الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك أزمة رأسمالية سرمدية؟

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2022 / 1 / 26
الادارة و الاقتصاد


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: هل تتفق مع التصور القائل بوجود أزمة سرمدية تعاني منها الرأسمالية؟

مصعب قاسم عزاوي: أعتقد أن نص السؤال يجب تحويره بشكل يتلافى الإيحاء الضمني فيه إلى أن الرأسمالية حال سرمدي مترافق مع أزمة بنيوية فيه، إذ أن الحقيقة هو أن الرأسمالية الصناعية سواء بشكلها الإمبريالي الفج، أو شكلها العولمي الاحتكاري المتوحش راهناً كتطفر أخطبوطي عن ذلك الشكل الذي كان قائماً في مرحلتها الإمبريالية نمط اقتصادي لا يتجاوز عمره الكلياني أكثر من قرنين من الزمان، وهو أمد زمني لا يتجاوز لمحة عين خاطفة في رحلة تطور البشرية الطويلة التي امتدت على ما يقارب السبعة ملايين من السنين.
ومن الناحية الملموسة فإن أزمات الرأسمالية ليست إلا جزءاً عضوياً من تكوينها البنيوي القائم أساساً على السعي لتحقيق الربح السريع بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى أو خسائر جانبية لا بد من حدوثها سواء كان ذلك متعلقاً بحيوات البشر المتأثرين بمفاعيل تلك الرأسمالية، أو المحيط البيئي الحيوي الذي يعيش فيه أولئك البشر، كما تفصح عن نفسها بكارثة ازدياد معدلات وقوعات السرطان جراء تلوث السلسلة الغذائية التي ينخرط بها بنو البشر بأصناف عسيرة على الحصر من الملوثات الصناعية المسرطنة والتي غالبيتها المطلقة من نتاج الرأسمالية نفسها، بالتوازي مع الكارثة البيئية المحدقة بكوكب الأرض والتي هي قاب قوسين أو أدنى لتتكامل وتحول مناطق شاسعة من كوكب الأرض براً وبحراً بؤراً غير صالحة لعيوشية الكائنات الحية فيها.
وذلك السعي المحموم لتحقيق الربح السريع يتناقض جوهرياً مع ما تحتاجه المجتمعات والبشر الذين يتشاركون فيها لترقية مستوى حيواتهم عبر الاستثمار ذي العائد المتأخر والذي قد يتأخر فيه إدرار الأرباح المنشودة، أو حتى أن تكون الأرباح فيه مضمرة في شكل آخر، من قبيل الاستثمارات في البنى التحتية كالمشافي والجسور والمدارس وخدمات الطرق والصرف الصحي الذي قد لا يمكن تلمس أرباحها بشكل مادي عياني متمثلاً بثروة مالية تنتج جراء ذلك الاستثمار، وإنما من خلال ترقي مشعرات صحة المجتمع من قبيل انخفاض معدلات وفيات الولدان، وزيادة متوسط عمر الفرد، وانخفاض معدلات الأمراض السارية، وزيادة معدلات التعليم، وانخفاض معدلات التهرب من التعليم الإلزامي، والتي لا بد أن تؤدي في مجملها وبشكل تراكمي إلى زيادة قدرة المجتمعات على الإنتاج، و بالتالي زيادة معدلات الثروة في المجتمع، والتي في حال توزيعها بشكل يتفق مع مبادئ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والدخل، سوف تؤدي إلى تعزيز القدرة الشرائية لعموم المواطنين في المجتمع، وهو ما سوف يؤدي إلى زيادة معدلات الطلب في ذلك المجتمع، وهو ما يعني نهضة اقتصادية شاملة مؤسسة على أساس متين من الاستثمار طويل الأمد في المجتمع نفسه دون أن يكون محدوداً ومحصوراً في الأنشطة الاستثمارية التي يمكن ضمان تحقيقها للربح السريع بالشكل الذي تعمل وفقاً له الرأسمالية المعاصرة بشكلها العولمي الاحتكاري المتوحش.
وفي الواقع فإن تمظهرات ذلك العطب البنيوي في جوهر آليات عمل الرأسمالية بشكلها البربري المعاصر لم يتوقف عن إظهار وجهه القبيح بتلاوين وأشكال مختلفة تراوحت بين الأزمات الكليانية الكونية على شاكلة تلك الأزمات العميمة التي تظاهرت في الأعوام 1991-1990، ومن العام 1995 حتى 2000 في أزمة ما عرف بـفقاعة دوت-كوم، والتراجع الاقتصادي العميم الذي بدأ في العام 2007 ولما يخرج العالم منه حتى اللحظة الراهنة، وبين تلك الموضعة في حيز اقتصادي معين مرة في الغرب ومرة في الشرق عاكسة نموذجاً أشوه من الاقتصاد القائم على الإيغال في قصر النظر لتلقف الأرباح التي سوف يجلبها الغد، دون التفكر بما سوف تؤول إليه الأمور بعد عام أو عقد من ذلك الغد.
ومن ناحية أخرى فإن البنيان الفقاعي للرأسمالية المعاصرة بشكلها العولمي الاحتكاري المتوحش القائم أساساً على تعظيم الثروة عبر الاستثمارات بالمضاربات الخلبية في أسواق السندات والأسهم التي لا تستند في مزايداتها على أي أساس حقيقي من الإنتاجية القائمة بالفعل في أي من هذه البنيات التي يتم الاستثمار في سنداتها وأسهمها، وإنما على التخمين والتكهن والتوقع بما يمكن لها أن تدره من أرباح في المستقبل، وهو نموذج من الاقتصاد التكهني Speculative الذي لا يمكن استبصار مآلاته بأي شكل كان، نظراً للعدد اللامتناهي من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير مسارات تحقق تلك التكهنات أو الإفضاء إلى عكس تصوراتها بشكل كامل، وهو ما سوف يؤدي إلى تكوين فقاعات مالية بأسعار منتفخة لأسهم لعدد مهول من الشركات على شكل فقاعة اقتصادية لا بد لها من الانبثاق والتهاوي في لحظة ما لعدم وجود أساس حقيقي موضوعي تستند عليه، مؤدياً بناتجه الحتمي إلى تراجع اقتصادي موضع في اقتصاد معين أو عميم على المستوى العالمي بحسب حجم الفقاعة وامتدادها على الخارطة الكونية. وجدير بالذكر أن نسبة تقارب 90% من كعكة رأس المال المالي على مستوى العالم يتم استثمارها راهناً في ذلك النموذج من الاقتصاد التكهني الفقاعي، وهو ما يبقى بالكاد نسبة 10% من كتلة رأس المال المالي والاقتصاد العالمي في نشاطات إنتاجية تمثل مصدر عيوشية بني البشر ومفتاح ترقية حيواتهم وتحضر مجتمعاتهم، وهو واقع اقتصادي أشوه وأعوج لا بد له أن يفصح عن اختلاله البنيوي بما قد يبدو للمراقب الخارجي بأنها أزمة سرمدية للرأسمالية، بينما هي عوار بنيوي في النمط العولمي الاحتكاري الوحشي لنهج الرأسمالية المعاصر الذي يتفارق بشكل شبه مطلق عن ذلك النموذج للرأسمالية الذي استبصره آدم سميث في تصوره للرأسمالية الحقة في كتابه ثروة الأمم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل


.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ




.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد


.. متصل زوجتي بتاكل كتير والشهية بتعلي بدرجة رهيبة وبقت تخينه و




.. كل يوم - فيه فرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة النقدية .. خا