الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماعة البصرة أواخر القرن العشرين البيان الأول - عربيًا- في القصة القصيرة جدًا

محمد عبد حسن

2022 / 1 / 26
الادب والفن


(*):
تعد جماعة (البصرة أواخر القرن العشرين) من أطول الجماعات الأدبية في العراق وأغزرها إنتاجًا.. هذا إنْ لم تكن الأولى في كليهما. تأسستْ هذه الجماعة في مدينة في مدينة البصرة/ جنوب العراق في أيار 1991 بعد حرب الخليج الثانية، وأصدرتْ خلال مسيرتها التي استمرتْ عقدًا من الزمن (11) إصدارًا قصصيًا بطريقة الاستنساخ (الفوتوكوبي).. حيث يحسب لها ريادة هذا النوع من النشر في العراق. وقد ختمت الجماعة مشروعها بإصدار (قصص 11) عام 2000.
وقد تم طبعتْ جميع إصدارات الجماعة في كتاب قصصي واحد حمل عنوان (البصرة أواخر القرن العشرين.. ريادة أدب الاستنساخ) صدرتْ طبعته الأولى عام 2018 عن دار شهريار وبدعم كامل من القاص والروائي (علي عباس خفيف).. أحد أعضاء الجماعة.
ومع أنّ هذه الجماعة قد "سحبت السرد في تلك السنوات إلى أقصى الجنوب واعتكفتْ عليه عند ضفاف شط العرب"(1) كما يرى الأستاذ محمد خضير.. مع ذلك لم تحظَ هذه الجماعة، بحدود علمنا، بأي دراسة جادة لمشروعها كاملا، حيث أن ما صدر من دراسات وقراءات متزامنا مع صدور بعض أعدادها.. أو تلك التي كتبت بعد توقف المشروع كانت إما مكتفية بالنصوص المنشورة في العدد المعني.. أو تحدثت ضمن السياق التاريخي للمشروع مبتعدة عن الجوانب الفنية فيه باستثناء إشارات تصلح لأنْ تكون مدخلًا لدراسة هذا المشروع مستقبلًا. أمّ عن أسباب هذا التجاهل.. فمعنية بالإجابة عنه الحركة النقدية في العراق وبالأخص نلك المعنية بالقصة العراقية.
(*):
خصصتْ (جماعة البصرة) إصدارين من إصداراتها للقصة القصيرة جدًا.. هما العددين (5-7)، إضافة إلى إفراد جزء من العدد الثالث تحت عنوان ( كتاب الأرضة: نصوص التراكم). وهنا نجد من الضروري الإشارة إلى أن الجماعة لم تجنّس هذه النصوص الأخيرة (ضمن العدد 3) كقصص قصيرة جدا مكتفية باعتبارها "تجارب حداثوية"(2).. تحاول تحسس موطئ أقدامها للقص القصير جدًا؛ ولذلك فهي "نصوص تأكلها الأرضة/ نصوص يأكلها الورق/ نصوص تأكل الأرضة وتأكل الورق/ نصوص يبصقها الزمن/ نصوص يمتصها الفراغ/ نصوص خنثوية/ نصوص الفحولة/ نصوص لأجل المشاركة/ نصوص لأجل التجربة/ لكنّها نصوص/ نصوص/ نصوص...."(3)
(*):
يعتبر العدد (5) أول عدد تصدره الجماعة مجنّسًا كعدد خاص بالقصة القصيرة جدًا. وقد نشرته، في حينه، جريدة (العراق) بتاريخ 26/ آذار/ 1994.. مشتملًا على عدد من القصص القصيرة جدًا مع بيان قصصي حمل عنوان: "مختبر جماعة البصرة أواخر القرن العشرين/ أنساق القصة القصيرة جدًا- إضاءات الرحلة- وهواجس التجربة".
يقول الناقد الدكتور جميل حمداوي، في تقديمه للطبعة الثانية من كتاب (القصة القصيرة جدًا في العراق) للأستاذ هيثم بعنام بردى، ما نصّه: "ويتبيّن لنا بأنّ هذا البيان –في رأيي- أول بيان عربي للقصة القصيرة جدًا، ويعني هذا أنّ فترة التسعينيات أنضج فترة إبداعية في العراق."(4)
(*):
نص البيان :
"مختبر جماعة البصرة أواخر القرن العشرين
أنساق القصة القصيرة جدًا – إضاءات الرحلة – وهواجس التجربة
لكأننا ندخل رحم الأقصوصة بهلام اللا شكل ونخرج مدججين بسلاح الشكل.. كل الذي نرتجيه من عذاب الرحلة وأفقها المظلم سرعة الطواف على جليد الكلمات بأقصر الطرق وصولًا لإلوهية الإنسان المعمّد بتراب الأرض العراقية (العراق أولًا- والجنوب ثانيًا/ جدلية الكتابة بالماء الثقيل لدينا الظاهرة أولًا -فعلها الحي- ولا شيء غير الظاهرة أمّا الموهبة الفردية النزقة فهي كينونة متلاشية ولا صلة لها بدرب الرحلة الحضارية العميقة، عنقاء الكتابة عندنا هي مغادرة الأرض إلى الأرض البيضاء/ وكلّ رثّ في الواقع هو نقيض لفكرة الحرية).
(إذا وضعنا قنبلة فنية موقوتة في رحم الواقع وثار الواقع ولم تنفجر فماذا نعمل؟) كلمات الأقصوصة لها أجنحة ترفرف تنخذل تنفرش وتحلّق عاليًا مثل رؤانا وقوانا وطاقاتنا الجماعية التي تخرق صلاة اليأس بضربة جناح قاتلة.
سوف نخوض غمار التجربة القصصية بعنفوان الفشل المرير وغبطة النجاح المتوّج لكننا نسأل لماذا القصة القصيرة جدًا؟ هل هي اللحظة الجزئية للتجلّي/ لحظة تحذير الضجيج الذي يلفّ أفق الروح الممزقة أم هي عملية اقتطاف ومضة خلاص متصيرة إنْ صحّ التعبير ترهص في خضمّ الوجود لتمثّل الواقع وإدراك نبض الأمكنة الموشومة بكثافة حلمية بمنأى عن استطرادات الزمان وكثرة تذبذب الأشياء باعتبار أنّهما ينصرفان إلى مراقبة طويلة الأمد- لكننا في الحياة أو في الخيال ثمة لحظات متوهّجة أو مواقف ورؤى حلمية لا تستوعبها سوى القصة القصيرة جدًا وإلا فإنها تبدو مثل جسم نحيل في ثوب فضفاض (حتمًا ستفضي زئبقية الروح اللانهائية تحت هاجس الضغوط الكونية وعبر الغثيانات وصور البحر الشاردة في ظلّ المخيلة ومرور الرماح المسمومة فوق تخوم الزمان الكثيفة المثقلة بقوانين الصدفة الغامضة التي نتطلّع عبرها بعيوننا المنطفئة فلا نرى غير الأوهام المقيتة لحكايات هشّة مغامرات بائسة لبحارة شجعان منسيين وما ذاك سوى جرح الذهن النازف على مسلّة التجربة الاختباري).
الجملة عندما تسقط على حجارة الورق وتخذها الفكرة عندئذ ندفعها بأكفنا الراعشة كأي عجلة محطّمة إلى بوابات الحرية (أحيانًا أقصوصتنا) بجملها الطينية المهمّشة وهي تتمرغ في القاع العراقي تتكون من اختلاطات نهر العقل معجونة بترابنا الوطني وارث جنوبنا الأصيل نتأمّلها بحنان جمّ فهي ليست قبعة بالية وإنما هي مدانا الذي تؤطره الرؤى المنضبطة وخيالنا الخلّاق. وحين تختمر الأقصوصة تكون وعاءً بلا حافات ينبسط عليه مدادنا فتفرّ من الشخصيات والزمان والشحنات والموحيات لكنها رغم ذلك ستبقى عقدة العقد المحيّرة لم يحلّها حتى الإسكندر ذو القرنين) فإن أكبر المخاطر التي تتهددها هو هيمنة الأشياء عليها وتقييدها بأصفاد الحقيقة وغلّ الوجود ثم انسحاقها بأقدام قادمة من المجاهيل المرعبة لذا سنعلو بها إلى سطح المستقبل والنفاذ بها إلى شفافية الأبد وأغوار المستحيل (عندنا القطيعة مع الأرض إطفاء شعلة "بروميثيوس" وهجوعنا متقرفصين على عتبة الحكاية المظلمة لكنّها الأرض تعود بنا بأصفادها وخطوطها المتباعدة ونحن نركض فوق صحارى الزمن الشاسعة عندئذ يهتف بنا ناقد صارم تلك خرائب أرواحكم وعذابها المستديم وفشل معملكم الاختباري وسقوطكم في متاهات الخطيئة الفنية الأولى لكننا سنصرخ بأعلى الأصوات إذا كان الفن هو الاكتواء بألم الواقع والخوض في تنويعات الإحساس الفجائعي الثاوي في قلب الوجود فإنّ النفاذ إلى لبّ الحقيقة وتأمّل الانتماءات المحزونة للناس هي لحظة الإدراك المثلى للكتابة معانقة القهر عبر رؤية جمالية تغوص في مجرى الأعماق المغايرة للموضوعات في دلالاتها الحسيّة المباشرة وهي تندفع باتجاه المضمون غير مبالية بالقشور التي تطفو إلى قبح السطح بابتذال).
القصة القصيرة جدًا بالذات نكتبها بنار الجسد فهي حقيقة حسيّة مثلها مثل أي حمامة تنزع ريشها وتصطلي بشمس الحقيقة وعادة يمثّل لدينا النجاح الفردي خيبة وكارثة إزاء البؤر المشعّة للجماعات الحضارية التي تحمل مصابيح الرؤيا الخالدة لحضارات الشعوب وحين نفيق من قهر القطيعة الأرضية نلوذ بعتمة الباطن واضطراب الرؤى واحتدام الأعماق عبر هيمنة ذلك الشكل السريع القلق الذي نسميه نحن قصة قصيرة جدًا حيث الإيقاعات الشعورية وهندسات المخيلة المشكّلة والحدوس الموحيات عبر أنساق تتصاعد لتغلّف نفسها بإطار الوجود الشامل (سوف نقطع الفراسخ الفنية الطويلة فتتعب أرواحنا ونلملم أنفسنا لكي نستعيد التوازن الحي عبر هيمنة هذا الفن الصعب الذي هو وليد الومضة المعادة لحضارة القهر والاستلاب إنه بحق فن المسافات القصيرة)."(5)
قصي الخفاجي – كاظم الحلّاق – محمد عبد حسن – كريم عباس زامل – نجاح الجبيلي.

----------------------------------------------------------------------------------------------------
(1): (البديل – الآن).. مقال للأستاذ محمد خضير منشور على صفحته في موقع (فيسبوك) بتاريخ 29 يوليو 2021.
(2): البصرة أواخر القرن العشرين/ الطبعة الأولى/ دار شهريار- ص108.
(3): المصدر السابق ص119.
(4) القصة القصيرة جدا في العراق / هيثم بهنام بردى/ الطبعة الثانية- ث8.
(5): البصرة أواخر القرن العشرين/ الطبعة الأولى/ دار شهريار- ص173-175.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا