الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيطنة روسيا..وما هو أبعد من ذريعة أوكرانيا

سليم يونس الزريعي

2022 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


فيما يتصاعد الضغط السياسي والعسكري على روسيا من قبل أمريكا والدول الأوروبية وأداتهما العسكرية حلف الناتو، عبر خلق حالة فزع عالمية من اندلاع حرب ستعيد صياغة العالم من جديد، الذي ربما تتحول بعض دوله إلى ركام إذا ما تجاوزت هذه التهديدات النطاق النظري إلى فعل، ليس باحتواء روسيا ولكن تدميرها وإعادة صياغتها وفق رؤى أمريكا وأوروبا، كون روسيا الجديدة تشكل سدا ذو أبعاد جيو استراتيجية أمام امتداد النفوذ الأمريكي تحديدا في الفضاء الأوراسي.
لكن السؤال لماذا هذه العدائية من روسيا؛ يبدو أن الموقف الأمريكي ودول حلف الناتو من شيطنة روسيا، ومن ثم عدوانيتها المتأصلة كتهديد أمني وثقافي للغرب الحضاري الإنساني، ليس معزولا عن النظرة الاستعلائية التي تتكئ على الموروث الثقافي والفكري والسياسي لتلك الدول التي ترى أن شعوب روسيا، هي شعوب شرقية همجية متخلفة وغير ديمقراطية، وهذه النظرة لا يمكن حصرها زمنيا وتاريخيا بحقبة الاتحاد السوفيتي، ارتباطا بموقفه من نمط الإنتاج الرأسمالي وتجلياته السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، السائد في تلك الدول، وإنما إلى ما قبل حقبة الاتحاد السوفيتي بكثير.
من ذلك أن الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز قال عن روسيا، إن "الظلم المتأصل في البلاد، يعود بجذوره إلى الثورة الحمراء، لربما كان حصيلة توحّش الطبيعة الروسية، كما ينسب القسوة والغباء إلى الطغيان الحاصل في كل من روسيا القديمة (القيصرية) وروسيا الحديثة (السوفيتية)، هذا التوصيف للشعب الروسي بالتوحش بكل دلالاته ومخرجاته يفضح نظرة الغرب الاستعلائية إلى روسيا وموقفه المسبق منها.
ويعيد إنتاج هذا الموقف النازي هتلر في كتابه "كفاحي الذي قال فيه "إن الروس "عرق أقلّ شأنًا"، فيما خاطب في 13 يوليو عام 1941، قائد الجيش النازي هاينريش هيملر مجموعة من رجال جيشه قائلا: "هذه معركة أيديولوجية وصراع بين الأعراق لديهم أسماءٌ صعبة اللفظ، ببنية جسدية تجعلك تطلق النار على أي منهم دون شفقة أو رحمة. هؤلاء الوحوش الذين يعذبون كل سجين ورجلٍ جريح من طرفنا يمر أمامهم ..أيها الرجال، عندما تقاتلون هناك في الشرق، فأنتم تقدمون على الصراع ضد أشباه البشر، وأعراق دونية ظهرت ذات يومٍ تحت مسمى «الهون»، هم يظهرون اليوم باسم الروس".
هذه الخلفية الثقافية الفكرية التي تصف الشعب الروسي بأنهم "أقل شأنا" وأنهم وحوش، وأشباه يشر، وأعراق دونية، إضافة إلى عمليات الضخ الدعائي ضد روسيا، أنتجت وعيا ومعرفة مشوهة لدى الأمريكيين والأوروبيين من جدية وجود خطر وتهديد أمني روسي أنتج حالة من الفزع الوهمي لدى الأوروبيين والأمريكيين، يهيئ في حالة عدم رضوخ روسيا إلى تبعية الغرب بخلق ذرائع تبرر استهدافها عسكريا.
وقد مهد لهذا الوضع الذي يضع العالم على حافة الهاوية على مدى سنوات، سعى الناتو منذ انهيار الاتحاد السوفييتي الى إحكام الحصار على روسيا وإجهاض أي محاولة لإعادة بناء تحالف لها داخل أوروبا، أو على حدودها ، وذلك من خلال التوسع جغرافيا نحو دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق.
بل إنه أسس لمقاربة جديدة انتقل فيها الناتو من مرحلة الدفاع عن أراضي دول الحلف إلى الدفاع عن المصالح المشتركة خارج أراضيها، أي إلى الهجوم والعمل ضد أي أخطار يتخيل أنها تهدد هذه المصالح في أي مكان.
وهذه الاستراتيجيه العسكرية الجديدة حسب أمين عام حلف الناتو ينيس ستولتنبرغ هي لمواجهة الخطر النووي الروسي الذي بات يخيم على الدول الغربية. مثلما صرح بذلك لصحيفة ” ويلت أم زوتناغ” الألمانية بتاريخ 25 مايور2019م في مقال بعنوان ” الخطر النووي الروسي، يفرض استراتيجية جديدة على الناتو”ورسم الحلف سياسة أمنية أكثر صلابة تجاه أعداء المعسكر الغربي الذين يرى فيهم الناتو تهديداً وجودياً له"، وهو يقصد بذلك روسيا والصين.
هنا تحضر قضية أوكرانيا لتتصاعد حمي المزاعم بأن روسيا ستغزوها، ارتباطا بتحريك بعض قطاعاتها العسكرية داخل حدودها، في الوقت الذي يتمدد حلف الناتو شرقا ليصبح على حدود روسيا بعتاده وعديده. وكأن على روسيا أن تقبل باحتوائها وتبعيتها للغرب، وهي الدولة النووية الكبرى بثقلها العالمي العسكري والسياسي والاقتصادي، وهو ما لن تقبل القيادة الروسية، وهي على استعداد للدفاع عن أمنها ومصالحها.
ومع ذلك تتصاعد التحذيرات الغربية لموسكو من مغبة قيام روسيا بأي عمل عسكري لا تحمد عقباه في أوكرانيا فيما ترد روسيا مطالِبة بمحادثات فورية وضمانات تسمح بمنع التوسّع المستقبلي لحلف شمال الأطلسي “الناتو” نحو الشرق أو نشر منظومات أسلحة تهدّد روسيا انطلاقا من الأراضي الأوكرانية وفي دول أخرى مجاورة. كما طالب في لقاء عبر الفيديو، نظيره الأميركي جو بايدن بالتزامات قانونية بهذا الشأن.
وترى موسكو أن الغرب انتهك وعودًا إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت تقضي بعدم توسيع حدود “الناتو” لتشمل دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفياتية السابقة. وهي لذلك تصرّ على أنها لن تقبل بانضمام كييف إلى الحلف الغربي وتعتبر ذلك خطاً أحمر، بيد أن الدول الغربية ترفض استبعاد توسع “الناتو” شرقًا.
ومن ثم فإن الإصرار على اتهام روسيا. يشن عدوان على أوكرانيا وتحديد موعدة، ربما يعيد إنتاج كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي اخترعتها أمريكيا بريطانيا، لكن المستهدف هذه المرة هي روسيا النووية وذات القدرات العسكرية بالغة التطور، وهنا يجب أن تكون في حسابات من سيشعل الفتيل أنه لن يكون هناك منتصرا فيها، لأن أي حرب نوويه بين دول حلف الناتو وروسيا سيسفر عنها أن تصبح بعض الدول الأوروبية أثرا بعد عين كونها في نطاق السلاح الروسي.
وربما أبلغ توصيف لذلك هو في تكثيف الرئيس الروسي لنتائج أي عدوان أطلسي على بلده بقوله في مقطع فيديو: "إذا هاجمونا فسنموت شهداء لأننا لم نعتد على أحد، أما هم فسيموتون قبل أن تتاح لهم فرصة التوبة – لأن الرد سيكون خلال ثواني".
فهل تنتصر الحكمة والعقل لدى من لا يرون في العالم سوى أنفسهم ومصالحهم وفق ثنائية إما معنا أو ضدنا؟ أم يغيب العقل وتحضر الحسابات الخاطئة وتحل الكارثة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية