الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصّهيونيّة والنّقب

ارام كيوان

2022 / 1 / 25
القضية الفلسطينية



تعتبر التّطلّعات الصّهيونيّة نحو النّقب، -صحراء السّبع- قديمة جدًّا، وذات أهميّة استراتيجيّة كبيرة جدًّا بالنّسبة للمشروع الصّهيونيّ، والّتي سنحاول التّفصيل فيها في هذا المقال.

لعلّ بنات وأبناء جيلي مواليد أواخر التَسعينات انتبهوا للأهميّة الاستراتيجيّة للنّقب مبكِّرا، عام 2013، في الهبّة الشّعبيّة ضد مخطّط برافر الّذي سعى لتهجير أهالي النّقب وحشرهم في جيتوهات وكنتونات صغيرة مقابل تَهويد النّقب والفوز في معركة الدّيموغرافيا.

تبلغ مساحة النّقب ما يزيد عن 14 ألف كم أي نصف مساحة فلسطين، وقد بدأ الاهتمام الصّهيونيّ بالنّقب ما قبل العام 48.
فأولى العمليّات الاستيطانيّة في النّقب تعود لسنوات 1912-1917 حيث اشترى الصّهاينة أرضا تبلغ مساحتها 6000 دونمًا، وعارضوا مشاريع التّقسيم الّتي لا تعطي دولتهم المستقبليّة صحراء النّقب.

للنّقب أهمّيّة جيوسياسيّة كبيرة، فيها مستودعات أسلحة ومطارات حربيّة والمفاعل النوويّ، وبسبب حجمها الكبير تشكّل حاجزًا كبيرّا بين العُمق الاسرائيليّ والجارة المصريّة، ولخّص بن غوريون أهميتها بقولة مشهورة: "ان لم نصمد في الصّحراء فستسقط تل أبيب".

عام 1951 كتب بن غوريون صاحب مخطّط "ازدهار البرّيّة" مقالة بعنوان "أهمّيّة النّقب - משמעות הנגב" فيه يلخّص نظرته للنّقب وأهمّيّتها، وهي بالعموم نظرة القيادة الصهيونيّة في حينه، ويمكن تقسيم هذه النّظرة الى ثلاثة مستويات:
- الأهمّيّة الرّوحيّة والتّاريخيّة.
- الأهمّيّة الجيوسياسيّة.
- التّحدّيات المُستقبليّة.

يستشهد بن غوريون باقتبسات من التّوراة على أهمّيّة النّقب، تارة من ابراهيم وأخرى من يرمياهو وملوك اسرائيل حسب السّرديّة التّوراتيّة المزعومة، ويبحث عن تشبيه منها يُشبِه وقته ليحثّ على الاستيطان في النّقب.
من ثم يعرج على أهمّيّة النّقب وأوّل ما يبدأ به هو السّيطرة على البحر المالح من خلال النّقب، حيث يعتبر البحر المالح الوحيد من نوعه في العالم.

وعن الأهمّيّة الجغرافيّة للنّقب، وهي كما ذكرنا حماية العُمق الاسرائيليّ يقول بن غوريون:
"على الحدود الجنوبيّة الغربيّة لمثلث النّقب تقع صحراء سيناء ، وعلى الحدود الشرقيّة - الصّحراء العربيّة. حَوَّل العرب العديد من الأراضي المُزدهرة الى صحاري، ولم تؤثرّ البرّيّة على وجودهم. دولة اسرائيل لا تتحمّل واقعًا صحراويًّا داخلها. اذا لم تقم الدّولة بتصفية الصّحراء - من الممكن أن تُصفّي الصّحراء الدّولة. الشّريط الضيّق بين يافا وحيفا، البالغ طوله 15-25 كيلو متر والّذي يضمُّ غالبيّة شعب اسرائيل، لن يصمد لكثير من الوقت بدون استيطان ضخم ومُحَصَّن في الجنوب والنّقب".

وختم بن غوريون مقاله بفقرات يشدّد فيها أنّ النّقب تَحَدٍّ لدولة اسرائيل وتطوّر البحث العلميّ، وللارادة اليهوديّة والحياة الرّوحيّة وشدّد على مصيريّة النّقب. (من المهم الاشارة أن فقرات بن غوريون هذه جاءت بعد أن هَجَّر هو بنفسه 80% من أهالي النّقب).

بعد بن غوريون وُضعت العديد من المخطّطات للنّقب من حقبة ليفي أشكول وخطّة ال11 نقطة، ومخطّط برافر الّذي ذكرناه في بداية المقال، وخطّة "تجميع" أهل النّقب الّتي وضعتها حكومة بينيت-لبيد-عباس.

ما هو التّغيير الّذي طرأ لتشتدَّ حرب الدّولة على النّقب بهذه الوتيرة؟
أوّلًا: الزّيادة السّكّانيّة في النّقب، في عام 1948 بقي في النّقب 10.000 فلسطينيّ، وفي السنوات الأخيرة بلغ عددهم أكثر من 300 ألف.

ثانيًا: مصادر المِياه، مخزون المياه العذبة، حيث تشترك منطقة بئر السبع والخليل في حوض مياه تبلغ مساحته 300 كيلو متر مربع.

ثالثًا: الشّعور العام داخل جهاز الدّولة بفقدان السّيطرة في النّقب، كل من تابع المناكفات السّياسيّة في العامين الأخيريّن يدرك أنّ النّقب كان موضوع مزاودة بين السّاسة الصّهاينة وتحديدًا من معسكر اليمين. في احدى السجالات بين أييلت شاكيد وأمير أوحانا (وزير الأمن الداخليّ اللّيكودي حينها) قام أمير أوحانا بالسّخريّة من أييليت شاكيد ووصف برامجها ووعوداتها بالشّعاراتيّة، فردّت شاكيد بالقول: "لديه الكثير من العمل في الجنوب المشتعل، الأفضل أن يهتمَّ به". وهكذا فانّ كثيرًا من المزاودات بين أقطاب معسكر اليمين تركَّزت حول ما يسمُّونه "فقدان السّيادة في النّقب".

خذوا مثلًا هذا العنوان في موقع "ואללה": "أنارخيا في النّقب، الشّرطة طلبت العون من القبائل"، هذا واحد من عناوين وأحداث وتصريحات كثيرة ومتعدّدة اعتاد عليها كل متابع لما يحدث في السّاحة السّياسيّة في اسرائيل في السّنوات الأخيرة.

في السّاحة السّياسيّة حدث تحوّل، أمير أوحانا الّذي سَخِر من شاكيد وجد نفسه في صفوف المعارضة وشاكيد وزيرة للدّاخليّة، شاكيد نفسها كانت وراء خطّة بناء 12 مستوطنة جديدة في النّقب وأكثر المعنيّين بتغيير الوضع القائم في النّقب (للأسوأ) ولم تكن لتمضي هذه الأحداث بدون أن تَصِف أهلنا في النّقب ب"القيح المليء بالأوساخ" وتؤكّد "أنَّ هذا مسار طويل ولكنّ الدّولة ستسيطر على الوضع في النهاية".

يخوض أهلنا في النّقب معركة وجوديّة يوميّة لا تتوقّف، 39 قرية غير معترف بها، ظروف معيشيّة غير ادميّة لا ماء ولا كهرباء وتضييق لا يتوقّف من خلال الحرمان من مصادر الماء، خطط متعاقبة لا تتوقّف هدفها اقتلاع السّكّان الأصليّين في النّقب.

تؤدّي أجهزة الدّولة من "سلطة أراضي إسرائيل" و "كاكال" دور الجلّاد في النّقب، فعمليّات "التحّريش" الأخيرة كانت بقرار من "ككال" وهي محاولة لتحقيق حلم بن غوريون - "علينا غرس مئات الآلاف من الأشجار على مساحة 5 ملايين دونم" - لترسيخ رابط وجدانيّ بين اليهوديّ وأرض النّقب.

ردُّ أهل النّقب كان هبّة شعبيّة قوبلت بالقمع الشّديد من الشّرطة، بعد أن اشترك الالاف بالمظاهرة التي دعت اليها "لجنة التّوجيه العُليا لعرب النّقب"، قُوبلت المظاهرة بقمع همجيّ أُستُخدِمَ فيه الغاز المُسيل للدّموع ورشُّ المُتظاهرين بالمياه العادمة والرّصاص المطّاطيّ وقنابل الصّوت.

توقّف التّحريش في النقب ليتجدّد على حد قول وزير الخارجيّة يائير لبيد، وعاد موضوع النّقب ليتحوّل الى موضوع مزاودة بين السّاسة الصّهاينة. نتنياهو وبن غفير يَصِفُون حكومة بينيت ب"الضّعيفة والخانعة" والأخيرة تردُّ بالقول: "أنتم فعلتم نفس الشيء".

لا يمكن أن نختم مقالًا يتحدث عن النّقب بدون الثّناء على المناضل سلامة الأطرش (وكل الأبطال بالطّبع)، سلامة الأطرش رئيس مجلس القيصوم، مناضل عنيد ومبادر كرَّس نفسه لخدمة قضيّة النّقب.

قضيّة النّقب هي صراع وجود لن يتوقّف، النّقب هي "مشروع الأمّة"(بن غوريون) بالنّسبة للصّهاينة وهي جزء لا يتجزّأ لا نتنازل عنه من فلسطين، فقبل الصّهيونيّة بسنوات كانت حدود فلسطين توصف ب"من دان الى بئر السبع"، وكما صمد النّقب كلّ هذه الفترة فانه سينتصر في النّهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف