الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برلمان لمحاسبة البرلمان على فساده!

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2022 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تنشئ الدول الديمقراطية البرلمانات كأجهزة تشريعية ورقابية لمحاسبة الجهاز التنفيذي (الحكومة) على فسادها أو تراجع إدائها الخدمي، فمن يحاسب البرلمان إذا ما كان هو ذاته (كأعضاء أو كتل حزبية) فاسداً؟
وبتطبيق هذا الكلام على برلمانات العراق الديمقراطي، منذ 9/ نيسان/2003 إلى اليوم، نجد أن الحلقة الأكثر فساداً وتعطيلاً للإداء الحكومي في البلد هو البرلمان لا الحكومات. بل والأدهى هو إننا نجد – من الناحية العملية – أن كتل البرلمان السياسية والحزبية هي التي تحكم وتنفذ السياسات الحكومية وليس جهاز الحكومة الوزاري والإداري.
فبحسب التسريبات الانفعالية والكيدية التي يطلقها بعض نواب البرلمان (ممن تتضرر مصالحهم بسبب عدم عدالة تقاسم كعكة موازنة الدولة فيما بينهم، وهي صارت، وبتوالي دورات البرلمان، أكثر من تصريحات انجاز التشريعات أو جلسات المحاسبة للإداء الحكومي) صرنا نعرف أن أغلب نواب برلماناتنا متورطين بالفساد المالي والإداري وإننا بحاجة لبرلمان يراقب ويحاسب برلماناتنا (المنتخبة)!
نكتة سمجة في ظاهرها، أن يكون هناك برلمان لمراقبة إداء ونزاهة برلمان منتخب، ولكنها في الوضع العراقي المختل، تبدو حاجة منسجمة، رغم اختلالها وخياليتها، مع اختلال كل الموازين والمعايير التي يدار بها العراق حالياً.
فالبرلمان العراقي (ممثلاً بكتله وأحزابه السياسية، كما تسمي نفسها) هو من يعيق انتخاب رئيس له، وهو من يعيق تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، وهو من يعيق انتخاب رئيس الجمهورية، بل هو من يعيق نفسه من أجل أن يعقد جلساته ذاتها، وكل هذا بسبب نزاع رؤساء الكتل السياسية التي تشكله، فيما بينهم، من أجل الاتفاق مسبقاً، على تحديد حصصهم وضمان حدودها، في السلطة وموازنة الدولة وباقي مصادر الثروة، فكيف يمكن للشعب أن يراقب أو يحاسب إداء مثل هذا البرلمان المختل، بغير أن يكون له برلماناً نزيهاً وأكبر سلطة من هذا البرلمان؟
هل أكمل هذه النكتة الثقيلة بالتساؤل: من أي شريحة أو شرائح سينتخب الشعب مثل هذا البرلمان، والأهم: هل سيسمح برلمان الكتل والأحزاب التي تقتسم سلطة وثروات العراق بإنشاء مثل هذا البرلمان؟!
في كل بلاد العالم ينتخب الشعب البرلمان لمنع الفساد إلا في العراق الديمقراطي، شكلت الأحزاب والكتل السياسية البرلمان من أجل شرعنة فسادها وتمريره بثوب القوانين التي لا تقبل النقض أو المحاسبة!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمنذ العاشر من أكتوبر من العام الماضي، أجريت انتخابات البرلمان العراقي الأخير (وهي ليست انتخابات دورية، بل هي انتخابات مبكرة جاءت نتيجة ثورة شعبية وعلى أثر اسقاط حكومة فاسدة) وها نحن على أعتاب نهاية الشهر الرابع من عمر انتخاب هذا البرلمان، ومازلنا بجلسة يتيمة له، مشكك في شرعيتها وانتخاباتها لرئيسها وملاحقة قضائياً، لا لشيء أو لسبب غير إن رؤساء كتل هذا البرلمان لم يتوصلوا إلى صيغة اتفاق نهائي يؤمن لهم نسب حصصهم من السلطة وموازنة الدولة ومنافذ الثروة الأخرى... والطريف أن هذه الكتل تعرف تماماً أن الشعب يعرف هذا وأسباب نزاعاتهم الأخرى، ولكن، ومع ذلك، فهم مصرون على انفاذ ما يريدون وما تتطلبه مصالحهم، حتى لو تأخر تشكيل الحكومة أعوام، بل وحتى لو خرب البلد بكامله (بعض الأحزاب والكتل هددت فعلاً بتخريب البلد ورفع السلاح ضد خصومها)، فمن يا ترى قادر على محاسبة مثل هذا البرلمان الفاسد وأعضائه وأحزابه، ورؤساء كتله يمتلكون السلاح والمجاميع المسلحة وقطاعات ووحدات من أجهزة الدولة الأمنية ذاتها؟
من يصلح الملح إذا الملح فسد؟ أو بم يُملح إذا فسد الملح؟
من يحمي المواطن وحقوقه إذا كان الجهاز الرقابي الذي ينتخبه هو سبب الفساد المستشري والمشرعن في البلاد؟ أ برلمان يراقب عمل البرلمان المنتخب ويحاسب أعضاءه على نزاهة ادءهم، وقبلها على نظافة ضمائرهم؟ من أين نأتي بهذا البرلمان ومن أي وسط ننخبه، والبرلمان الذي يشرعن الفساد يقول إنه منتخب من قبل الشعب وهو من يدعي تمثيله... وبقوة المال والسلاح، إذا لزم الأمر؟!
منذ البرلمان الأول لعهدنا الديمقراطي الزاهر (جداً) ونواب البرلمان ووزرائه يخرجون علينا (كلما سرق أحد زملائهم أو أحد رؤساء الكتل جزءاً من كعكتهم) ليعلنوا أن بين أيديهم ملفات فساد ضد غرمائهم لو كشفوها للشعب لشابت لهولها رؤوس الرضع وجنت رؤوس البالغين، فلمن يحتكم هذا الشعب المغلوب على أمره يا رب العراقيين ورب الديمقراطية التي فرضها علينا الأمريكان؟
وهذا يعني في حساب نسبة الحقل إلى البيدر، أن تسعين بالمئة من أعضاء برلماناتنا الموقرة (وهذه النسبة كي لا نتهم بالتعميم والاطلاق فقط) فاسدون ويتسترون على الفاسدين من شركائهم، فمن ينصف الشعب من برلمانه الفاسد يا ديمقراطية الانتخابات والبرلمانات؟
أ بمرلمان يراقب البرلمان الذي يدعي أنه منتخب من الشعب وإنه ممثله الشرعي؟ أيعقل أن ننتخب برلمان ثاني ليراقب إداء برلماننا المنتخب ونصير اضحوكة للعالم بكوننا الدولة الوحيدة التي لها برلمانان؟
المشكلة ليس في السخرية التي سنسمع من العالم إذا ما فعلناها، بل المشكلة ستأتي من جانب من سيستطيع منع الأحزاب والكتل المتسيدة على الساحة والسلطة ومفوضية الانتخابات، من أن تستحوذ على البرلمان الجديد وتحيله إلى برلمان أكثر فساداً بتستره على فساد البرلمان الأول، وهي تملك الأموال والسلاح ومن يحمله ومستعد لإطلاقه على جميع الجهات التي يشير إليها رئيسه؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا