الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المواثيق الدولية في حل المشاكل العمرانية بمدن دول العالم الثالث -ميثاق أثينا نموذجا-

عثمان بلحوزي

2022 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


إن معظم المشاكل التي عرفتها أروبا خلال القرن التاسع العشر ومطلع القرن العشرين في مجال التخطيط العمراني وعدم مطابقته لمتطلبات وحاجيات الساكنة الحضرية كان سببا وراء ظهور بعض المؤتمرات والمواثيق والتي من بينها "ميثاق أثينا" الذي كان وسيلة لمعالجة كل تلك المشاكل بناءا على تحليل 34 مدينة، وبذلك فهو يشكل حلقة أساسية لمعالجة كل تلك المشاكل والإكراهات العمرانية التي تخبطت في دائرتها بعض الدول الأروبية ، وكيفية التفكير في برامج ومشاريع تمكن من تحقيق إعادة التوازن للمجالات الهشة ’ والتي يمكن الإستفادة منها بالنسبة لمدن البلدان المتخلفة من خلال محاولة تطبيق المبادئ التي جاء بها الميثاق في علاقة بالإمكانات الديموغرافية والسوسيواقتصادية لهذه المدن ، فكما هو حال المدن التي تجاوزت مشاكلها في ميدان التعمير مرتكزة بذلك على مبادئ ميثاق أثينا ، يمكن لمدينة الدار البيضاء باعتبارها الحلقة الأبرز في تنامي الاختلالات الحضرية ، أن تستفيد من بنود الميثاق ، وتطور مجالها الحضري على اعتبار أن هذا الأخير يعتبر عصارة تعميرية لمدن لطالما عانت من اختلالات كونية تعذر حلها لسنوات عدة .
الإطار الزمني والمكاني لميثاق أثينا :
يعود تاريخ ميثاق أثينا إلى سنة 1933 ، ويرجع مكان انعقاده إلى مدينة أثينا اليونانية ، حيث كان من المتوقع أن يعقد الميثاق في روسيا ، لكن نظرا للأحداث الداخلية والخارجية الصعبة التي كانت تعيشها ، ساهم بشكل أو بآخر في تغيير الوجهة من منطقة أروبية شرقية إلى منطقة أروبية متوسطية ويأتي هذا الميثاق بعد سلسلة من المؤتمرات لدراسة مشكلة "فن العمارة" وفق برنامج تحضيري أعد في "باريس" ’ بغرض إقرار وجهة نظر موحدة لرواد فن العمارة الحديثة ، والاتفاق حول وضع العمارة ومواجهتها لمهامها الحقيقية ، وهذه الاجتماعات الدورية هي التي دعيت ب"المؤتمرات الدولية للعمارة الحديثة أو مايعرف ب (C .I.A.M)
Conférences internationales de larchitecture moderne »"
وكان من أهم هذه المؤتمرات المؤتمر التأسيسي الأول الذي عقد في قصر "سالازارفو" بسويسرا سنة 1928 ، حيث حدد هذا المؤتمر المفاهيم الأساسية للعمارة وارتباطها المباشر بالحياة المهنية للمهندسين، والذي اعتبر أن العمارة فن يرتبط بالحاجات النفسية والاجتماعية للناس، وأكد في نفس السياق على ضرورة مرافقة العمارة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية المعاصرة، بحيث تستطيع العمارة أن تستجيب لمتطلبات العصر وحاجاته الأساسية ، ويؤكد الإعلان (إعلان سالازارفو) أن جوهر تخطيط المدن وظيفي وليس جمالي ، والذي يمكن وضعه في سياق الاستجابة للوظائف الأساسية التالية ( السكن – العمل – الراحة والاستجمام – السير والمواصلات ) ، وهذه الوظائف هي الركائز الأساسية لميثاق أثينا في تخطيط المدن ، إن اقتضت بها مدينة مليونية تعيش واقع الأزمة الحضرية بمختلف تجلياتها ، من قبيل مدينة الدار البيضاء ، فمن الممكن حل مشاكلها ولو بشكل نسبي يخدم مصالح ساكنتها ، ويعيد الوجه الحقيقي الحضري للمدينة ، ومختلف هذه الوظائف سنوضح خصائص كل منها على حدة :
- مبادئ ميثاق أثينا :
1)- السكن : يعالج ميثاق أثينا مسألة السكن بتحليل علمي دقيق ، إذ يعتبرها من أولويات تحقيق المدينة لمطالب السكان، حيث يعتبر الميثاق أن المدينة هي أداة لتحقيق وتوفير وظائف أساسية للسكان من بينها السكن ، إذ لا يجب فصل أي مدينة كما كان نوعها ومهما على شأنها عن السكن ، وفي هذا السياق يعتبر "لوكوربوزيه" وهو أحد رواد الميثاق وأحد المخططين الأكفاء ، في كتابه المدينة الوظيفية سنة 1941 ’ "أن العلاقة بين المدينة والمسكن تعد جزءا غير قابل للتجزئة" ’ ولكن الإشكال المطروح هنا هو هل المدينة توفر مساكن ملائمة لسكانها أم لا ؟
يعالج ميثاق أتينا تمركز السكان في النوى التاريخية للمدن بالنقد والتحليل العلمي، وينتقد كذلك تمركز السكان في بعض مناطق التوسع الصناعية ، التي تسبب أضرار صحية وخيمة للسكان ، حيث تغيب الشمس عن العمارة بسبب ازدحام المباني ، وضيق فتحاتها الخارجية مما يسبب ضعف التهوية بهذه المجالات ، زد على ذلك ازدحام الجراثيم في غياب أو قلة المرافق الصحية التي توفر مختلف عناصر الحياة الطبيعية من أكسجين و شمس وفراغ ومجالات خضراء ، كما يؤكد الميثاق أن قدم المباني وعدم صيانتها يساهم في تشويش نظام الفراغات الداخلية والخارجية أي يقلل من حجمها ، وكذلك ندرة المساحات الخضراء التي يلتهمها توسع المدينة المستمر ، مما يجعل المساكن تتوزع في المدينة بشكل يتعارض مع مقتضيات الصحة العامة ، لذلك جاء الميثاق ليؤكد على عملية التوفيق بين التنظيم العمراني والحاجات الأساسية للإنسان ، وخاصة تلك المتعلقة بصحة هذا الأخير والناتجة عن استثماره لشروط الطبيعة ، منها الشمس والخضرة والفراغ لتلبية حاجاته الأساسية للاستمرار في العيش ، ويؤكد الميثاق على أن الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية تتمركز في المناطق الفقيرة من المدينة ، في حين تنتشر المباني الصحية المستفيدة من ظروف التهوية والشمس والخضرة في المناطق الغنية ، مما يجعل توزيع النطاقات داخل المدن يتم بشكل غير منطقي وغير عقلاني ويجعل البنايات تتوزع بشكل متفاوت في أجزاء التجمع العمراني ، وبالتالي فالميثاق يوصي بضرورة استعمالات الأراضي وظيفيا واجتماعيا ، حتى يمكنها من تلبية حاجات السكان الأساسية ، ويوصي بهدم المناطق القديمة من المدينة بحجة أنها تشكل خطرا على حياة قاطنيها وتحويلها لمساحات مفتوحة يستفيد منها معظم السكان المجاورين للمنطقة ، كما أن الميثاق يوصي بسن تشريعات عمرانية تمنع إقامة المباني على أطراف الطرق والساحات ، مما يعرضها للضجيج والغبار وانبعاث الغازات السامة ، وفرض إقامتها وسط حدائق خاصة تؤمن الشمس والهواء والهدوء والخضرة ، كما يؤكد الميثاق على مسألة فصل حركة السيارات عن حركة الراجلين ،وتخصيص لكل منها طرق خاصة بعيدة عن السكن لتفادي مختلف أشكال التلوث (ضوضاء- غازات سامة...) كما يوصي الميثاق كذلك بتخصيص أحسن المناطق في الفراغ العمراني للسكن على نحو يتوافق مع موقع و مناخ وتضاريس المنطقة ، وإنشاء المساحات الخضراء إلى جانب الأبنية السكنية ليستفيد منها السكان ، والميثاق يؤكد على مسألة الكثافة السكانية داخل المناطق وبالتالي فهو يوصي بفرض كثافات سكانية معقولة تناسب طبيعة الموقع الجغرافي ولاتتركه رهنا للمضاربات العقارية ، وفي الوقت نفسه تمنع ظاهرة التلوث البيئي ، أي التزام مبدأ العدد المناسب في المكان المناسب ،وفي هذا السياق يدعوا الميثاق إلى عقلنة توسع المدينة المستمر من خلال دراسة كل من عاملي الزمن والمسافة المقطوعة في المدينة ، أي جعل كل من المسافة وكذلك الزمن تتناسب مع إمكانات السكان لقطعها وفي وقت ملائم ، من أجل تلبية الوظائف في الوقت المحدد لها .
2)- أماكن العمل : يعتبر الميثاق أن للسكن وأماكن العمل علاقة وطيدة لايمكن فصل أجزائها عن بعض ، لما لها من قدرة على التحكم في وثيرة حركية السكان ومزاولتهم لأنشطتهم المهنية اليومية بشكل مستمر ، ولذلك يتوجه الميثاق بالنقد للتوزيع اللاعقلاني لأماكن العمل ، ومن بينها (الصناعة والحرف اليدوية- الأعمال والإدارات والتجارة) في التركيبة العمرانية التي لم تستجيب لتغيير تقسيم العمل مابين السكن وورشة العمل ، وكذلك مصادر المواد الأولية وأماكن تسويق المنتجات ووسائل النقل والمواصلات ، ذلك أن تطور المدن وامتداد مجالها ، وتعدد وظائفها ’ أثر بشكل كبير على حركة السكان بين مختلف أجزاء التجمع العمراني ، حيث نتج عن هذا الوضع قطع مسافات بين أماكن العمل والسكن إلى حد لا تتناسب مع زمن قطعها ، وما ينتج عنها من تكليف جسدي ومادي للسكان بفعل الحركة والمعانات اليومية الناتجة عن عملية التنقل بغية الولوج إلى المهن المزاولة ، مما أدى إلى سوء توزيع الوظائف داخل التركيبة العمرانية ، لذلك يوصي الميثاق باقتصار المسافة بين أماكن العمل والسكن إلى حدها الأدنى الممكن ، مما يتطلب إعادة توزيع أماكن العمل في المدينة توزيعا خطيا على طرق نقل المواد الأولية والمنتجات الصناعية ، وأن تفصل هذه الأخيرة فصلا كاملا عن مناطق السكن بواسطة مناطق خضراء عازلة لكل من التلوث والضجيج ، وفي الوقت نفسه تستجيب لمتطلبات الساكنة من خلال توفير الوسائل الضرورية لهم ، ومن أجل الحد من حركة السكان داخل المدينة يوصي الميثاق بوضع السكن ضمن مساحات خضراء ، ويدعوا إلى وضع المناطق الصناعية على طول طرق النقل البرية والمائية والحديدية (السكك الحديدية) وكل ذلك بغرض تقليص المسافة المقطوعة والتخفيف شيئا ما من معانات الساكنة فيما يخص حركيتهم اليومية مابين مناطق سكناهم ومقرات عملهم .
3)- أماكن الراحة والإستجمام : بما أن الجوهر الأساسي من تخطيط المدن تلبية الوظائف حسب مقتضيات الميثاق فإن المدينة باعتبارها تنظيما اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، لابد لها من توفير بعض أماكن الراحة والاستجمام لقاطنيها وخاصة العمال الذين يشتغلون طول الأسبوع ولا يجدون أمامهم سوى عطلة نهاية الأسبوع للترفيه عن أنفسهم والإستفادة من مراكز الاستجمام والتسلية التي توفرها المدن لهم ، وفي هذا السياق ينتقد الميثاق عدم كفاية المساحات المخصصة للاستجمام والتسلية وبعض الأنشطة الحرة داخل المدينة بفعل توسع المدينة اللاعقلاني الذي لا يتيح فرصة لظهور هذا النوع من الأنشطة ، زد على ذلك عدم تموضع هذه الأنشطة في أماكنها الأصلية وعدم كفايتها على نحو يستفيد منها كل ساكنة المدينة ، لذلك فإن هذه الوضعية المقترنة بضعف المساحات الحرة لا تتيح الفرصة لتطور شروط وظروف السكن في المناطق التي تعرف ازدحاما قويا في المدينة ، وهذا ناتج عن الخلل الحاصل في عدم توازن النسيج العمراني ، حيث شيدت المرافق الرياضية على أراض مخصصة للسكن أو المتوقع أن تكون مناطق صناعية في المستقبل ، بينما يتطلب منها أن تتموضع حول السكن في جميع أنحاء المدينة ليستفيد منها السكان من أجل قضاء عطل نهاية الأسبوع ، وذلك من خلال وضعها على مسافة مناسبة تساعد الساكنة على الاستفادة من خدماتها والولوج إليها في أوقات الراحة ، وبذلك يوصي الميثاق بتخصيص المساحات الخضراء الكافية لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية بالنسبة لمختلف فئات السن من السكان، وتعزيز هذه المناطق بوعاء قانوني يقوم بحمايتها من مختلف أشكال العشوائية ، وكل ذلك من أجل تغيير بنية النسيج العمراني ’ ليصبح كمزود رئيسي لحاجيات السكان وتلبية رغباتهم ،وفي الوقت نفسه يوصي الميثاق بهدم كل المناطق الملوثة داخل المدينة وتحويلها إلى مساحات خضراء يستفيد منها ساكنة الأحياء المحيطة بها والمجاورة لها من خلال استقبال رياض الأطفال والمدارس ومراكز الشباب ، وكل المباني العامة التي لها صلة وثيقة بالسكن ، وتحويل المناطق الملوثة المتسببة في انبعاث الغازات خارج المدار الحضري للمدينة قصد الحفاظ على الصحة العمومية ، وضمان قسط من الراحة والرفاهية داخل المدن .
4)- السير والمواصلات : تلعب شبكة المواصلات داخل المدينة دورا أساسيا إن لم نقل مركزيا، إذ تعمل على ربط كل أجزاء المدينة ووظائفها من خلال تسهيل عملية تنقل الأشخاص ورواج البضائع والسلع ومختلف الأغراض بكل سهولة في المدينة ،في علاقتها بمختلف أشكال التأثير الداخلي والخارجي ، وبما أن شبكة المواصلات هذه لا يمكن الإستغناء عنها فإن الميثاق ينتقد شبكة الطرق العمرانية التي وضعت بشكل غير عقلاني داخل وخارج المدن ، والناتجة أساسا عن تفاعل الاقتصاد مع شروط الموقع الجغرافي ، دون إعارة الأهمية إلى طاقة استيعابها وحمولتها ، بحيث أن معظم هذه الطرق لا تستجيب لحركية المرور الحالية ، وتعارض كليا مع استعمال وسائل المواصلات الميكانيكية الحديثة التي لا تتلائم مع طبيعتها ،إذ أنها لا تستجيب لاستعمال السرعات الميكانيكية الجديدية ، كما أن الشوارع المخصصة لمثل هذه الطرق تكون في أغلب الأحيان ضيقة لا تستحمل الأعداد الهائلة من السيارات والشاحنات التي تعبر فيها يوميا وبشكل مستمر ، وبتعبير آخر فإن شبكة الطرق الحضرية جد معقدة و غير عقلانية تنقصها الدقة والتنوع والتناسب حسب الخصائص المتوفرة لكل صنف من الآلات الحديثة ، وبذلك يوصي الميثاق بإعادة هيكلة الطرق في المدينة وجعلها تتناسب مع السرعات الميكانيكية الجديدة ، وذلك من خلال توسيع الشوارع وجعلها تستحمل معظم أنواع المركبات الناقلة ، وكذلك تخصيص طرق مستقلة للراجلين وفصلها كليا عن تلك الخاصة بالسيارات، كما حصل في مدينة "برازيليا" في البرازيل (تغلبت على مشاكلها التعميرية وعملت على إعادة هيكلة نسيجها باعتماد مبادئ ميثاق أثينا ) ، إضافة إلى تمييز الطرق حسب استعمالاتها واتجاهاتها والوظائف التي تؤديها (مثلا طرق خاصة بالسكن- طرق خاصة بمراكز الاستجمام – طرق خاصة بالتبضع- طرق خاصة لولوج الإدارات...) .
وجدير بالذكر أنه إلى جانب تركيز الميثاق على الوظائف الأساسية لجوهر تخطيط المدن ومدى تلبيتها لحاجات السكان ، فإن الميثاق يولي كذلك أهمية كبيرة للتراث التاريخي للمدن ، إذ يدعوا الميثاق إلى الحفاظ على المباني التي تخزن في باطنها دلالة معمارية وفنية وحضارية تعكس حياة المدينة وعراقتها ، بحيث يجب الحفاظ على شواهد الماضي لما تحمله من أهمية تاريخية وتقديمه للأجيال اللاحقة بكامله بدون أدنى نقص ، وكل ذلك بغرض الحفاظ على التراث الإنساني الذي يدل على أمجاد المدينة وعراقتها.
على العموم تجدر الإشارة إلى أن ميثاق أثينا يعد من بين المواثيق الشهيرة في ميدان تخطيط المدن إذ أنه يولي أهمية قصوى للوظائف الأساسية التي من اللازم على المدينة توفيرها لساكنتها ، ولعل الشيء الجميل أو الجانب الإيجابي في ميثاق أثينا هو أن مبادئه وأفكاره أصبح يعتمد عليها في يومنا هذا من طرف منظمو ومخططو المدن ،ولعل مجموعة من المدن تغلبت على مشاكلها وهيكلة مجالها وفق تنمية مندمجة تحقق مختلف الأغراض الحضرية بناء على مقتضيات وشروط الميثاق في ميدان التعمير والتخطيط الحضري ، من قبيل مدينة برازيليا و برلين ، ولقد ظهرت العديد من المواثيق والمؤتمرات التي تصب في هذا الشأن بعد ميثاق أثينا ، أضافت وغيرت وعدلت من مبادئ هذا الأخير وغيرت بعض الشيئ من خصائصه لكنها لم تقلل من أهميته وصلاحيته ، ولعل هذا ما أجبر لوكوربوزيه على القول في ختام مقدمة كتبها لإحدى طبعات ميثاق أثينا ("إن تبدلات شاملة وهائلة تطرأ على العالم ... فقد قامت الحضارة الصناعية وسط الفوضى والتأرجحات والانقضاض ’ وهي مستمرة عصرا كاملا ’ ولكن عصارة الجديد تتعاظم وتنمو منذ قرن من الزمان... قرن تواصلت خلاله الأدمغة الواعية البعيدة النظر إلى أفكار جديدة ، وتقدمت باقتراحات جديدة بديلة " )
يتبين من خلال هذا القول أن المخطط والمهندس المعماري لوكوربوزيه يعتبر أن هذا الميثاق وإن تعدى فترات ذروته فإنه بالمقابل يعد ركيزة لا يمكن الإستغناء عنها في ميدان تنظيم المدن لما ينعم به من صلاحية واستمرارية تطبيقة ، وفي هذا الصدد أيضا يمكننا أن نورد قول "إيميري" 1971 ’ ("إن كامل الجزء التحليلي في الميثاق يتحلى باستمرارية صلاحيته") ، وكما هو حال مصير كل من مدينة برازيليا وبرلين اللتان تغلبتا على حل مشاكلهما التعميرية بفضل التدابير المتخذة المقترنة بتطبيق ما نص عليه ميثاق أثينا في ميدان التخطيط الحضري ، فحتى الدار البيضاء يمكنها في هذا الصدد أن تعالج مشاكلها التعميرية ، وتحل أزمتها الحضرية ، ما إن استطاعت أن توظف بنود ومقتضيات الميثاق في مجالها الحضري وتنميته .
مزايا وبنود ميثاق أثينا
يتألف ميثاق أثينا من 95 بندا معظمها تركز على الوظائف التي تؤديها المدينة بالضد من الجمالية الأكاديمية
 ينظر ميثاق أثينا ارتباط المدينة بوصفها وسطا فراغيا بالحياة الاجتماعية
 يقوم الميثاق بطرح مسألة التطور السريع لعملية التحضر، ليس على أنها عملية نمو كمي للمدن فحسب بل أنها عملية تؤدي إلى تبدلات عديدة في السلوك الاجتماعي ، وإلى تكليف نفسي شامل ، أي قابلية السكان للحركة والهجرة ، كما يضاف إلى ذلك تأثير عملية التصنيع والتقدم التقني على طبيعة الإنسان ، وكذلك تأثير البيئة وتلوثها .
 طرح ميثاق أثينا الذي هو نتاج لدراسة 34 مدينة مشكلة القديم والجديد في المدينة ، ومشكلة إعادة البناء والبناء التاريخي بشكل عام .
 يعالج الميثاق لأول مرة مشاكل السكن ووظائف المدينة وما بينها من علاقة متبادلة ، والتي لم تكن الاتجاهات الأكاديمية قد تعرضت لها حتى ذلك الوقت .
 ركز الميثاق على جانب الوظائفية في العمارة ، منتقدا بذلك الجمالية الأكاديمية ، ويؤكد أن الغاية من العمارة ليست الشكل والمظهر بقدر ماهي متعلقة بتلبية الوظائف الأساسية للسكان .
 الميثاق دافع وبشكل صريح عن فكرة تداخل مناطق الاستجمام مع مناطق المعيشة واعتبر أنها عملية أساسية لإشباع حاجات ورغبات الساكنة .
 معالجة الميثاق لمشاكل الكثافة السكانية العالية ، باعتبارها تؤدي إلى نقص كبير في المساحات المفتوحة والخضراء ، ونوعية البيئة المعيشية .
 طرح الميثاق لمشكلة المسافة المقطوعة بين أماكن السكن والعمل ، وصعوبة ولوج السكان لمناطق العمل ، مما يتسبب في خلق ازدحام في المدينة وتدفق تركيز الحركة داخل المدينة .
 تناول الميثاق مشكلة ضعف مناطق الترفيه ، وأشار إلى عدم وجود مساحات ومواقع مخصصة لهذا النوع من الأنشطة مما يتسبب في عدم تلبية شروط استمرار السكن ، وعدم تحقيق رغبات الساكنة النفسية والاجتماعية .
 معالجة الميثاق لمشاكل المواصلات وماتسببه من مشاكل لها عواقب وخيمة على وضعية الساكنة الصحية والاجتماعية .
ومن المعلوم أن تحقيق مختلف الوظائف التي نص عليها ميثاق أثينا تؤدي لا محالا إلى تطوير مستوى الأنشطة وترابطها داخل المجال الحضري ، وتسهيل العلاقات داخلها (الإنسان – التعلم – الإدارة – التجارة ) باعتبار أن ما نص عليه الميثاق من تخطيط عمراني حضري ، سيجعل من التركيبة الوظيفية للمدينة حلقة متكاملة تستجيب للواقع المحلي وتحقق تطلعاته ، بعلاقة مع مختلف المؤثرات الداخلية والخارجية التي يشهدها .


صفوة القول يعد ميثاق أثينا من بين المواثيق الشهيرة التي عالجت موضوع تخطيط المدن في علاقة بالوظائف الأساسية التي تستجيب لحاجات ومتطلبات الساكنة الحضرية ، ومن الواضح أن المشاكل التي عالجها الميثاق أصبحت اليوم جديرة بالاهتمام في العديد من المدن المنتمية لمنظومة دول العالم الثالث ، دول العالم الثالث التي أصبحت تتخبط من حين لآخر في دوامة من المشاكل التي أصبح من الصعب تجاوزها، مما يجعل هذه المدن بأمس الحاجة بل ملزمة تماما بالإطلاع على المواثيق والمؤتمرات التي عالجت جانب تخطيط المدن ومتابعتها وربط هذا الجانب من التخطيط بالمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلد المعني ، إضافة إلى ربط دراسات التخطيط العمراني بواقع البلد من حيث خصائصه والإمكانيات التي يتوفر عليها من أجل تحقيق تخطيط منظم يستجيب لمتطلبات الواقع ، وكما هو شأن مدينة الدار البيضاء فحاجتها لتطبيق مبادئ ميثاق أثينا أصبح ضرورة تفرض نفسها في قائمة التخطيط الحضري المقترن بإنتاج مجالها الحضري ، في سياق تبني رهان التنمية المجالية المندمجة .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن