الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بحث في بنية التركيب الاقتصادي-الاجتماعي للمجتمعات الكولونيالية

هيفاء أحمد الجندي

2022 / 1 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أشار المفكر الماركسي نيكولاس بولنتزاس، إلى أن مسألة تعدد وتداخل المواقع الطبقية في مجتمع معين، يجب أن ينظر إليها على أنها دالة ليس فقط على تعدد علاقات الإنتاج في إطار نمط إنتاج معين ، وإنما دالة على تعايش وتداخل أساليب وأنماط إنتاج مختلفة في إطار التشكيلة الاجتماعية القائمة ، مع هيمنة لنمط إنتاج محدد كحال التشكيلة العربية والتي تعود الهيمنة فيها للرأسمالية المالية - التجارية ذات الجوهر الكولونيالي. وهذا النموذج الفسيفسائي اللاتناحري- التجاوري هو الأساس النظري ، الذي استند على مقولة الإستبداد الشرقي (نمط الإنتاج الاسيوي) وفي هذا النمط تكون المشاعات الزراعية ، خاضعة لسلطة الدولة والتي تملك وسائل الإنتاج وتلعب دورا محددا في التقسيم الاجتماعي للعمل، والتي كانت تحوز على الفائض الذي ينتجه المنتجون المباشرون. ويمكن اعتبار هذه الدولة بمثابة طبقة بذاتها سيما وأن ماركس حدد أبرز السمات الجوهرية لهذا النمط ، كغياب الملكية الخاصة للأرض والاتحاد المباشر للزراعة بالحرفة ، وكانت الدولة الشرقية ومن منظور ماركس هي المنظم لعملية الإنتاج ، إذ شكلت العائلة والعشيرة وحدة عمل أساسية فيها ، وخضع هذا التنظيم المحلي لعلاقة قهر واستغلال من قبل الدولة المركزية والتي لعبت دورا أساسيا، في إدارة العملية الإنتاجية -التوزيعية وكانت هذه المجتمعات تتمتع بدرجة عالية من التطور لجهة مقومات البناء الفوقي ، والذي أطلق عليه المفكر سمير أمين " نمط الإنتاج الخراجي" إذ هناك طبقة مسيطرة تستغل جمهرة المنتجين الأوليين ، من خلال جهاز الدولة عن طريق الضرائب وأعمال السخرة، ويتمتع هذا النمط وفق "سميرأمين" بمركزية الاستحواذ على الفائض الاقتصادي، مقابل تفتت عملية الاستحواذ على الريع في نمط الانتاج الإقطاعي ، الأمر الذي يتطلب سلطة مركزية والريع يكون هنا يكون جبائيا وليس إقطاعيا.
كانت الدولة وفي جميع العصور وفق ما ذهب إليه العفيف الأخضر في هوامش ترجمته "للبيان الشيوعي" المالك الحقيقي لأهم وسائل الإنتاج، ومنذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب غدت الدولة مالكة للأراضي الخراجية ، وكان التزام هو النمط السائد في جباية الدولة لخراج أراضيها والتزام هو أن يفرض صاحب الخراج الأراضي بالمزاد ، والذي يرسو عليه المزاد يخرج إلى منطقة الأرض فيسلمها للفلاحين ، من أجل زراعتها إجارا أو محاصصة ولم يكن الملزم إقطاعيا بقدرما كان بيروقراطيا أوعسكريا يلتزم بجباية ضريبة الخراج لخزينة الدولة.
وعلى الرغم من تملك الدولة لوسائل الإنتاج ،هذا لا يعني غياب الملكية الخاصة والتي كانت مصادرها إحياء الأراضي الموات ، ناهيك عن شراء الأراضي من بيت المال من قبل التجاروشيوخ القبائل وقادة الجيش و كبار الموظفين ورجال الدين، الذين شكلوا وعلى مر العصور العمود الفقري للبورجوازية العقارية ، وكانت ضريبة الخراج ترغم الفلاحين على التخلي عن أملاكهم والفرار إلى المدن ، ولم تترك لهم الحد الأدنى للبقاء وكانت الضرائب لا تطيح فقط بفائض انتاج الفلاحين ، والذي كان في إمكانهم تخصيصه لتحسين أدوات الإنتاج، بل برؤوس أموال تجار المدن صغارا وكبارا ، ولم تكن المدينة مركزا اقطاعيا يأخذ من الريف ويعطيه بل كانت مركزا بيروقراطيا وسوقا لتبادل المنتجات الزراعية والحرفية ، ولم يعطي الصراع بين المدينة الناهبة والريف ما أعطته ثورات الفلاحين البورجوازية في أوربا ، وما يزال الريف مصدرا للجباية والريع العقاري وكان الفلاح يقدم خدماته العسكرية والمدنية لقاء إطعامه ، وأول ما قام به الخلفاء العباسيين إعادة توزيع الأرض على ذويهم ومحاسيبهم وبيروقراطييهم المدنية والعسكرية. وفي هذا العهد يكون اكتمل مفهوم الدولة الريعية ، إذ كان يرأس المراتب البيروقراطية إما بيروقراطي عسكري هو أمير الجيش أو مدني هو الوالي، وكادت تنحصر سلطة هذا الأخير في جباية الضرائب والمصادرة ، وكانت بيروقراطية الدولة بجميع مراتبها تتمتع بامتصاص دم شعب مكبل بجميع حبال الاستبداد المدني والدنيوي وما قامت به الدولة وعلى مر العصور هو تركيدها للقوى المنتجة ، والتي منعت البيروقراطية من أن تتحول الى بورجوازية منتجة للقيمة ، والتي كان بامكانها أن تطيح بالبيروقراطية الحاكمة وبنمط إنتاجها الراكد الدولتي الخراجي المكتمل بايديولوجيتها القوية وبناها الفوقية ،على عكس النمط الغربي الإقطاعي اللامكتمل والأقل تطورا والذي أسس لولادة الرأسمالية وانتصار الملكية الخاصة والتبادل على المقايضة ، والصناعة على الزراعة والثقافة على الخرافة والمدينة البورجوازية بنمط إنتاجها على الريف الإقطاعي. على عكس بلاد الأطراف والمستعمرات ذات الشكل المكتمل لنمط انتاجها ، الذي أعاق عملية التفارق الطبقي وهذا يفسر التداخل مع خطوط التقسيم الطائفي –العشائري في المجتمعات الكولونيالية ، لأنه لم يتم القضاء على الأشكال الما قبل رأسمالية ، اذ لعبت الإدارة الكولونيالية دورا هاما في تحويل شيوخ القبائل والملاكيين الزراعيين أو قسم منهم إلى نوع جديد من البورجوازية الكولونيالية ، وعملت على تحريرها من علاقات الإنتاج الاستبدادية وأخذت تتكون علاقات إنتاج جديدة ، كانت بمثابة القاعدة المادية الفعلية للاحتلال الكولونيالي ولبقائه في البنية الاجتماعية. كما جرى تحويل للترتيبات القبلية القائمة على الرتب والمناصب ، إلى ترتيبات طبقبة بالمعنى الحديث ، وكانت سلالة شيخ القبيلة تمثل نقطة بداية ظهور طبقة من المتنفذين الذين استحوذوا على الفائض الاقتصادي للفلاحين ، وكثيرا ما تحدد توزيع الدخل والثروة والسلطة في العديد من البلدان العربية على أساس عرقي أو طائفي ، الأمر الذي أدى إلى عدم التطابق ما بين الوضع الطبقي والرؤية الايديولوجية ،لأن التغلغل الاستعماري منع تكون البورجوازية الصناعية المستقلة وسد أفاق التطور في وجه الحرفيين والتجار الغير وسطاء ، أي المرتبطين بالانتاج المحلي و لم تتكون البورجوازية من علاقة تناقض تناحري مع الطبقة السابقة ، بل تكونت في عملية من التكيف الطبقي وتحولت عناصر من الطبقة المسيطرة السابقة إلى كولونيالية وجدت شروط تجدد سيطرتها، في تبعيتها للبورجوازية الامبريالية لأنها تحددت كبورجوازية تجارية استيراد وتصدير ارتبطت بالسوق الامبريالية .

واليوم تعيش التشكيلات العربية مرحلة المركنتيلية ، أي مرحلة الما قبل الصناعة ويعود السبب إلى التقسيم العالمي للعمل والى تفاوت التطور الأمر الذي جعل من البلدان الطرفية مصدرة للمواد الأولية ، لتستورد منتوجات صناعية وصلت فيها انتاجية العمل إلى مستوى عال واستندت إلى تطور هائل في العلم والتكنيك ، تعجز عن الوصول إليه الصناعات الخفيفة للبلدان الطرفية التي تحولت الى مزارع كولونيالية ، ولذلك حدد مهدي عامل البورجوازية العربية بأنها تجارية تمثل البورجوازية الاستعمارية الاحتكارية ، والتي حافظت على أشكال الانتاج التقليدية. وبات من الضروري طرح السؤال التالي هل الطائفية حاضرة في علاقات الإنتاج (المستوى الاقتصادي) كما هي حاضرة في البناء الفوقي السياسي القانوني الايديولوجي ؟
اذا كان لا بد من التكلم عن بنية طائفية ، ومن منظور مهدي عامل فالبنية هذه ليست كما هي في مفهومها الإيديولوجي البورجوازي ، من حيث أساسها المادي فيه علاقات الانتاج وإنما في بنية الحقل العام للصراع الطبقي ، والذي وجد أساسه المادي في تلك الألية من الإنتاج الكولونيالي الذي سمح بتجدد علاقات الانتاج السابقة ، ومكنت هذه العلاقات الزعماء التقليديين من رؤساء العائلات الكبرى أن تتكون في نواة إقطاعات سياسية ، أي حددت مكانتهم الاجتماعية الموروثة بشكل حافظوا فيه على نفوذهم السياسي وسلطتهم السياسية الايديولوجية على الجماهير، ووجدت البورجوازية الكولونيالية ضرورة سياسية وطبقية بأن توكل الاقطاعات السياسية مهمة القيام بدورها السياسي في الدولة في قيادة مصالحها الطبقية ، وتأمن الشروط كي لا تتحول الطبقات الى قوة سياسية مستقلة ، ووجودها في السلطة كان بمثابة الثمن أو الريع الذي تتقاضاه لقاء خدماتها السياسية الطبقية ، في ضبط الصراع الطبقي في صراع طائفي يؤمن للنظام ديمومة التجدد ، وحظيت هذه الإقطاعات بمواقع النفوذ في الدولة ووظفتها لخدمة مصالحها الاقتصادية الفئوية والعائلية ، في هذا الشكل من التحالف الطبقي القائم على تبادل الخدمات بحيث تم تقاسم الأدوار بين الطغمة المالية والاقطاعات السياسية ، وتم استغلال الطبقات الكادحة باسم التمثيل الطائفي، وأصبحت الدولة الإطار المؤسسي الذي يتجدد فيه السلم الطائفي من حيث هي علاقة سياسية من التمثيل الطائفي ، ولعبت عناصر البناء الفوقي ولا سيما مجال الايديولوجيا دورا هاما في مجال إعادة إنتاج العلاقات الانتاجية السابقة ، وهذا يؤكد ما ذهب إليه لينين عندما اعتبر بأن الفئة تمثل بنيانا فوقيا حقوقيا ، كانت تتستر به الطبقات وهذه المجتمعات تتميز بدرجة عالية لجهة مقومات البناء الفوقي ، ولطالما كانت تتدخل الدولة عبر مختلف الأجهزة العسكرية والادارية عن طريق القبائل والعائلات ، ونجم عن هذه التعقيدات والتداخلات إعادة إنتاج الاستزلام والتضامنات العائلية والمناطقية ، وأصبح الإنسان يحمل أكثر من هوية اجتماعية بسبب تعقد المواقع الطبقية الاجتماعية والتي مثلت خليطا من الأوضاع التقليدية والعشائرية والآليات الحديثة لسوق العمل واختلاط النظرة الطبقية بالرؤية الطائفية .
وعند عرضه لأهم أنماط الإنتاج السائدة في وطننا العربي ، حدد محمود عبد الفضيل في كتابه "التكوينات الاجتماعية السائدة في الوطن العربي" أربعة نماذج لهذه الأنماط وأهمها رأسمالية الدولة التي امتلكت جانب مهم من وسائل الإنتاج في المجتمع، وسيطرت على أساليب توليده وتداول الفائض الاقتصادي، وظلت العلاقة الرأسمالية هي السائدة في هذا النمط ولعبت دورا أساسيا في الحصول على فائض العمل، وكانت علاقات السوق هي القوى الفاعلة في القطاع الزراعي والحرفي من الإنتاج السلعي الصغير. والنموذج الثاني هو الدولة الليبرالية والتي اقتربت من نموذج الاقتصاد الرأسمالي ، وكانت البنية الخاضعة لهكذا نموذج هي بنية هشة ترتكز على قطاعي التجارة والخدمات والمضاربة العقارية والوساطة المالية ، وثالث هذه الأنماط نموذج الدولة الريعية ، التي اعتمدت على الريع النفطي والغلبة فيها كانت لعلاقات التوزيع داخل المجتمع وتعايشت في هذا النمط علاقات الطابع العشائري القبائلي جنبا إلى جنب مع علاقات الهيمنة الاقتصادية والمالية.
أما النموذج الأخير فهو نموذج الدولة العشائرية الريعية النفطية حيث تعايشت في إطار هذه الدولة تكوينات قبلية وعشائرية سابقة على الرأسمالية، ارتبطت بتكوين فئة التجار التي تشابكت مع رأس المال المالي العالمي وكان للبناء الفوقي للدولة طبيعة عشائرية على مستوى الإنتاج والتوزيع .
وعلى ضوء التحليل الذي قدمه "محمود عبد الفضيل" يمكن القول بأنه وبعد الفورة النيوليبرالية المتوحشة جرى تركز للرأسمالية في مجالي التجارة والخدمات، ويعود ذلك للظروف التاريخية لنشأة الرأسمالية في بلدان التخوم ، حيث أدت ظروف الاندماج في السوق الرأسمالية المالية في المرحلة الكولونيالية ، الى تفكيك التصنيع المحلي واتجه مسار النشاط الرأسمالي الى مجالات الاستيراد والتصدير، وهكذا تهيأت الظروف الموضوعية لنشأة جناح مهم من أجنحة الرأسمالية العربية ، والتي عرفت بجناح البورجوازية الكومبرادورية وهي ذات طبيعة تجارية طفيلية ربوية ، تشتغل في مجال الخدمات والسمسرات والتهريب والتي نشطت على هامش العملية الانتاجية ، مثل عمليات الوساطة والمقاولات والمضاربات العقارية والحصول على التوكيلات التجارية واحتكار توزيع السلع المستوردة ، ولعبت وحدات الجهاز المصرفي التي تم تأسيسها في ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي، دورا هاما في ضخ السيولة في مجالات النشاط الطفيلي ، مما ساعد على إعادة الانتاج الموسعة للأنشطة الطفيلية من خلال الجهاز المصرفي، حيث تحول رأس المال النقدي في صورة ودائع وشهادات إدخار إلى رأس مال مصرفي ائتماني في صورة قروض ، وتحول بدوره الى رأسمال طفيلي من خلال الدور الذي لعبه القطاع المصرفي لتنمية هذه الرأسمالية الطفيلية.
وبالتالي يصعب الحديث عن وجود بورجوازية صناعية منتجة للقيمة ، تضطلع بمهام التصنيع والنهوض لأنها تابعة للرأسمال المالي الاحتكاري، وبناء عليه يصبح الحديث عن طبقة عاملة خالصة وعناصر من البورجوازية الصغيرة ،على درجة عالية من التبسيط والتجريد النظري، إذ يوجد تداخل ما بين الطبقات والفئات الاجتماعية ، ولا تزال فئات واسعة من السكان ذات أوضاع انتقالية ، ولم يحدد انتماؤها الطبقي تحديدا نهائيا ، ويعود السبب الى تعايش أكثر من نمط انتاج داخل التشكيلة الاجتماعية الواحدة والى التفاوت البنيوي بين أنماط الإنتاج المختلفة التي تتعايش مع بعضها البعض، في إطار التشكيلة الاجتماعية القائمة وهكذا نشأت علاقات سيطرة وتبعية بنيوية.
ويمكن رصد أهم التطورات التي لحقت بأوضاع القوى الاجتماعية والتركيب الطبقي في البلدان العربية ، وبعد رسملة الزراعة التي أحدثت نزوحا ريفيا واسعا للفلاحين والريفيين الفقراء الى المدن وضواحيها الكبرى ، والتحقت بجيش البروليتاريا الرثة وهي فئات غير مرتبطة بالعملية الانتاجية ، ونتج عن ذلك اختلال في البنيان الطبقي في معظم البلدان العربية ، نتيجة الثقل الذي احتلته البروليتاريا الرثة والتي لا يمكن اعتبارها طبقة ثانوية مع شرائح من البورجوازية الصغيرة ، وحسب التعريف الماركسي فإن البورجوازية الصغيرة تضم من يعملون بإيديهم ويملكون في نفس الوقت وسائل الانتاج اللازمة ، وهذا التعريف يغطي الحرفيين والفلاحين الذين يزرعون بأيديهم ما يملكون من أرض ، ويتحدد وضع هذه الطبقة وبحسب ما ذهب إليه مهدي عامل بارتباطها وانتما ؤها الى أنماط إنتاج سابقة على الرأسمالية ، إذ يوجد شرائح تكونت بتكون الإنتاج الكولونيالي وتولدت بتولده ، وارتبط وضعها الطبقي بتطوره كصغار التجار وأصحاب المهن الحرة و صغار المزارعين ، وتألفت البورجوازية الصغيرة من شرائح غير متجانسة من حيث أوضاعها ومواقعها في عمليات الانتاج والتداول السلعي والحقوقي، فهي تضم كل الشرائح التي تملك رأسمالا صغيرا أو قطعة أرض أو تخصص فني ومستوى ثقافي ، يسمح لها بأن تعيش على ما تمتلكه من أدوات انتاج وهي ليست بحاجة إلى بيع قوة عملها أو شراء قوة عمل الغير. وهذه الشريحة تختلف عن الفئات الوسطى كالصيادلة والمحامين والذين يعملون في قطاع التكنولوجيا وفي مجال تحفيز الاستثمار والتكنوقراط والمهن البيروقراطية والمدنية والعسكرية وهذه الفئة الوسطى لا تملك أصولا ولا أسهم ولا سندات . ولا ضير من القول بأن بعض البلدان العربية شهدت وبعد انحسار الفورة النفطية أزمة تيبس وتصدع لما سمي بالرشوة الاقتصادية ما بين الطبقات الحاكمة والفئات الوسطى والمهنية الفنية ، مقابل الحصول على بعض المزايا الاقتصادية وبعد تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة تطبيق برنامج التكيف الهيكلي وما تبعه من ارتفاع خدمة الدين وإعادة جدولته ، من خلال اتباع توصيات صندوق النقد الدولي الذي أدى الى ضغط الانفاق الحكومي من رفع الدعم وإلغاء مجانية التعليم وخفض المنح والاعانات والنفقات ، وكل هذه الاجراءات أدت الى تصفية المكتسبات التي حصلت عليها الطبقات الشعبية ، والتي زاد من افقار الشريحة الوسطى والبورجوازية الصغيرة بيد أنها لم تتحول الى بروليتاريا صناعية كما حصل في الغرب ، لأن عملية التحول هذه هي عملية تاريخية ، لازمت التطور الموسع للإنتاج الرأسمالي في مرحلته الامبريالية ، وعملية التوسع هذه أدت إلى القضاء على ما تضمنته البنية من أنماط سابقة على الانتاج الرأسمالي، أما في المجتمعات الكولونيالية فإن عملية تحرر الفئات من أنماط الانتاج السابقة على الرأسمالية أي تحولها الى بروليتارية ، هي عملية ملجومة وحافظت أي عملية التوسع المحدود للإنتاج الكولونيالي على هذه الأنماط من الانتاج واحتوتها وهذا يفسر بأن عمليات سوق العمل لا تقوم على بيع وشراء قوة العمل كسلعة حرة بالمعنى الرأسمالي الحديث ، وانما يثقلها العديد من الموروثات التي تؤثرعلى طبيعة العمل الفردي والنظام الحقوقي، الذي ينظم طبيعة العلاقة بين رأس المال حيث يتعايش القديم والجديد في جوف واحد، على عكس الغرب الذي أنجز مهمته التاريخية حيث جرى استبدال الإقطاع بالبورجوازية ، الأمر الذي أدى الى حدوث تحويل اجتماعي ثوري أي الانتقال من نمط انتاج الى أخر أما المجتمعات الكولونيالية ، فهي كانت ولا زالت محكومة بما أسماه مهدي عامل "بالاستبدال الطبقي" وهو نتاج شلل العملية الديالكتيكية الاجتماعية الخاصة بالبنية اللاتفارقية التي حافظت على ثبات البنية ، وعدم تحولها الجذري المرتبطة بقانون عدم التطابق بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج كحال الثورات التي اجتاحت الغرب في القرن التاسع عشر ولا سيما الثورة الفرنسية ، التي ولدت من صراعها التناحري مع الاقطاع وتحدرت البورجوازية من المانيفكتورة ومن رأس المال التجاري، الذي تحول الى صناعي وقادت البورجوازية الوليدة الثورة مع أن القوى المحركة لها هم الفلاحون وفقراء المدن ولكن هذه الطبقة لم تكن منظمة وواعية بالشكل الكافي.
غني عن البيان القول بأنه ومع دخول الدولة العربية مرحلة التحلل والهرم وفي ظل غياب تنظيمات ثورية ديمقراطية قاعدية للطبقات الشعبية سيكون البديل إما مطروحا من فوق كأن تستغل إحدى العصبيات التي كانت منضوية في جهاز الدولة والتي تملك الجرأة والقوة على الانقلاب لأنها راكمت خبرات وأموالا أو يمكن أن توقظ حالة الانهيارهذه العصبيات القديمة في ظل غياب العامل الذاتي وعدم نضج الشرط الموضوعي، سيما وأن الثورة في الأطراف هي ثورة مركبة معقدة تجمع ما بين ثورتي التحرر الوطني والثورة الاجتماعية ، المرتبطة بالصراع الاساسي أي بين الطبقتين النقيضتين الطبقات الشعبية والتحالف الرأسمالي التجاري المالي التبعي والذي دخل طور ازمته وتحلله التاريخي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام




.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف


.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام




.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا