الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الكوردية (ازمة الدين والسياسة)

سامي عبدالقادر ريكاني

2022 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ثبت بالتجارب التاريخية بان اي فكرة او دين لم يدعمها قوة سلطوية متمكنة ماكان ليسطيع الاستمرار او البقاء طويلا، فالزرادشتية ماكانت لتنتشر لولم يتبناها الملك الفارسي كدين للدولة، والمسيحية ماكانت لتستمر لو لم يتبناها الامبراطورالروماني كدين للدولة، والاسلام، وللواقع القبلي الذي ظهر فيه قبل مرحلة الامبراطورية ماكان لينتشر لولا تبنيها من قبل اهل المدينة ومن ثم تصارعها مع القبائل والمناطق المجاورة لها، وكذلك الامرمع الحركات والفرق والمذاهب الاسلامية قديما وحديثا ابتداء بالحركات الكلامية كالاعتزالية والاشعرية والماتوريدية والطحاوية ومرورا بالمذاهب الفقهية الرئيسية كالحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية والتشيع، وانتهاءا بالحركات الاسلامية المعاصرة، الشيعية منها والسنية، المسلحة منها وغير المسلحة، المتطرفة منها والمعتدلة، الرسمية منها وغير الرسمية، وبمعنى اخر ان معيار ظهور وانتشار او زوال اي توجه ديني او ايديولوجي ماكان متوقفا على قوة الحقيقة الكامنة فيها بقدر ماكانت متوقفة على حقيقة القوة الواقفة خلفها .

العامل الديني كان ولا يزال له تاثيره البالغ في حياة الفرد والمجتمع منذ فجر التاريخ البشري، وبدوره كان عاملا مهما في ادارة المجتمعات البشرية، وبتحصيل حاصل ايضا اصبح سلاحا ذو حدين في ممارسة العملية السياسية وفي توجيه دفة الحكم والدولة من قبل النخبة السياسية وعلماء الدين، فاذا استطاعت هذه النخبة توجيه وادارة قواعد الفهم والتوجه الديني للمجتمع لما فيه المصلحة العليا لذلك المجتمع فسيكون ذلك عاملا مهما داعما للاستقرار المجتمعي، وقوة صلبة في مواجهه الاعتداءات والتدخلات الخارجية، اما اذا فشلت فستكون اثارها وخيمة على السلم المجتمعي اولا وعلى السلطة و الدولة ثانية وعلى هويتها ووجودها برمتها اخيرا.
واذا كانت القوميات التي لها تجارب طويلة في حكم المسلمين ابان فترة الامبراطوريات الاسلامية قد استطاعت من خلال دورها، ووفق طبيعة الصراع على السلطة، ان تشكل لها قواعد شرعية نصوصية بنيوية جامعة بين الجانب الروحي والمادي وبين الماضي والحاضر بصيغة تجمع بين الديني والسياسي والخصوصية القومية في بناء الوعي الفكري والروحي لدى الفرد في المجتمع الاسلامي ابان حكمهم ، الا انها استطاعت لاحقا ايضا ان تحولها الى خصوصية قوم- دينية، تساند فكرة شرعية قيادتها لدولتها القومية الحديثة وبما تعطي لها الواجب الشرعي لان توسع نطاق دولتها لتمتد الى باقي الدول الاسلامية ومن بعدها العالم اجمع لتضعها تحت حكمها، معتبرة ذلك بانه واجب وتكليف ديني وقومي وتحقيق لرغبة الهية في نفس الوقت، وذلك تحت مسميات مختلفة وبحسب تجربة كل قومية ، كاثبات فرضية العمل من اجل عودة الخلافة العظمى ذات الاصل القرشي كما هي عند سنة العرب او وجوب عودة الخلافة بصيغتها السلطانية كما هي لدى الاتراك السنة، اوكالزامية اتباع الامام المعصوم وفق نظرية الامامة العظمى واخيرا ولاية الفقيه كما هي عند الفرس من الشيعة.
واذا كان ظهور وانتشار الحركات والايديولوجيات الاسلامية السياسية المعاصرة هي امتداد لذلك الماضي تستمد فلسفتها السياسية من ذلك العمق التراثي فانها اليوم اصبحت مرجعا تعول عليها الدول القوم-دينية الحديثة في العالم الاسلامي قوتها وشرعيتها، وتحاول عبر توظيف منتسمي ومنتمي هذه التوجهات سواء من خلال العملية السياسية التي تجري باسم تعدد الاحزاب والديمقراطية او عبر دعم المليشيات الاسلامية المسلحة او عبر الاسناد الاعلامي والدبلوماسي واللوجستي ان تتغلغل داخل المجتمعات والدول الاخرى وان تؤثر على وعي شعوبها وقرارها السياسي الداخلي وان تخرج مهامها من نطاع خدمة اهداف دولها الوطنية، وتوجهها لخدمة لعبتها الدولية والاقليمية واهدافها واجنداتها التوسعية مستفيدة من طابعها الاممي، وهذا مانراه من تواصل تركيا مع الاخوان المسلمين، وايران مع الحركات الشيعية، والدول العربية والخليجية على وجه الخصوص مع الحركات السلفية .
الا ان بناء مثل هذه القواعد ذات الخصوصية القومية في الوعي السياسي والديني الكوردي ولعوامل عدة لم تاخذ وقتها لتتشكل وتنضج في ذهنية وفلسفة الفرد في المجتمع الكوردي المسلم بل انها لم تنشا كخصوصية كوردية اصلا، بل استسلمت تحت ضغط الواقع لمعادلة الوعي الكاذب بدلا منها.
اي بمعنى اخر ان الوعي الاسلامي الكوردي في فهم العلاقة بين الدين والسياسة بسبب التبعية لغياب دولة خاصة بهم، وتفرقهم واراضيهم بين الدول القومية الاخرى لم تاخذ لها تشكلا سياسيا اسلاميا خاصا بها تستمد شرعيتها من تجربتها التاريخية في قيادة المسلمين مرفقة باستدلالات وتبريرات نصوصية دينية كما فعلها غيرهم، بل انهم بدلا من ذلك ارتضوا بالتبعية وتبني فلسفات غيرهم والعمل ضمن اطار ايديولوجياتهم السياسية في حل مشاكلهم الدينية والسياسية .
وفي غياب فلسفة وايديولوجية اسلامية كوردية خاصة بهم دفعتهم في فترة ظهور الحركات الاسلامية او الاسلام السياسي لاستيراد افكار اسلامية ناشئة من تجارب بيئة وشعوب غير كوردية وبدافع التاثير والواجب الديني ولدت الرغبة لدى الكورد للانتماء والعمل ضمن تلك التشكيلات الايديولوجية التي هي نتاج وعي وتجارب القوميات والشعوب التي اشرنا اليها اعلاه، ومنها شكلوا وعيهم الاسلامي السياسي الحديث ، ومن ثم اتخذت من قبل الكورد كانها قواعد واصول اسلامية عامة ، وليست خاصة بتجربة هذه القومية او تلك او خادمة لاهدافهم السياسية ، وهذا الوعي والفهم فرض عليهم العمل ضمن هذه الايديولوجيات كواجب ديني، وبالنتيجة فانهم وان كانوا قد استفادوا منهم من الجوانب الخلقية والايمانية والتي هي قواعد مشتركة بين الطوائف وحتى بين الاديان الا انهم من ناحية الوعي السياسي اصبحوا اشبه باجيرين وعاملين وادات تخدم الاهداف السياسية لغيرهم سواء كان ذلك بوعي او بدون وعي،وسواء اكان بصورة مباشرة او غير مباشرة.
وبالنتيجة فان الفقه التراثي وكذلك الفلسفات التي قامت عليها التوجهات الاسلامية السياسية الكوردية هي نتاج تجارب الشعوب الاخرى وهي المسيطرة على الوعي الديني الكوردي ، وهذا ينتج تصادما بين الوعي الديني والسياسي في ذهنية الفرد الكوردي حين يطالب بحقوقه السياسية او حين يريد ان يشكل له هوية دينية خاصة به كما لبقية الشعوب الاسلامية، والمسالة تكون اصعب عندما يكون من يتبعونهم بدافع ديني هم انفسهم اعدائهم السياسيين الذين لايقبلون باي حل لمشاكلهم السياسية لا وفق النصوص الاسلامية الرصينة ولا وفق الدساتير والمباديء التي تقوم عليها المجتمعات والدول المتحضرة ، بل يريدونها حلا يوافق ماتمليه عليهم فهمهم العنصري للمسالة الكوردية.
وبالنتيجة يتحتم على المجتمع الكوردي ان يعي خطورة المسالة وان يعمل لتدارك الامر قبل فوات الاوان وذلك بالعمل على تشكل وعي اسلامي ذات خصوصية كوردية متوافقة مع قضاياهم، خاصة ونحن نعيش فترة التجييش الايديولوجي الديني في الصراع الاقليمي الذي تغذيه الصراعات الدولية على المنطقة الشرق اوسطية، والذي نستطيع ان نجمل هذا الصراع بانه " صراع اقتصادي عالمي، تدار على المستوى الدولي عبر القوة الناعمة، وعلى مستوى الشرق الاوسط تدار عبر تجييش الايديولوجيات الدينية والحروب الطائفية.
ودعوتي هذه ليست دعوة الى فكر ديني- قومي جديد كما فعله غيرهم، بقدر ماهي دعوة لتحرير الدين من سيطرة هذه القوميات، وبقدر ماهي دعوة الى العمل من اجل انقاذ الكورد من التبعات السياسية لايديولوجيات غيرهم الدين- قومية العنصرية، وليست هي بدعوة الى مذهب جديد او طائفية جديدة، بقدر ما هي دعوة الى التحرر منها والتوجه نحو فهم جديد للعلاقة بين الدين والسياسية تسنده النصوص الشرعية وكذلك الدساتير والقوانين التي تسير عليها المجتمعات المدنية المتحضرة القائمة على روح المواطنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام