الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا قرأت

خالدية حسين أبو جبل

2022 / 1 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هكذا قرات
كتاب الرغيف الأسود
مذكرات سردت السيرة الذاتية
للكاتب المغربي حسن المصولحي
وزعها الكاتب على ثماتية عشرة مذكرة تقع في
117 صفحة من الحجم الوسط.
مذكرات كتبها طفلٌ حمل بيده قلمٌ نضج بيد انسان
حفر البؤس والقهر والفقر في جدران ذاكرته ندوبا.
لم يكبُر الطفل في داخل الكاتب ،ظلّ قابعا متحفزّا منتظرا فرصة الانعتاق والبوح وازاحة حملٍ ثقيل عن كاهليه، ليتابع  ويكبر  ويأخذ من الحياة ما شاء منها، فكفاها ما أخذت منه عنوّة.
طفلٌ أظنه انتظر صاحبه كثيرا ليصلّب عود قلمه
ليقدر على رمي العالم بسواد حبره، وهل لرغيف اسود أن يكون حبره غير السواد؟!
رغيفٌ أسود تقسّمت لقماته مغمسّة بسُّم العقارب السوداء، على الثماني عشرة مذكرة بالتساوي.
مذكرات جعلت من هذه الذكريات مجتمعة قصة
"الفقر " وما أدراك ما الفقر؟
وصمة العار في جبين العالم المتحضر
وجه النفاق لتجار الدين
(بأي وجه منطق بناء المسجد من اسمنت وطين
ومسكن البشر من براكية قصدير ؟)
الشاهد على سقوط كل الانظمة في مستنقع التاريخ
الفقر، مهد القهر والضغينة والجريمة...
الفقر، مهد التعاون والمحبة والبساطه
الفقر، مهد التجربة والطموح والفكر والارادة
الفقر، مهد الثورة والفن والابداع.
الانسان المقهور يسعى لرفع القهر عنه والجائع
اول اهتماماته البحث عن الرغيف.
على ان هذا لا ينفي ان ذات الانسان مليء بالرغبات والاحلام التي يطمح لها.
وهذا ما كانه الطفل الكاتب او اسموه إن شئتم الكاتب الطفل، على أنه في الحالتين لم يتعب هذا الطفل في استدراج الذاكرة للبوح باسرار يخجل امامها الخيال بكل خيوله، ولن يُعجّز الطفل في البحث عن زمكان ليدحرج فيه وعليه فيض جروحه.
فالمكان واسع" الروضة" المقبرة
والزمن اوسع، انه زمن الموت والاموات ، موت من فوق الارض، بضمائرهم وساديتهم ونفاقهم وعبوديتهم وذلهم وخضوعهم وعجزهم عن قول:" لا" في وجه كل ظالم ومستعمر ومستبد ، ولئيم غريبا كان ام قريب.
واللعبة كرة من خرق قماش بالية تتقاذفها الأقدام الحافية... تكبُر الأقدام وتكبر الكرة وتكبر الروضة
بمن هم  فوقها ومن هم في أحشائها، ويكبر وينتفخ كرش مالك الكرة المتحكم في اللعبة !
أجل انها لعبة الحياة الاكبر ايها الطفل الكاتب حسن الصلوحي.
لعبة الحياة التي جمّلت فيها شقاء طفولة ببراءة العابها وليدة الحاجة اليها، وكم كان ممتعا سردها ومشوقا على الرغم من معرفتنا بها وعيشها بكل تفاصيلها في كل مجتمعاتنا العربية، فقد تختلف لهجاتنا في اوطاننا لكن للفقر لهجة ولغة واحدة في كلّ الاوطان.
كم كان جميلا ذكرك اساتذتك وما تركوه من أثر سلبي او ايجابي في نفسك ، وما تبعث به من دلالة ورسالة تربوية، مذكرة" اول يوم في الدراسة"
وانتقادك بعين الطفل الذي كان شاهدا على حياة
البؤس لتصرفات الآباء والامهات والكبار الذين تجدّ لهم المبرر لسوء تصرفهم، لتقول للعالم
ان العنف والجريمة لا تولد مع الانسان
انه الظلم والقهر والطبيقة ونظام السيد والعبد الغني والفقير القصر والبراكية. هؤلاء جميعا الاباء الشرعيين للجريمة والرذيلة والسقوط.
سرد الكاتب الطفل ذكرياته عن حيّه وانت تشعر بفرح يداعب اساريره وحنين يحث الدمع من محاجره،وحبّهُ الغامر لتلك الذكريات، بعذوبة عباراته الشاعرية المنتقاة، التي لم تترك شاردة وواردة الا وأتت على ذكرها، بدءا بفخاخ صيد العصافير والعقارب ، الكتّاب ، المدرسة، سرقة الاقلام، مرورا بكاس الشاي وكسرة الخبز الحاف وحبات الزيتون والعيد " عيد مولد النبي ص" والذي يتضح انه عيد الفقراء -
وحرّ البراكية ودلف سقفها شتاء ليبلل أشياءه،
لتثور في نفسه الاسئلة المشروعة" لماذا يبلل الله اشيائي ؟ الا يعلم انني لا املك غيرها؟
اتساءل مع الطفل: هل يُفكر ابناء القصور والغنى
إن كان الله موجودا ام لا ؟ ام هل يعنيهم الامر برمته؟
يذكر عشقه الاول بروح العاشق الحالم الولهان
ويسرد حكاية جدته "حنّة"نبع الحنان كما وصفها
بكل مافي اللغة من حب ووفاء وانتماء.
" فقراء كنّا ولكن الفقر كان يمنحنا في كلّ يوم فرصة ان نلامس الحب في الاشياء الصغيرة
قبل الكبيرة ص41"
انه سرّ سعادته وهو يسترجع هذه الذكريات
ما نشعر عكسه تماما حين يبدا سرده في مذكرة" لاقطات البطاطا"
نسمع صوت  الطفل  قد ثخن  واحتقنت اوتاره
حبالا من الحقد والغضب والنقمة على بشاعة الفقر ولؤم الفاقة والحاجة التي تُعري صاحبها
من كلّ شيء،
في لاقطات البطاطا الصورة البشعة الصادقة الواضحة لواقع عالم مزيف مستبد جائر.!!
كيف لطفل عاش كل هذا ، الا يُفكر بخلاص؟
الا يتساءل لمَ كلّ هذا الصبر والصمت ؟
ما يضيروهم لو تمردوا لو ثاروا، لو قالوا لا ؟
ماذا سيخسرون ؟؟
في مذكرة الحريق حيث تاتي النار على البراريك وتشتت اهلها ولا منقذ لهم لا من ارض ولا سماء
دلو ماء واحد يعود لبئر المسجد الذي لم تطاله النار.، لم يوفر الزمن وسيلة لحرمانهم وتعذيبهم
فحرق حتى اوهام أحلامهم، حرق فرحهم المحروق اصلا .
لا تفيض  السماء مطرا لتطفىء الحريق، بل تفيض اسئلة تُنزلها على راس هذا الطفل يُسائل بها الزمن ويُقاضيه امام تواطؤه مع الفرنسي والحاكم العميل، والمُشغل الفاسد والحاكم الظالم ، والمغتصب الوقح ، ليرفع السؤال الذي انحشر في زوره منذ سنين : ماذا فعل كلّ المحرومين والجائعين حتى يكون كلّ نصيبهم من الحياة رغيفا أسود؟؟
اختم فاقول: كتاب "الرغيف الاسود " سيرة ذاتية  جريئة وحديثة لكاتب شاب، جاءت لتكون شاهدا على العصر الحديث ، ودمغة في جبين التحضر المزيف .
ملاحظة: ١) تمنيت على الكاتب وقد اهتم بجمع مذكراته بكتاب واحد لتكون سيرة ذاتية هامه ان يراعي عدم التكرار
لاوصاف مثل حرّ البراكة وبردها...
وعبارات مثل الصمت في حضرة الجمال جمال ،
٢) يتحسر الكاتب على العاب زمان المملوءة بالحيوية وينتقد بالمقابل طفولة الشاشات اليوم
وانا ايضا ، لكن حتى تكون منصفين، كيف لنا ان نطلب من جيل محبة شيء لم يعرفه ولم يجربه ،
نحن نحِنُ لما عشنا وجربنا، كيف لهم هم هذا ؟
الف الف مبارك إصدارك الرائع الكاتب حسن المصلوحي بالتوفيق
طرعان ، الجليل الفلسطيني
26/1/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30