الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملوك الطوائف في أرض الرافدين

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 9 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما أشبة اليوم بالبارحة !
لقد بدأ عصر ملوك الطوائف ، وفق ما أورده المؤرخون ، بالدولة الأموية بالأندلس ليتجه كل واحد منهم إلى بناء دويلة صغيرة على أملاكه ومقاطعاته، ويؤسس أسرة حاكمة من أهله وذويه. ولكن ّ مظاهره كانت سائدة في الشرق في أكثر الفترات ، متمثلة برؤساء القبائل والعشائر الذين يمتلكون من القوة والنفوذ بحيث يفرضون شروطهم على الحكومة التي تمارس عليهم سلطات شكلية. تتجسد ظاهرة ملوك الطوائف في كُردستان بالأحزاب القومية ، و في بقية العراق بالأحزاب والقوى المذهبية ، أو خبطة من المذهبية والعصبية القومية.
ولعل من أهم مظاهر عصر ملوك الطوائف أنه عصر الاضطراب والفوضى والفتن، وكانت فرصة سانحة لكى يقوى شأن القوى والدول الخارجية، ويزداد نفوذها في ممالك الطوائف، وخاصة عندما يستعين بها ملوك الطوائف فى صراعاتهم مع بعضهم البعض ، أو لتقوية نفوذهم وسلطاتهم. ومن سمات ممالك الطوائف التي تميز بها ملوك طوائف الندلس وبلدان الشرق في الماضي ، ولا تزال تميز ملوك الطوائف المتمصلين برؤساء العشائر اليوم:

1- حالة الترف الشديد والتنعم المفسد ، وما يستتبع ذلك من انهيار مقومات الدولة العصرية ، وانعدام الأمن والأمان في البلاد .
2- اقتتال هذه الدويلات فيما بينها، وقيام المعارك الطاحنة بين الكيانات المختلفة السياسية والعشائرية والمذهبية ، من أجل أطماع شخصية ومكاسب مادية على حساب الأكثرية المحرومة من العمال والفلاحين والكادحين .
3- شيوع المنكرات والفساد من انتشار المخدرات وغيرها.
4- التوسع في مسألة الاستعانة بالقوى الخارجية ، بسبب كثرة الاقتتال الداخلي ، وكل فريق من المتنافسين يستعين بدولة خارجية ، بعد أن يتنازل لها عما تشترط عليه من مقدرات الشعب وأملاكهم ، وكلّ ذلك من أجل أن يهزم مواطنيه ، أو الفرق الأخرى المتزاحمة معه.
حقا ، ماأشبه اليوم بالبارحة!
فمنذ سقوط النظام البعثي برزت قوى وعشائر وأطراف عديدة ذات نفوذ تتميز بتلك السمات أعلاه. و حين يتقدم رؤساء العشائر العراقية ، بحلولهم لمأساة العراقيين ، بعد أن استدعتهم حكومة المالكي لما يسمى بمشروع المصالحة ، بعد تفاقم الوضع ووخامته بسبب الاحتلال الإمبريالي ، و تزايد سلطات المليشيات الشيعية والسنية والبعثية والعشائرية ، و تراجع الأمان الإجتماعي و الإقتصادي و ضعف المستوى الفكري و الثقافي ، فأصبحت العشيرة هي المؤسسة التي تتطلع إليها حكومة المالكي لتوفر الامان الاجتماعي والسياسي والشخصي وحتى جزء من الأمان الاقتصادي للمواطنين. وكل عشيرة أمست مملكة ، رئيس العشيرة هو الملك ، و مجلسه عبارة عن وزرائه ومستشاريه ، و أن أكثر العشائر لها أعلامها الخاصة وراياتها وشعاراتها ، واقتصادها ومصادر تمويلها.
لقد لجأت الحكومة العراقية إلى العشائر لتساهم في حل مشكلة الفساد والإرهاب وانعدام الأمن والخدمات ، في وقت يدرك أي مواطن بسيط أن العشائر لا تقوم لها قائمة بدون تفشي الفساد ، وانعدام الأمن ، وانهيار بنى المجتمع الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

فالعشائرية حالة من التجميع العصبوي والدموي، حالة تقوم على تراتبية طبقية في الأساس ، وإن كانت مخفية ومموهة، وبالتالي تقوم على مصالح أنانية ليست بمصالح الجماهير المحرومة ، بل متناقضة معها . وهي حالة سلبية ورجعية ومغرقة في ما هو قبل القروسطية أيضا، أي أنها خارج روح العصر وبالتالي فهي معيقة لتطوير مجتمع معافى. وهذا ما يجعل التسليم بوجودها أمراً محرجاً حضاريا ومدعاة للقلق وليس مدعاة للتحالف معها، أو اشراكها في العملية السياسية في بلد جريح.
وعليه، فإن استدعاء الحكومة للعشائر لحل مسألة المأساة العراقية ، يكشف لنا عن ضعف قوى اليسار والإشتراكية ، وهشاشة الحركة الوطنية العراقية و تفسخها ، وعن اختلال الانتماء ، او عن براجماتية من المستوى الادنى. وهذا يكشف ايضا عن مسألة هامة، وهي لا تنحصر في ان الأطراف التي تحكم رسميا بعد سقوط النظام البعثي ، عاجزة عن التحول الى قوى سياسية مؤهلة لحكم العراق ، بل ايضا ان القوى السياسية والنخب الثقافية تقوم عن قصد بانعاش العشائرية بإخراجها من كمونها للاستفادة منها لتلبية مصلحة ضيقة ومحصورة في مرحلة معينة، وهذا ليس سلوكا حضاريا و عصريا . بسلوك كهذا يتم في الحقيقة او في النهاية توظيف السياسي لخدمة العشائري، وليس العكس لأن ارتكاز السياسي على العشائري هو ردة الى الوراء في مجتمع تعبان و جريح ، يستلطف ويستعذب الارتداد مما يجعل إعادة إنهاضه عالي الكلفة.
والعشيرة هي مغتصب المرأة وعدوها الذي يعلن عن نفسه جهارا نهارا بفجاجة وصلف، مهما ادّعت بأن المرأة مقدّسة ، و أنّ الجنّة تحت أقدام الأمّهات ، كما أنها ضد العامل والفلاح والكادح ، لأنها ضد المعمل والبناء والحداثة و الثقافة والمدنية ، كما بينت عاليه، وإذا كانت هي ضد كل هؤلاء، فمن هو حليفها ومعسكرها؟ إنه النخبة السياسية الحاكمة والنخبة الثقافية المنافقة المحيطة بها، و المهربون وقطاع الطرق .

وقد أمست اليوم العشائرية المتطفلة على خرائب البلد وأشلاء الناس المظلومين و الظلمات التي تخيم ّ على الحياة في العراق، أمست الوجهّ الآخر للبرجوازية الوطنية التي أمست قوة رجعية متخلفة وفاسدة و أكثر شوفينية ، عاجزة عن تحقيق أي خطوة تقدمية وإنسانية شريفة في سبيل مجتمع مدني وعصري ودولة القانون ، فليس اليوم أمام اليسار الإشتراكي التقدمي والماركسيين باعتبارهم القوة التقدمية الوحيدة في عصر العولمة ، سوى تنظيم قوتهم في جبهة تقدمية إشتراكية غير قومية في سبيل مواجهة هذه الأوضاع الوخيمة والمأساوية ، والعمل على تنظيف العراق من القوى الرجعية والعميلة و سلطاتهم المافيوية.

السبت‏، 02‏ أيلول‏، 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلافات بين نتنياهو والأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول اقتراحات


.. صواريخ ومسيرات حزب الله -تشعل- شمال إسرائيل • فرانس 24




.. الانتخابات البريطانية.. بدء العد التنازلي للنتائج وترقب لمست


.. إيران تبدأ فترة الصمت الانتخابي قبل الجولة الثانية من انتخاب




.. الجيش الروسي ينشر صورا لاستهداف مقاتلة أوكرانية باستخدام نظا