الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 48

علي دريوسي

2022 / 1 / 23
الادب والفن


عادت رهان من دائرة المواطنين باكية مكتئبة وخائبة، لم تستطع الدخول لأن الاهتمام بشؤون الأجانب ليس وظيفة هذه الدائرة، أرسلوها إلى دائرة الأجانب. كانت قد جلبت معها إلى البيت الأوراق والاستمارات اللازمة. لم أقل شيئاً، كنت أعرف الروتين وشرحته لها سابقاً "لا يوجد إقامة دائمة بعد الزواج مباشرة"، "يحق للأجنبي المتزوج من ألماني التقدم بطلب منح الجنسية بعد مرور ثلاث سنوات على الزواج"، طبعاً بالإضافة إلى جملة من الشروط الواجب توفرها، وأفهمتها أنه ليس هناك ما يُسمى بالمساعدة الاجتماعية للشخص المتزوج من ألماني، لكنها لم تستوعب ولم تصدقني.

في اليوم التالي رافقتها إلى سلطة الأجانب، حصلت رهان على تأشيرة مدتها ستة أشهر فقط، أصيبت بخيبة أمل كبيرة، كانت تحلم بالحصول على تصريح إقامة دائمة.

بعد انقضاء عدة أيام على زواجنا الورقي أردت أن أقضي معها أسبوع عسل، سافرنا إلى مدينة رومانسية واقعة على نهر الراين، أمضينا الإجازة في فندق "فان دير فالك" بخياراته الترفيهية المتعددة، سارت الأماسي بشكل معقول رغم أن رهان كانت شاردة بأفكارها التي لم تشاركني بها، ذهبنا للتسوق في المدينة والتعرف عليها، قمنا بنزهات إلى الغابات المجاورة، التقطنا صوراً لنا، طلبنا وجبات طعام مميزة ولذيذة، غنينا وشربنا وتبادلنا الحنان والمداعبات السطحية.

ولأني اعتقدت أنها تخاف من الجماع رحت أنصحها بطلب المشورة من طبيب نسائية وأخبرتها أن ثمة مزلقات صحية تجعل الجماع أكثر متعة. حينها قالت بثقة أدهشتني: "لا يستطيع الرجل الشرقي أن يفهم ما يجول في دواخل المرأة مهما حاول، ورغم ذلك تراه يتحدّث عنها مدعياً فهمها كما لو كان هو نفسه إمرأة".

أثناء فحص منطقة المهبل من قبل طبيب النسائية، لم تسمح لي بالحضور، كنت أقف في الممر أمام غرفة الفحص، سمعتها كيف تصرخ وتتألم رافضة إجراءات الفحص.
كانت رهان تعاني في العادة، كما زعمت، من آلام ظهر حادة كعلامة على دورتها الشهرية غير المنتظمة، مع نزيف غزير لسبعة أيام متواصلة، حقيبتها اليدوية لا تخلو من حبوب إيبوفلام عيار 600.
طلبت مرة وجبة من لحم الخنزير، وبختني رهان، رغم اعتذاري استغلت ضعفي وأخذت تُحاضر بي لأصير مسلماً حقيقياً، يصلي ويصوم، وغير ذلك فهي لا تتخيل أبداً أن تنجب طفلاً لرجل يلتهم لحم الخنزير.

وفي أمسية أخرى اعترفت لي بأنها تخطط للعيش في برلين، وطلبت مني تمويل تكاليف إقامتها هناك ريثما تُنهي دراسة الماجستير. ولأنني إنسان حضاري فقد أعلنت استعدادي لتقديم نصف التكاليف الشهرية. في الساعة نفسها اتصلت بأبيها وأخبرته باتفاقنا الشفهي، وأعلن هو بدوره جاهزيته لدفع نصف المصاريف أيضاً. لكن والدتها قمر رفضت الموافقة على المشروع المخطّط له رفضاً كاملاً.

بعد عودتنا هاتفتنا قمر للاطمئنان عن أحوال زواجنا، وآن علمت بأن ابنتها ترفض الاتصال الجسدي صرخت بأعلى صوتها: "عليك باغتصابها حتى تصبح إمرأة، لا ترحمها يا أحمد". تجاهلت كلامها وسلّمت سماعة الهاتف لابنتها.

بدت رهان بعد تلك المهاتفة منهكة، مهاتفات الأصدقاء الذين حضروا عرسنا أثقلت عليها أكثر فأكثر حين كانوا يسألون بكامل اللطف ومن باب المداعبة فيما إذا التوصية على طفل قد حدثت!
صارت أكثر غرقاً في اضطرابها وأكثر استعداداً للجدل العدائي.

بعد عدة أيام قررت رهان أن يقوم طبيب أخصائي بإزالة غشاء بكارتها، لكنها لم تفعل ذلك.

زارنا شقيقها الأوسط في وقت متأخر من المساء دون موعد، أراد أن يبيت عندنا ليتمكن من الذهاب إلى مدينة بون في صباح اليوم الثاني للمشاركة في امتحان اللغة الألمانية. فتحت له الباب واستقبلته بحرارة، لم تأت رهان، بقيت في الغرفة، كانت تستمع عبر اليوتيوب لأغانيها الإسلامية المفضلة، قمت بطهي العشاء (فاصولياء يابسة مع بندورة طازجة)، حين جلسنا لنتناول العشاء في المطبخ، أتت رهان إلينا بهدوء الملائكة وكأنها ريشة تطير، كنت سعيداً بوصولها كي تستلم عني عبء الكلام والسهر مع أخيها الذي لا ينعس.

سكبت لنفسها كمية كبيرة من حساء الفاصولياء الساخنة في طبق عميق، فاجأني سلوكها وأفرحتني شهيتها، فهي لا تأكل في العادة إلا قليلاً جداً، حملت طبقها ومشت باتجاهي بخفة أميرة، فجأة كانت تقف ورائي، اعتقدت أنها تريد أن تشكرني على الطبخ لأخيها وتقبلني أمامه لتشعره بانسجامنا، ثم حدث ما لا أنتظره، شعرت بالسائل المغلي يكوي جلد رأسي وشعري وصدري، لم أقل شيئاً، لم أقل شيئاً أبداً، لا شيء سوى أني شكرتها! أصيب أخوها بالدهشة، لم يفهم ما حدث، لم يستوعب الحالة، سمعته يقول لها "هل جننت!؟"، سمعتها تجيبه "ما حدث كان ينبغي أن يحدث، الأمر جميل هكذا".

نظّفتُ أرضية المطبخ ثم استحممت وعدت إلى طاولة الطعام.
بعد أن ذهب الضيف لينام، دخلت غرفة النوم ونمت بجانب رهان لأستمع لإحدى رسائلها الشيقة.
تحلم رهان وتهذي أثناء نومها بصوت عال وكأنها تكتب رسائل شفهية ليلية لإمام مجهول، موضوعها الأساسي الرحيل إلى عوالم أخرى للبحث عن مرفأ آمن.

إذا سئلت يوماً: "ما هو الكتاب الذي تتمنى قراءته، ولم يُكتب بعد؟"
سأجيب: "أحلام وهذيانات رهان".
>>>>








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟


.. سكرين شوت | خلاف على استخدام الكمبيوتر في صناعة الموسيقى.. ت




.. سكرين شوت | نزاع الأغاني التراثية والـAI.. من المصنفات الفني


.. تعمير - هل يمكن تحويل المنزل العادي إلى منزل ذكي؟ .. المعمار




.. تعمير - المعماري محمد كامل: يجب انتشار ثقافة البيوت المستدام