الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقهي ماركس : شاعرية حكي أنثي الخفة الباحثة عن عزلة البهجة المغرية

محمد احمد الغريب عبدربه

2022 / 1 / 27
الادب والفن


بحث عن العالم الضائع وصياغة مشتتة للعوالم المحيطة والأشياء تمارسها بعض الأصوات النسائية في القصائد الافتتاحية لديوان الشاعر أشرف يوسف المعنون بـ "مقهي صغير لأرامل ماركس" عنوان صغير "متتالية شعرية"، فالصورة الحكائية متجسدة في الفاظ شعرية تعبر عن هذه الأصوات فدائما الأنا الانثوية تحكي وتعبر، وهذه الحكي الشعري المشهدي يطرح تسائلاً هل الامر يتعلق بمحاولة لتفريغ الكبت في حالة يسارية كلاسيكية، أم تعبيرات نفسية عدمية مهزومة.
الكلمات الخشنة والتعبيرات المنفعلة مع روح شاعرية متمردة وبعض المعاني الجمالية المجازية تتراقص في تفاصيل الأبيات الشعرية في الديوان، هذا المزج يؤدي الي توتر شاعري حزين وتأمل ذاتي لهذه الاصوات النسائية التي لا تكف عن النباح الصوفي والتمرد المكشوف وتعرية بها غواية للدخول في تخيل تفاصيل وعوالم أخري لا تتضمنها الكلمات الشاعرية. ويحاول المقال اعطاء بعض الاضاءات علي قصائد في الديوان، الذي يتميز بالزخم الجمالي والشاعري والفلسفي، فيمكن القول ان بعض القصائد يمكن الحديث عليها في دراسة مطولة لوحدها.
ولكن هناك كثير من الملامح والسمات تميز الديوان وتعبر عنه وبعض الافكار بين القصائد تمثل عمودا فقريا للديوان في مجملة، ويمكن القول ان التناقض سمة اساسية في الديوان، وروح الانثي المختلطة بين العدمية الشاعرية والحماسية الثورية والتأملات الأيروتيكية الخاطفة التي تعبر عن أشياء متنوعة، كما أن تبعثر المعني بشدة وعدم تراتب الافكار ولكن في اطار جمالي قد يؤدي الي معاني مختلفة فهذا يفتح باب التأويل وتعدد القراءات، فالقصيدة الواحدة تحمل خطوط متبعثرة يمسكها اطار واحد، هذه الروح التفكيكية اضافت بعد جماليا للمعني بكشل مدهش للديوان.

انثي الخفة المستبعدة
في أحدي القصائد تدفع الروح الانثوية عشيقها الخالد في الذاكرة الي القوة والتمرد والثورة ثم تضعه في نهاية ليلة المعارك الكبري، وفي حضنها الدافيء من اجل نسيان حلمي شاعري ودائما محرض للتضحية والخسارة دون مقابل، ثورة بلا توقف، ثورة بلا مقابل وتمرد حزين مليء بالتضحيات الشاعرية. وتقول القصيدة علي لسان شاعرها الحائر في نبضات ومعارج الرحلة نحو الحب المقدس " كن جباراً يا عشيقي ولا تمهل روحي/ عناقاً لوداع/ ولاتبتئس لأجلي/ أنا مجرد بطلة حالمة/ أرادت أن تحرقك بين أكوام من الزبالة/ ثم تعاد بين ذراعيها البضتين/ رماداً... له طعم ولون ورائحة/ ونسيان أبدي".
عجوز نحيب الثرثرة
وفي قصيدة من الاصوات النسائية، ترتدي عجوز ملابس العالم المفقود الحاضروتحكي شاعرية تفاصيلها بغزارة في صالونات اليساريات المتقاعدات وأحيانا في سراديب عزاء المرحوم كارل ماركس. حيث تقول القصيدة " لسنا سوي مجرد صورة لشلة في مقهي صغير/ يدعي "أرامل ماركس/ أليسوا هؤلاء من ظنوا بأن أرخص ليال/ بلا حكي/ وكأنهم باعة جائلون للصمت/بين دخان المداعة ورمية النرد/وأن الطيور المهاجرة/ليست حزينة لمصير حب طاريء/ أتلفه النقصان/جب سماع ألم صوتي/ من بين صوتي/ من بين شجن لتوليفه غياب ضربت حناجرهم هم مثلي ومثلك متعبون". هذا العجوز خفيف الظل تقضي حياتها بخفة مثل خفة كونديرا المعتادة، حيث تهتم بتذكر أثر اللذين رحلوا والسابقين وتجلس للثرثرة علي مقهي مع اصحاب المعاني الكلاسيكية للحياة ولكن ارواحهم مثلها،مجرد اطياف تحكي بشاعرية حالها.
سارقة الروايات القصيرة
في قصيدة بعنوان خلود نادر أو الأم الشاعرة، تهرب الفتاة من العالم، ويبحث عنها الناس، تعيش في الروايات القصيرة، تسير بخطي خفيفة علي حكايات الأخرون، ينتصر الشاعر لها، ويحررها من العلاقة المعتادة بين القاريء والراوية، فهي تنسج هذه الروايات بنفسها من اجل ان يصبح العالم روايات متسعة تقرأها كلما شعرت بالملل والوحدة، وتقول القصيدة بعنفوان ونزق لا يتوقف عن التوتر والهذيان الصوفي "اسمع رواية قصيرة من متصل/ وهي تبث من الميكروفون/ وتضربني في الليل بواسطة شخوص/كانوا وحيدين بين سطورها/ولا يتوقف الأمر عن هذا الحد/بل يتجاوزه للخبل إذا قرئت قصتان/ في آن واحد/ كأن يجالس راو عليكم مذكر قصته/ التي يحاكيها في مقهي صغير/ وكان لابد له أن ينال رداً مضاداً". وتتداخل تفاصيل الواقع والمتخيل بواقعها، فتصبح بنفسها تنسج هذه المشهدية القصصية، الحد الشاعري هنا اصبح في طور الجنون، فهناك الالفاظ الجمالية والقصة وتداخل العوالم، كل ذلك يصنع لذة في هذه القصيدة بشكل متجدد.
العزلة ذات البهجة المغرية
يلاحظ أن احساس الوحدة والشعور بالعزلة ووحشة العالم، ونسيان الوجود للذات ملامح تغزل القصائد والروح الشاعرة، والاشياء الجميلة مثل أزهار البنفسج واجنحة الطيور وحفيف الاصوات، تندمج مع الأنثي التي تميل بشكل دائم الي الروح الشيوعية والحب والسلام والتسامح، ومناجاة الوجود بعبير شاعري حزين. حيث يقول الشاعر " أنا ابنة رجل شيوعي أوصاني بالحب كحق مقدس يجيء ويذهب أنا "هند كلفت" بالأمس حلمت بكم تقبلون باطن كفي وكنت سعيدة".
يسترسل الشاعر هذه العزلة ذات البهجة المغرية بكلمات حيث يقول " هل تذكر يا صاحبي تلك اللية التي كنت عائداً من بيت معشوقة سرية ألهمني الله وحماستك لعينيها الطيبتين أن أحبها بجنون ذهب بعقلي" فالامل وروح الملاك البريء الذي يزورالحجرات، والحديث مع الصديق، والبكاء علي اطلال الذكريات وامتداح المستقبل بنكهة النسيان والتذكر، فالعشق امر محسوم ويستمر ويناكف اروح الجالسون والمارون، والحالمون، العشق هنا ذات ملامح مختلفة وغير معتادة يأتي بشكل شاعري نحو الحكي والتمني والاجلال والرهبة والخوف والتناقضات والمجاز والسعي نحو التحجب والظهور.
تناقضات لا تبرح مكانها
واستمرار للتناقضات يضاجع الشاعر القبيح بالجميل، المزدري بالمحتفي، والمستبعد بالمرغوب فيه، فيقول الشاعر "صارت الحياة ضجرة يا صاحبي وصار الملاك طيفاً أشم رائحته الفواحة كشجرة ثلجية تشبه الحب الصحيح". وينتقل الشاعر الي تناقضات الايروتيك الحسي، في صورة بلاغية بين انثي حائرة وفحولة تعرف هدفها، بين تحقير الجنس وتمجيده، وبين الحب ذو النشوة الفجة، والشبق الكريه، تمر المشهدية بين تناقضات عدة، وبين حسية مترفة ومليئة بالألفاظ الفاحشة التي تعطي جمالا شاعري لامحدود، يتجدد مع كل لفظ يؤكد المعني عن هذا الشبق المليء بالتفاصيل والحركة المشتغلة بلا سكون حتي لحظة، اراد الشاعر ان يشعل عاطفة ومشاعر القاريء بتناقضات شبقية لاشياء تندهش لها النفس، وتقول القصيدة " كالكلبة الحقيرة التي تكره اللحس المستمر بين فخذيها وبودِّي أن يحشر عضوه الصغير بين بظري الناقص وشفرتَيْ وردتي التي عادة ما أتخيلها غرفته التي بودِّه الارتماء فوق مخداتها، كأنني أجرِّب دخول الحدائق كمراهقة مرتبكة تلسعها الوحدة/ ويصير هو صيادًا لطيفًا بودِّه ألا أفلت/ من بين يديه دون تسديدة لسوتيان معطر/بحلَمتين غليظتين".
غرائبية المشهد
الشاعرية الغرائبية والصورة المتناثرة تسود في ديوان يوسف، وتتفوق علي نفسها في صور يومية وحياتية مليئة بالفجاجة والشبقية، كأننا امام نص يناجي شهوانية القراءة ولذية النص المفرطة، فهناك حالة تفكيكية للمعني وابراز تناقضات الحياة والعلاقات، ويبدو ان الانثي تسود هذه الغرائبية وتمنح خصائصها النسوية، فالكائن المحرك والروح المحفزة تكون غواية التفاحة وخيال انثي جامح، فيقول الشاعر "أنا تاء التأنيث لإناث محنطات ظنن الحب ورداً لا يدخل الخلاط ويضرب بداخله.. أنا تمام ونقصان".
كلمات هجائية
يعاتب الكتابة، وخيال النص، يحادث نفسه حول حروف وكلمات نصه، وعلاقته الشهوانية بلذة الكلمة وعنفوان الحرف، وكأنما يريد القول أنه منذ متي والكتابة تعاتب من حفزها علي الهجاء فلا انتصار امام حرف اعلن حربه الضروس ضد الكبت. فعندما يحادث الكاتب نصه يشعر بالخجل وانه امام روحه التي خسرها للتو ففي ليلة ساخنة تداعب كلماته خياله المتقد وتجعله يشهق ويصل لذروة المعني وفي يده شبق غانم يسيل. فيقول اشرف "كفت القصائد عن ملاحقتي في الاماكن والوجوه وصارت من حين لاخر مرحة وتلاعبني لانام مدة ساعتين وتوقظني لاشرب شايا وادخن حشيشة ثم اتمدد في سريري لتركب فوق ركبتي وتهزني بضراوة لم أذقها من قبل".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل