الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن والطبيعة

فارس التميمي
كاتب

(Faris Al-timimi)

2022 / 1 / 27
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


منذ أكثر من أسبوعين ونحن في جدل عقيم مع الطبيعة،، ومحاولات فاشلة لإقناعها أن تمنحنا فرصة لكي نذكرها بخير ولو مرة واحدة،، وذلك بأن تُشَغِّل مدفئتها الطبيعية، ومروحتها التي يمكن أن تجلب الرياح الجنوبية الدافئة،، لكي يذوب هذا الثلج الذي يطمر تماما كل ما يقل إرتفاعه عن قدمين،،، وهذا ما لم يحصل هنا في شرقي كندا منذ سنوات،، فقد كان الإتفاق (إتفاق جنتلمن غير موثق طبعا) بينها وبين الكائنات الحية، أنها بعد أن تغضب على أهل شمال الكرة الأرضية غضبها المعهود، وغير المبرّر وترسل عليهم رذاذ المياه المتجمده والذي يتراكم بصورة ثلج شديد البياض،، كانت تتبعها بيومين أو ثلاثة بالتخفيف من حدة الغضب، فترسل مطرا وترفع نسبيا درجة الحرارة لكي يذوب هذا الثلج المتراكم،، والذي يبدو أنه قد تصوّر بأنها أعطته الضوء الأخضر، وأنه سيبقى هنا ضيفا ثقيلا على الناس، الذين لا حول ولا قوة لهم في الغالب على مواجهته،، ليصبح الحال كما هو مع أهالي أقاصي الشمال المتجمد طوال السنة. ولذلك فأنه اليوم يطالع الناس وعلى وجهه الأبيض البراق إبتسامة خبث و تَشَفّي، لأنه على ما يبدو سيبقى طويلا هذه المرة!! ولا يملك الناس مقابل نظرته هذه غير أن يغيروا موضوع الحديث ويتحدثوا بمواضيع أخرى،،، فيروس كورونا مثلا!!

يبدو أن الطبيعة تحاول تغيير مسارها!
نعم،، هذا ما يبدو،، وهناك شواهد على ذلك،، فالمحمود في أخلاق الطبيعة هو جهلها وإفصاحها بسهولة عن نواياها،، ثم رعونتها، وحماقاتها، وتسرّعها في تنفيذ ما تعتقد أنه عليها أن تفعله،،، ويخطئ كل من يتصور أنها رؤوفة بأي كائن حي يعيش على سطح الأرض،، بل الحقيقة أن كل الكائنات في حالة إنذار دائم وتأهب لحماية نفسها وتحقيق الحالة الدنيا من القدرة على العيش،، في مواجهة عنف الطبيعة وسوء أخلاقها ونزقها!

منذ ما يزيد عن ربع قرن،، لم نكن نرى إلا النادر من أنواع العصافير والطيور الصغيرة التي تبقى مقيمة في هذه المنطقة في الشتاء المتجمد،، عندما تكون درجة الحرارة تتراوح بين 10 إلى 25 تحت الصفر،، وتصل في بعض المقاطعات الغربية في كندا إلى 40 تحت الصفر،، وكانت الطيور كلها تبدأ بالهجرة جنوبا من أواخر الصيف وبدايات الخريف، ولا يبقى منها طير إلا من كان غير مؤهل جسميا للطيران لمسافات طويلة،، ويبقى يعاني مع الشتاء القاسي، ثم يموت غالبا إذا لم يتحصّن في موقع دافئ ويحصل على طعامه بسهولة وإنتظام.

من الأمور التي إعتاد الكثير من الناس في العقدين الماضيين على القيام بها، هي توفير الحبوب المختلفة لإطعام أنواع العصافير والطيور، التي تنتشر في الحدائق في الربيع و الصيف بألوانها الزاهية،، فيقدم لها الناس الحبوب التي يشترونها جاهزة ومعبأة خصيصا لهذا الغرض من محلات التسوق للمواد الغذائية وغيرها، فيضعوها في صحون على رفوف أو مساند في حدائق بيوتهم، لجذب العصافير لها للإستمتاع بمراقبتهم،، أو لمجرد الشعور بأنهم يوفرون لها الطعام رأفة بها،، وهذا التفاعل الإيجابي بين الناس وهذه الطيور الجميلة المنظر والضعيفة القدرة الجسمية ظاهريا، وذات الكفاءة والمقدرة على مواجهة قسوة الطبيعة وعنفها أكثر بكثير من قدرة الإنسان نفسه،، كانت نتيجته أن أعطى إشارة لهذه الطيور المسكينة بأن تغيرا مّا قد حصل في بيئتها!! ذلك لأن حسابات هذه الطيور تقوم أساسا على مدى توفر الغذاء لها في محيطها، أما حسابات قسوة الطبيعة والبرودة الشديدة، فهذه تأتي بالمرتبة الثانية بعد أهمية توفر الغذاء لها، ولذلك فإنها عندما إعتادت على توفر الغذاء بهذا الأسلوب المتحضر والمتوفر دوما في حدائق المنازل، لم تعد ترى أهمية ولا ضرورة للهجرة وتجشم أعباء السفر لآلاف الكيلومترات ذهابا وعودة،، ومادام الغذاء متوفرا فلا بأس أن يدوم المقام حيث نحن! وليس ثمة داع للسفر المتعب جنوبا ومن ثم العودة شمالا!
حتى أنه يُخيّل لي وأنا أراقب قدر ما أمكن هذه الطيور، وكأن الكثير منها يبدو عليه أنه لم يعد يمتلك القدرة الفعلية على الطيران للمسافات الطويلة،، بل ربما هو قد وُلد في هذا الجزء الشمالي من الأرض ولم يسبق له أن هاجر جنوبا،، ولهذا يبدو عليه بوضوح البؤس وعدم القدرة على المنافسة على الطعام مع الطيور الأخرى، التي ربما لديها قدرات أكثر على التحمل والصراع،، ولأن الكثير من الناس الذين يهتمون بتوفير هذه الحبوب لإطعام هذه الطيور ربيعا وصيفا، عندما تكون الحدائق مزهرة وترحب بجلاّسها، فأنهم في العادة لا يستمروا في تقديم الحبوب للطيور بعد الخريف، تصورا منهم أنها قد هاجرت كلها،، ويستثنى من هؤلاء أؤلئك الذين لديهم معرفة وملاحظة أدق،، وفي الغالب أؤلئك من المهتمين بمتابعة حياة الطيور ورصد مساراتها وحركاتها.
وهنا تكون قد إتضحت لنا عدة أمور مما يدور في هذه العلاقة بين الطبيعة أو البيئة وبين الكائنات الحية التي تعيش فيها،، ومنها:

• إن الكائنات الحية تحاول دوما تكييف قدراتها للعيش في البيئة الآنية، مهما كانت صعبة وقاسية،، وذلك عندما يتوفر لها وقود الحياة وهو الطعام!
• إن الموروث جينيا أو ما يسمى في العموم غريزيا، ليس من الضروري ولا الحتمي دوامه وإستمراره عبر الأجيال،، عندما يتوفر البديل عنه الذي يعوضه.
• لا يوجد في الطبيعة من حولنا شيئ لا يمكن تغيير شكله،، إذا ما أراد الإنسان تغييره،، والإنسان هو سيد الطبيعة رغم أنه ما يزال ضعيفا جدا جسديا بالقياس لها،، وأقصد هنا ما يحيط بنا طبيعيا من قوانين توزيع الكائنات الحية في الطبيعة،، والتضاريس الجغرافية لحدود بعيدة.
• إن الأقاويل والإعتقادات التي تردّد أن الإنسان مخرّب للطبيعة، وأن عليه أن يغير سلوكه في تعامله معها،، معظمها ليس لها من الواقع نصيب يذكر! نعم،، هنالك بعض الجوانب التي يجب مراعاتها وبدرجة قصوى، مثل أساليب طمر النفايات الناتجة من المواد المصنَّعة، والتي يمكن حلّ إشكالاتها بشكل أو بآخر وبصورة سلسة، ولا تحتاج لتدخل السياسيين الذين يخربون ولا يعرفون التعمير الحقيقي في هذا العالم!

عندما أراقب هذه العصافير البرية الضئيلة الأجسام عبر النوافذ وأنا داخل البيت، أوعندما أكون خارج البيت في جولتي وأنا أخوض عبر أكوام الثلج، للوصول إلى طيوري الأليفة التي عاشت مع الإنسان منذ قرون طويلة، وأنا معجب بقدرتها على تحمل قسوة هذا البرد رغم أنها لم تعد طيورا برية، وهي تعيش بدون أي من تسهيلات الحياة المدنية من تدفئة وحماية من الرياح العاتية،، وأقارن هذه العصافير البرية بالطيور الأليفة،، أقف إحتراما لهذه العصافير التي تكيفت بهذا الشكل وخلال فترة زمنية ليست طويلة،، وأتساءل مع نفسي:

كم كان بإمكان الإنسان أن يبلغ من مستوى تكيفه مع الطبيعة،، لو أنه تعرض لها وتحداها بنفسه وبقدراته الجسمية ولم يستخدم قدراته العقلية؟

هل وجد الإنسان على هذه الأرض أصلا بهذه القدرات الجسمانية الضئيلة،، أم أنها كانت شكلا من أشكال التكيف السلبي؟

عندما تمكن الإنسان عبر آلاف السنين من تدجين الكثير من أنواع الحيوانات،، هل قدّم بذلك خدمة لها للمحافظة عليها،، أم أنها كانت جزءا من تغييره غير المتعمد لوجه الطبيعة؟

هل ما فعله الإنسان سابقا،، وما سيفعله مستقبلا،، سيغير من شكل الطبيعة هذه التي نعيش لحد اليوم تحت سطوتها وعجرفتها؟
أسئلة لها بداية،،، ومادمنا نفكر سوية سنستطيع أن نجد الأجوبة لها كلها،،، وسينتصر الإنسان على الطبيعة قبل نهاية الفلم!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن