاء العام حصول خرق للقانون في حكم او قرار صادر عن أي محكمة عدا المحاكم الجزائية او في أي قرار صادر عن لجنة قضائية او من مدير عام دائرة رعاية القاصرين او مدير رعاية القاصرين المختصة او المنفذ العدل من شانه الإضرار بمصلحة الدولة او القاصر او أموال أي منهما او مخالفة النظام العام يتولى عندها الطعن في الحكم او القرار لمصلحة القانون رغم فوات المدة القانونية للطعن اذا لم يكن احد من ذوي العلاقة قد طعن فيه او قد تم الطعن فيه ورد الطعن من الناحية الشكلية) وهذا النص جاء لتدارك مثل هذه الأخطاء لكن عن طريق رئيس الادعاء العام حصراً فهو الذي يقدم طلب الطعن وليس لمحكمة التمييز ان تتبعه وتنظر فيه من تلقاء نفسها، ويذكر ان من أسباب استحداث هذا الطريق ما جاء في القانون رقم (5) لسنة 1987 قانون التعديل الأول لقانون الادعاء العام رقم 59 لسنة 1979 الملغى، حيث جاء في الأسباب الموجبة (يتخذ رئيس الادعاء العام أو يطلب اتخاذ الإجراءات التي تكفل تلافي خرق القانون أو انتهاكه ويطعن في الأحكام والقرارات التي نتج عنها خرق للقانون، ومما يشار إليه بهذا الصدد ان ما يعتبر خرقاً للقانون هو المخالفة للقانون، التي ينتج عنها ضرر جسيم يمس المصلحة العامة ويهدد الشعور بالأمن القانوني مثل الأضرار بأموال الدولة ومخالفة النظام العام كمخالفة قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالحل والحرمة أما الانتهاك فهو مخالفة للقانون ينتج عنها ضرر يمس المصلحة العامة) وفي مقابل صراحة هذه الأسباب ومن اجل تدارك الأخطاء في دعاوى الأحوال الشخصية وجد هذا الطريق لتداركها بالمعالجة من محكمة التمييز الاتحادية.
5. لذلك فان قرار محكمة التمييز بالتدخل بقرار محكمة الأحوال الشخصية ليس له سند في القانون، والمادة (299) مرافعات التي جاء فيها الاتي (تطبق النصوص التالية على الدعاوى الشرعية فان لم يوجد نص تطبق احكام المرافعات المبينة بهذا القانون بما يتلاءم مع طبيعة الدعوى الشرعية) وكانت سند محكمة التمييز الاتحادية في التدخل بقرار محكمة الاحوال الشخصية، وهي مادة لا علاقة لها بطرق الطعن ويذكر إنها من المواد الواردة في الكتاب الرابع من قانون المرافعات الذي خصص لدعاوى الأحوال الشخصية تحت عنوان (المحاكم الشرعية وإجراءاتها) فاذا لم يرد في هذا الباب نص فان بقية مواد القانون هي التي يعمل بها وذلك لخصوصية دعاوى الأحوال الشخصية، وعند إمعان النظر في المواد (299 – 310) التي ضمها ذلك الباب لم نجد فها أي نص أو مادة قانونية تمنح محكمة التمييز الاتحادية صلاحية التدخل بقرارات محكمة الأحوال الشخصية من تلقاء نفسها وبدون طلب، والمعالجة كما اعتقد، بان تفاتح رئاسة الادعاء العام من اجل ان يطعن بقرار محكمة الأحوال الشخصية لمصلحة القانون وعلى وفق المادة (7/ثانياً/آ) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 لأنه السبيل الوحيد المتوفر لمعالجة هذا الخرق القانوني والخطأ في الاجتهاد القضائي لتعلقه بالحل والحرمة.
ومن خلال ما تقدم فان الأحكام القضائية لمحكمة التمييز لها قدسيتها التي تجعلها واجبة الاتباع وانها تمثل مبادئ قضائية يستنير بها القضاء والمحامون واهل الاختصاص كون محكمة التمييز الاتححادية هي اعلى محكمة في سلم القضاء الاعتيادي وتتربع على عرشه ، وما يصدر عنها يكون محل اهتمام الجميع ومن الضروري مع هذه المكانة السامية لتلك الأحكام لابد من الوقوف عندها بالتحليل والتعليق العلمي.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية