الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا عن شارونات العرب؟

حسين ديبان

2006 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


آرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي يرقد الأن بحالة الموت "السريري" في أحد المشافي الإسرائيلية، مازال يتلقى النصيب الأكبر من الهجوم من قبل الأقلام العربية التي لم تتوانى عن اختراع مفردات جديدة لها علاقة بالإجرام والعنف والقتل في سبيل توجيهها تجاه هذا النائم "ميتا" في المشفى، دون أن تنتبه هذه الأقلام الى "الشارونات" العرب الذين امتلأت بهم الساحة العربية والإسلامية ومازالت..

شارون الإسرائيلي بكل تأكيد هو مجرم وقاتل، ولا يمكننا أن نصنفه إلا كذلك، ولكن إذا ماقسناه بالشارونات العرب فسنعرف ان شارون الإسرائيلي لايعدو كونه تلميذا غير مجتهد في مدرسة هؤلاء للإجرام والقمع والتنكيل، فشارون لم يقتل بحجم ماقتلوا، ولم يمثل بضحاياه مثلما مثلوا، ولم يتلذذ بعذاباتهم وجراحهم مثلما تلذذ هؤلاء.

إذا ماأخذنا أكثر الأحداث دموية والتي ساهمت في ترسيخ صورة شارون الإسرائيلي كمجرم وهي مجزرة صبرا وشاتيلا في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وكذلك "مآثره" خلال الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، سنجد أن مجموع ماقتلهم شارون أو أشرف على قتلهم أعدداهم عدد ضحايا مجزرة صغيرة من الحجم "الخفيف" لواحد من شارونات العرب والمسلمين مارسها ضد شعبه البريء.

تتراوح احصائيات مجزرة صبرا وشاتيلا بين الألفان وخمسمائة وثلاثة آلاف وخمسائة ضحية، بينما بلغ عدد ضحايا الإنتفاضة الفلسطينية الأربعة آلاف وخمسمائة ضحية ولنقل خمسة آلاف حتى لا يتهمنا أحد بأننا نريد أن نخفف بعض الأحمال اللاأخلاقية عن كاهل شارون الإسرائيلي، وتحاشيا لتلك التهمة سأضيف من عندي عشرة آلاف أخرى وأكثر قليلا ليصبح عدد ضحايا شارون الاسرائيلي عشرون ألف. أتوقع بأني سأتلقى تصفيقا حارا من الجمهور العربي على هذه الإضافة "النوعية" التي قمت بها والتي تشبه الى حد بعيد الاضافة النوعية التي أضافها قادتنا أو بالأحرى شاروناتنا النوعيون الى تاريخنا النوعي جدا.

لن نسترجع ذكرى شاروناتنا الكثر عبر التاريخ، فالتاريخ بالنسبة للجمهور العربي هو فقط التاريخ الجميل والمجيد والمشرف، وهو التاريخ الذي تعلموه في حياتهم منذ سنوات دراستهم الأولى وحتى صفوف الدراسات العليا، ولا مكان في هذا التاريخ لمجازر الأمويين ضد أحفاد رسولهم محمد ومن والاهم وتدميرهم للكعبة وضربها بالمنجنيق، ولا مكان في هذا التاريخ لمجازر العباسيين في دمشق ضد أبناء عمومتهم من الأمويين، ولا مجال في هذا التاريخ للمجازر التي حصلت خلال الحكمين الأموي والعباسي برعاية كل الخلفاء وولاتهم بإستثناءات نادرة جدا، ولا مكان في هذا التاريخ لمجازر خلفاء المسلمين من بني عثمان الأتراك رضي الله عنهم، فكما قلت فإن التاريخ المتعارف عليه بين الجمهور العربي هو تاريخ المجد والعزة والكرامة وقبل ذلك هو تاريخ الرحمة والمساواة والعدالة.

أن يقتل الزعيم العربي أو المسلم مئات الآلاف من أبناء شعبه أو غيرهم هو بالنسبة لهذا الجمهور دفاعا عن البوابة الشرقية ضد بني فارس وأتباعهم في العراق كما فعل ديكتاتور العراق حين أباد أكثر من مئتي ألف من أبناء العراق ابان انتفاضتهم عقب حرب تحرير الكويت عام 1991 , أو دفاعا عن الأمة العربية وجغرافيتها ضد من تسول له نفسه أن يفكر بإقتطاع جزء منها كما فعل ذات الديكتاتور عندما قتل مئات الآلاف من أبناء الكرد خلال عمليات الأنفال، مستخدما كل أنواع الأسلحة بما فيها تلك التي لم يجرؤ أحد من شارونات اسرائيل حتى اليوم على استخدامها لأسباب لا يمكن أن تكون إلا أخلاقية، أو ربما يكون قتل عشرات الألاف غير ذا قيمة بل يصبح مطلبا أساسيا ورئيسا تفرضه متطلبات الصمود والتصدي والحفاظ على الوحدة الوطنية ضد عملاء الخارج كما فعل دكتاتور سوريا سيئ الذكر حافظ الأسد حين أباد مدينة كاملة بمن فيها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، أو حفاظا على نقاء العنصر العربي للدولة السورية من خلال حرمان مئات الآلاف من أبناء كرد سوريا من الحصول على مجرد بطاقة شخصية تمكنهم من العيش بشكل طبيعي.

وقد يكون قتل آلاف الفلسطينيين خلال ماسمي بحرب المخيمات في لبنان من قبل حركة أمل الإسم المختصر لأفواج المقاومة الإسلامية بزعامة رئيس مجلس النواب اللبناني الحالي نبيه بري خلال النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، قد يكون منعا للتوطين وحفاظا على التوازن الديمغرافي المذهبي والطائفي في لبنان، ومن الممكن أن لا يتذكر الجمهور العربي شيئا من هذا، خصوصا وان هذا الجمهور استشاط غضبا من الدكتور شاكر النابلسي حين أتى على ذكر تلك المجازر في مقالة إيلافية قبل أسابيع، مذكرا هذا الجمهور الدكتور النابلسي بأن هذه المجازر هي التي ارتكبها شارون الإسرائيلي وليس أحد شارونات العرب. انها الذاكرة العربية المثقوبة التي تتذكر جيدا كم قتل شارون الإسرائيلي ولا تريد حتى لأحد أخر أن يأتي على ذكر مافعله شارونات العرب.

شارون الإسرائيلي وكل شارونات اسرائيل عبر تاريخها لم يقتلوا من العرب كما قتل العرب ذاتهم من أبناء العراق خلال الثلاثة أعوام الماضية، في وقت لا أحد من الجمهور العربي يريد أن يأتي على ذكر وتوصيف القاتل الحقيقي في العراق وانما الجميع يصر رغم سطوع الحقيقة عبر بيوت العزاء التي يقيمها أهالي المجرمين لأبنائهم الذين قضوا من خلال تفخيخ أجسادهم وتفجيرها في تجمعات البراءة العراقية، وهذا الجمهور لا يتوانى أيضا عن اتهام كل من يجرؤ على ذكر الحقيقة من اللبراليين العرب بأنهم خونة وعملاء مأجورين لأمريكا ويقبضون عمولاتهم بالدولار الأمريكي، في حين أن واقع الليبراليين وأحوالهم المعيشية والمادية تثير الشفقة وتدعو للإحسان والصدقة، وهم وصلوا لهذه الحالة بأقلامهم وبضمائرهم وعقولهم ولا مكان بين هذا الجمهور العربي لمن كان صادق القلم ومستيقظ الضمير ومتفتح العقل. انه جمهور بحاجة الى مزيد من جرعات التخدير والتنويم وتحويل الهزائم الكبرى الى انتصارات عظيمة وهذا مالا يقدر عليه اللبراليين الذين آلوا على أنفسهم إلا أن يسموا الأشياء بأسمائها مهما جلب لهم ذلك من متاعب.

كنت أتمنى دائما وهي أمنية لا بد أن تُغضب الكثيرين من أن يكون شاروناتنا بمستوى اجرام شارون الإسرائيلي على الأقل وهوالذي يملك من أسباب الإجرام من منظوره مالايملكه شاروناتنا فهو عدو على الأقل، ولكن مع وجود جمهور عربي بذاكرة مثقوبة ستظل أمنياتنا مجرد أمنيات، ولن تنتقل الى حيز الواقع إلا حين يكون هذا الجمهور على استعداد لتلقي جرعات الصحوة والإستيقاظ عوضا عن استعداده الفطري الحالي لتلقي جرعات التخدير واالتنويم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال