الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتاتورية - ذاكرة ، هاجس ، ممارسة -

احمد صحن
كاتب وباحث

(Ahmed Sahan)

2006 / 9 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


"الدكتاتورية" ذاكرة ، هاجس، ممارسة

منذ أمد بعيد أصبح مفهوم الدكتاتورية يُقشعِر الأبدان ويعطل الأذهان لما للعراقيين من تصورات معه، عن أحداث مريرة ارتبطت بالذاكرة السياسية العراقية. و تُعد مرحلة نظام صدام هي الأكثر خطورة، من حيث استيعابها لحيّز كبير من مساحة تلك الذاكرة. ومع ذلك تناسى العراقيون وجهدوا على ان يتجاوزا وطأة تلك الذاكرة وهواجسها ، عندما أُزيح هذا الكابوس الذي أرّق العراقيين سنينا عجافا وأذاقهم المرارة والأنين . ولحظة رشفَ هذا الشعب من كأس الحرية لأول مرة، لقاء ذلك السقوط الفاضح للفاشست، وعلى الرغم من رفضنا القاطع لكافة أشكال الدكتاتوريات، إلا أننا لم نعمل على تجسيد هذا الرفض في ممارساتنا السياسية التي تتطلبها مرحلة ما بعد التغيير ، وحينما سعى هذا الشعب لان يزيح ثقافة الطغيان، انتاب الجميع خشية من عودة الدكتاتورية من جديد لتكبل أغلالها سواعد هذا الشعب، وقد تغدو عصية على الانكسار ، لكن هذه الهواجس لم تثن عزيمتة فراح يعمل وهو يحبو، لأجل رسم خط الانطلاق على ارض واقعه الدامي. وحينما حاولت الجهات المعنية ـ امريكا وحلفاؤها ـ إلباس الشعب العراقي لباس الديمقراطية ، غاب عن ذهنها تأثر هذا الشعب بقيم الدكتاتورية تأثرا كبيرا،وبدأ هذا التاثير يعمل بسبب كمون السلوك الدكاتوري عقوداً وسنوات من القهر ، ما ترك سماته على مساحة كبيرة من جسد الثقافة العراقية، فأصبح هاجس الجميع والخشية من ابدال الدكتاتورية بأخرى أو كأن يصبح الحال تمهيد طبيعي ـ نظرا للاخفاقات الكثيرة ـ لعودتها ثانية. فتحول هذا الهاجس الى سلوك مزدوج تهيمن عليه الممارسات التقليدية في ادارة الحكم المنعقد على ثنائية السيد والعبد وفقا للمنظور الشرقي للحكم، وهذا راح يهيمن على العراقيين بواقعية اكثر من ان يبدو هاجسا وحسب. ولقد بدأ هذا التأثير يعمل مباشرةً وبشكل متواز مع الاستيعاب التاريخي لنمط الدكتاتورية.
وبعد زوال دكتاتورية الدولة بدأت إفرازات هذا التأثير تعمل في فضاء الحرية المفترض المتاح للشعب، ومثلت تلك الافرازات السلوك السياسي الجديد للذات العراقية وصراعاها الداخلي الحثيث مع دكتاتوريتها السابتة، لتهرول هذه المرة دون بوصلة، باتجاه صعيد مليء بالشوك، والسير عليه جميعا بذات الآلية العتيقة، من دون الوعي السليم بخطورتها على مسيرنا .. تلبست ثقافة الدكتاتورية في عقول العوام. ورغم بساطة التلبس هذا في الممارسة البادية على سلوك الإنسان العراقي، غير أنها تعمقت وكبرت عندما أشتدت ظاهرة التحزب وعندما كثرت الأحزاب السياسية في العراق..التي وفدت أرضه بعد انهيار شبح الدكتاتورية وبالطبع منها من كانت له نظالات ضد التسلط والاستبداد ومنها من نشأ ضمن سياق الأحداث التي مر بها العراق بعد مرحلة التغيير، وبطبيعة الحال فهناك صراع بين هذه المكونات السياسية فكل منها يريد إثبات وجوده وأحقيته في المرحلة الحالية والمقبلة ومحاولة تصديه إلى لائحة العمل السياسي إضافة الى ذلك أن أغلب هذه المكونات والأحزاب امتلكت الهاجس من عودة الدكتاتورية وهو ما يبرز من مفارقة تدعو للخشية على مستقبل العراق عندما تحاول معظم هذه الاحزاب ان تدخر الدكتاتورية زادا ان لم تكن قد مارستها دون ان تعي الى مثل هذه الحالات التي تندرج ضمن جدولة برامجها السياسية. وما إن انتشرت تلك الأحزاب بسرعة قصوى وإكتسبت الشارع والساحة السياسية العراقية حتى بات من الواضح ممارسة الفرد العراقي المتحزب مع العراقي الأخر ..وهنا دخل العراق مرحلة دكتاتورية جديدة أكثر وطأة من دكتاتورية الدولة لينتقل إلى دكتاتورية ( الفرد) المنبثقة من ارثنا الثقافي والسياسي ذي الامد الطويل من خلال واقع الحال وليس باختياره لأن واقع العراق يقرأ من خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي عاشها بالصخب السياسي المصحوب بالممارسة الدكتاتورية المبطنة والمعلنة احيانا.
وحتى تتخطى تلك الاحزاب الصعاب وتتسلق الى القمم يجب أن يكون لديها قرأءة في واقع العراق السياسي ، ذلك الواقع الذي أشبعته الدكتاتورية دما وبؤسا وتخلفا لان التغيير القادم من الخارج قد اتى بلباس الديمقراطية ـ وان كان مفروضا ـ وهذا الإتيان قد يقوض مساحة العمل السياسي الشامل وحسره بين القادم وما هو سابت في النفوس ليصل الامر الى التقاطع بين ديمقراطية النظام المفروض والممارسة الدكتاتورية .
يُزعم ان العملية السياسية قد تقدمت في العراق، من انتخابات ، وكتابة دستور للبلاد ، وحكومة دائمية ، لكن كل تلك الخطوات لم تنقل الشعب العراقي من حقبة ما قبل النظام الى ما بعده ، وقد أضحى الفرد العراقي فاقد لنعمة الامن الذي اثر تأثيرا كبيرا على الرؤى السياسية الثاقبة ، اما النظر الحاسم والسعي البناء من اجل الوصول الى نهاية النفق و ايضا من اجل التخلص من الدكتاتورية فلن يتحقق مالم نزح من أمامنا كل ترسبات الدكتاتورية القابعة في نفوسنا مع علمنا ان آثاروجودها واسباب انبثاقها نفسية بحتة ، وعدم الإدراك بذلك ينذر بخطورة المشهد السياسي العراقي..

آب- 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد