الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون تجنيد المتدينين مشكلة ائتلافية أم أزمة مجتمع؟

عصمت منصور

2022 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


فشل الائتلاف الحكومي في تمرير قانون تجنيد المتدينين "الحريديم" بالقراءة الأولى، بعد تعادل الأصوات في الكنيست (54 صوتا مع مقابل 54 ضد) خلال الجلسة التي جرت في السابع عشر من شهر كانون الثاني الجاري، بسبب تصويت عضو الكنيست عن حزب ميرتس غيداء ريناوي زعبي إلى جانب المعارضة ورفضها التصويت لصالح تمرير القانون.
وعلى الرغم من أن تصويت النائبة زعبي ضد القانون الذي تقدم به وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس نيابة عن الائتلاف الحكومي، كان مفاجئا ومن دون إعلان مسبق، إلا أنه جاء في ظل ظروف محيطة معقدة، ووسط فشل الائتلاف الحكومي في تمرير أكثر من قانون، وهو ما يعكس حالة من عدم الانضباط والترهل قد تؤثر على قدرة هذا الائتلاف على الاستمرار، وخاصة إذا ما نجح رئيس المعارضة ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في التوصل إلى صفقة مع النيابة تخرجه من الحياة السياسية،ما يفتح الباب واسعا أمام تشكيل حكومة يمينية موسعة بقيادة من يختاره الليكود لهذه المهمة بعد خروج نتنياهو، وكذلك في ظل حالة من الإحراج يعيشها النواب العرب من أعضاء القائمة العربية الموحدة التي يرأسها منصور عباس، بسبب الهجمة التي تشنها الحكومة على سكان النقب البدو وحالة الغليان التي ترافقها سواء في الشارع او بين مكونات الائتلاف الحكومي الهش أصلا.
مجمل هذه الظروف والمتغيرات، إلى جانب الفشل في تمرير القانون بسبب تصويت عضو كنيست عربية (زعبي) ضده، وتصويت قائمة عربية (القائمة الموحدة) إلى جانبه، أعاد إذكاء النقاش حول شرعية الصوت العربي في الكنيست عندما يتعلق الأمر بقضايا تخص (اليهود)، كما أنه أعاد الى الصدارة مسألة مكانة المتدينين (الحريديم) ومساهمتهم في خدمة الدولة من باب التجنيد الاجباري وكل ما يترتب عليه من مساهمة في عملية الانتاج، والاندماج في المؤسسات العامة، واحترام قيم الدولة وفي مقدمتها مؤسسات القضاء وقراراته.
التعبير الأبرز الذي طعن في شرعية الصوت العربي، لم يكن في الاستخفاف بتصويت زعبي "المستقل" والذي ربط ما بين رفضها إعطاء صوتها لصالح القانون، وما بين ما يحدث في النقب وداخل الائتلاف الحكومي حيث وصف تصويتها بأنه "ضد وزيرة الداخلية عن حزب يمينا أييليت شاكيد" التي تقود الحملة لسن قانون منع لم شمل العائلات العربية، كما عنون موقع "كيباه" صفحته الرئيسية في اليوم التالي للتصويت، وأيضا كما عبرت عنه زعبي في تغريدة لها على صفحتها على الفيس بوك، ربطت فيها بين تصويتها ضد القانون وما بين "سلوك الحكومة الوحشي تجاه بدو النقب وقانون المواطنة الذي يحرم مئات العائلات العربية من لم الشمل"، بل أيضا في ردة الفعل من قبل أوساط حزبها في ميرتس والذين اعتبروا أنها "أعطيت (قوة) أكثر من اللازم" وفق ما نشره موقع كيباه في اليوم التالي 18-1-2022.
على الجانب الآخر، اعتبر أريه درعي، زعيم حزب شاس الديني، والذي يعتبر من أكثر المتضررين والمعارضين تاريخيا لهذا القانون، أن " لا حق للنواب العرب في أن يقرروا باسم اليهود ومن يخدم في الجيش ومن لا يخدم، طالما أنهم لا يخدمون في الجيش"، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما هدد أنهم "إذا ما رفعوا أيديهم لصالح القانون فسوف يتوجه إلى المحكمة العليا، ولن يدّخر جهدا حتى يتم تجنيد العرب في الجيش".
بذات الروحية، وجه عضو الكنيست عن الليكود يريف ليفين حديثه لزعبي مباشرة مستهجنا اهتمامها بقانون التجنيد (الذي يخص اليهود فقط) متسائلا "إن كانت حقا تؤمن بالمساواة؟ ولماذا لا تصوت لصالح تجنيد العرب كذلك".
خلاف تاريخي ومعضلة عميقة
بعيدا عن النزعة التي تنحو إلى الاستخفاف بالصوت العربي ومدى شرعيته عندما يتعلق الأمر بالقضايا (التي تخص اليهود) في الدولة، وحالة الضعف التي يعيشها الائتلاف الحكومي وتكرار ظاهرة سقوط مشاريع القوانين التي يتقدم بها في الأسابيع الأخيرة، أعاد طرح قانون تجنيد اليهود الحريديم في الجيش الاسرائيلي، إلى الواجهة، معضلة تاريخية عاشتها إسرائيل منذ قيامها، وكانت لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية وقانونية تؤثر على مجمل الوضع الإسرائيلي ونسيجه الداخلي.
مع قيام دولة اسرائيل، برزت معضلة خدمة اليهود المتدينين في الجيش، والتي كانت أولى القضايا التي تحمل بعدا ايديولوجيا ودينيا، حيث تصدى لها دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي، عبر تسوية عقدها مع المتدينين تضمنت إعفاءهم من الخدمة في الجيش.
اعتبارات بن غوريون، فندها الكاتب انطوان شلحت في موقع مدار في 28 يونيو 2018 في ورقة تقدير موقف تحت عنوان "أزمة قانون تجنيد الشبان الحريديم: الاعتبارات الأيديولوجية والمصالح السياسية" حيث اعتبر انها انطلقت من عددهم القليل الذي لم يكن يتجاوز الاربعمئة مطلوب للتجنيد وهو ما لا يستدعي خلق أزمة مجتمعية، بالإضافة الى رغبة بن غوريون في تخفيف حدّة التوتر الذي كان يمكن أن يتصاعد في الدولة الجديدة، وميله الى كسب شرعية إسرائيل كمركز لليهودية الأرثوذكسية بعد تدمير المراكز اليهودية التقليدية في أعقاب الهولوكوست، وأخيرا اعتقاد بن غوريون بأن إسرائيل والمجتمع اليهودي سيتطوران في اتجاه تحييد الدين عن المجال العمومي ومن ثمّ اختفاء تأثيره.
العوامل المذكورة لم تتحقق في معظمها، وأخذ تزايد أعداد اليهود المتدينين يشكل عاملا ضاغطا على المجتمع والحالة السياسية، خاصة مع تنامي قوتهم داخل الكنيست، وازدياد حدة الاستقطاب بين المعسكرات السياسية والأيديولوجية المختلفة.
خلال العقود الماضية تشكلت عدة لجان، وقدمت أكثر من صيغة بهدف إعادة صياغة العلاقة بين المتدينين والجيش.
وفي الوقت الذي كانت فيه أحزاب " الحريديم" تتمسك بالمبدأ الديني بأن تعلم التوراة أهم من الخدمة في الجيش، وأن التفرغ للتوراة، يمثل سببا كافيا لإعفاء المدارس الدينية "الييشيفوت" من الخدمة، وأن دراسة التوراة لا تقل أهميتها في مساهمتها الروحية والربانية في حماية إسرائيل، وهي المقولات التي عاد وشدد عليه حرفيا، وكأن الدولة لازالت في بداية عهدها، عضو الكنيست عن حزب "ديجل هتوراة" أوري ماكليف في 18-1-22 حيث اعتبر" أن القانون يضعف تعليم التوراة، والذي يعد أهم من الخدمة في الجيش"، نجد أن المؤسسة الرسمية التي تعبر عن توجهات الأغلبية غير الدينية، سعت الى اجتراح صيغ مختلفة حاولت ان تقيّد الإعفاء الممنوح للمتدينين وأن تضع معايير تلزمهم بالخدمة إلا أنها جميعها وصلت إلى طريق مسدود.
التحول الأبرز في هذا السياق جاء هذه المرة من خلال المحكمة العليا، وليس من داخل أروقة الكنيست واللجان الحكومية.
بعد أن رفضت المحكمة العليا في العام 1970 التماسا قُدّم لها يلزم المتدينين بالخدمة في الجيش، حيث اعتبرت أن القضية ليست من اختصاصها، وهو ما عادت بعد عقد ونصف (1986) لتنقلب عليه، حيث قالت على الرغم من رفضها للالتماس أن الأمر قابل للتقاضي، ليتبع ذلك القرار التاريخي الصادر عن المحكمة العليا في العام 1998 والذي حدد أن " ليس من صلاحية وزير الأمن ان يمنح عفوا شاملا لكل طلاب المدارس الدينية من الخدمة في الجيش".
في أعقاب قرار المحكمة العليا الذي قيد صلاحيات وزير الأمن، تشكلت لجنة "طال" الشهيرة والتي ستتحول إلى المرجع الأبرز في التعاطي مع قضية خدمة أبناء المدارس الدينية في الجيش.
اللجنة التي تشكلت في العام 1999 والتي ترأسها القاضي السابق تسفي طال، قدمت توصياتها بعد عام، وأوصت بضرورة صياغة قانون يعفي أبناء المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، وهو القانون الذي صوتت عليه الكنيست في2002 ويعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة ضمن قيود وشروط، ويلزم هؤلاء الطلاب بالاختيار بعد الانتهاء من التعليم الديني في سن 22 على استكمال تعليمهم أو الذهاب الى سوق العمل والخدمة في الجيش لفترة مقلّصة من سنة وأربعة شهور، والانتظام في الاحتياط أو الخدمة المدنية لمدة عام بدون أجر.
أثار قانون طال جدلا في اوساط الأحزاب الدينية والسياسية، إلى أن أُقرّ في العام 2002 على شكل قانون طوارئ (أمر ساعة) لمدة خمس سنوات، قابلة للتمديد.
رغم فشل القانون في تجنيد أعداد كبيرة من المتدينين للخدمة في الجيش، إلا أنه بقي الإطار الوحيد القانوني الذي حاول ان ينظم العلاقة بين المعسكرين، إلى أن أقرت المحكمة العليا مرة أخرى في العام 2012 أن هذا القانون " لا يفي بمبدأ المساواة في تحمل العبء، ويتناقض مع قانون حرية وكرامة الإنسان" الذي يعد قانون أساس في الدولة.
قرار العليا دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة للدفع قدما بمبدأ " المساواة في تحمل العبء" والمقصود به عبء الخدمة في الجيش، والهدف منه إلغاء الإعفاء الشامل لأبناء المدارس الدينية من الخدمة في الجيش.
الأحزاب الدينية قاطعت اللجنة التي ترأسها يوحنان فيلتسر من حزب كاديما، وهو ما دفع إلى حلها بعد شهر ونصف من تشكيلها، لتتبعها لجان أخرى وتواجه نفس المصير، إما بالفشل في التوصل الى صيغة متفق عليها، أو في تمرير هذه الصيغة في الكنيست وداخل الحكومة بسبب الدور الفاعل للاحزاب الدينية في ضمان استمرار الحكومات التي اعتمدت منذ تولي نتنياهو الحكم على أصواتهم.
أبعاد الأزمة
إضافة إلى الأبعاد السياسية وأثرها على استقرار الحكومة، فإن الفشل المتكرر في التوصل الى صيغة تقيّد إعفاء اليهود المتدينين من الخدمة في الجيش يخلق حالة من الاستقطاب والتوترات والاحتكاكات الداخلية بين معسكري المتدينين وغير المتدينين في اسرائيل، وتهدد نسيج المجتمع الداخلي، خاصة في ظل وصول أعداد المعفيين إلى ما يقارب 65 ألف شخص في العام 2015 وفق إحصائية الدكتور اساف ملحي في دراسته "تجنيد المتدينين للجيش برؤية زمانية" بعد ان كانوا مجرد 400 عند قيام الدولة.
العامل الاقتصادي حاضر أيضا ضمن هذه الاعتبارات حيث يؤدي تفرغ طلاب المدارس الدينية لدراسة التوراة إلى تراجع مكانتهم في سوق العمل، على الرغم من أنهم يمثلون حوالي 13% من مجمل تعداد السكان وفق دراسة نشرها مركز أبحاث الأمن القومي في 2021، حيث تقلصت نسبتهم من 63% في العام 1980 الى 37% في العام 2013 وذلك بسبب العائق الرئيسي المتمثل في تكريس وقتهم لدراسة التوراة، وهو ما عبرت عنه دراسة نشرها موقع "ذا ماركر" في العام 2017 خلصت فيها إلى أن " متدينين (حريديم) كثر لا يجتازون الصعوبات الأولية في سوق العمل، ولا يُطلبون لمقابلات عمل ويعانون من صعوبات في الوصول للمعلومات" بسبب عدم خدمتهم في الجيش وعدم اندماجهم في المؤسسات الاكاديمية.
الباحث يوفال بوعز يلفت في مقالة نشرها في موقع "زمان" في 7-1-2022 إلى أن عدم النجاح في تمرير قانون الإعفاء من الخدمة للمتدينين، ستكون له آثار سلبية على قوة المحكمة العليا والسلطة القضائية، بعد ان استنزف الساحة الحكومية والكنيست والتأجيل اللا نهائي في تنفيذ أمر المحكمة بذريعة الانتخابات او التركيبة الخاصة للائتلاف الحكومي.
يوفال يعتبر أن المحكمة تعي أن قراراتها نظرية، وأن امتحان تنفيذها يقع على عاتق الحكومة، وأن أي إخلال في هذه المعادلة سيقوض هيبة المحكمة العليا ودورها ، معتبرا أن أفضل مثال على هذه الحالة هو " قضية تجنيد طلاب المدارس الدينية"، وهو ما يتكرر في كل مرة من جديد لغير صالح تنفيذ القانون.
البدائل
الحالة المستعصية والآثار بعيدة المدى للإبقاء على الوضع الراهن، دفعت الى البحث عن بدائل تتجاوز الصيغ التي اعتمدت حتى الان، وأبرز هذه المحاولات ما نشره "يوفال بن زمين" في موقع الكنيست في العام 2021 تحت عنوان " الطريق الثالث: كيف يمكن تغير مسار التجنيد في ظل غياب القدرة على تغيير القانون"، داعيا الى الاستفادة من مسارات التجنيد "المخففة" التي يصممها الجيش للمشاهير والحالات الخاصة وسحبها على المتدينين.
يوفال يستعرض الأسباب التي قادت إلى بروز توجهات لدى دول غربية في الاستغناء عن الخدمة الالزامية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية او عملياتية عسكرية في الرغبة في بناء جيش"صغير وذكي" ويخلص إلى أن جزءا منها فقط "ينطبق على حالة الجيش الاسرائيلي"، وأن بقاء الوضع على حاله ينذر بتفجر المزيد من الأزمات الداخلية وبالتالي يجدر التوجه إلى "طريق ثالث" يستوعب التناقضات الداخلية وأزمة اليهود المتدينين، ويأخذ بالاعتبار المتغيرات التي تطرأ على تركيبة وبنية المجتمع الاسرائيلي ومحيطه العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية