الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم

ماجد صفوت استمالك

2022 / 1 / 30
الادب والفن


خبر صغير نقلته الجرائد الفنية عن اعتزال مخرج افلام الخيال و شراءه ألة الاحلام التي اثارت جدلا في الفترة السابقة ، و ذكر الخبر عن بقاءه بمفرده في منزله الريفي مع لعبة الاحلام وقلق من حوله علي سلامة قواه النفسية و العقلية خصوصا انه فعلا يتهم بالجنون بعد كل عرض لـ فيلم جديد له لا يفهمه أحد الا القليل من معجبيه غريبي الاطوار ، لم يلقي خبر اعتزاله اي أهمية في الوسط الفني فقط شعور بالارتياح عند شركة الانتاج الملزمة بتنفيذ افلامه ولم تستحي الشركة عن التصريح بهذا الارتياح

بدأ الامر منذ عام عندما اعلنت شركة برمجيات ناشئة عن صنع ألة احلام يختار فيها الإنسان ما يحلم و يضع كافة تصوراته من مشاهد و الوان و ملمس بل و روائح ، وتستخرج الآلة الصور و الاحداث من عقل الإنسان في ثواني و تجعله حلم يغرق فيه خلال نومه ، وقالت الشركة ان استعمال تلك الآلة سيكون متاح للجمهور بمقابل مادي في مكان ترفيهي في احد المولات فور انهاء الاجراءات القانونية ، وبرغم الدعاية الجيدة و ترقب نجاح المشروع فقد ظهرت اعتراضات بأن هذا المشروع يحث الشباب علي الهروب من الواقع الي الاحلام التي لا تبني وان تلك الالة تنتمي الي التكنولوجيا الضارة الهدامة ... في دفاع مبتكري الجهاز قالوا ان الامر محض ترفيه فلا يختلف دخول تلك الالة عن دخول السنيما و مشاهدة فيلم ثم معاودة الحياة اليومية ...

لم يكن هذا الدفاع كافيا لإسكات المعارضون بل زادهم استماتة في رفض الفكرة الجديدة ، زاد الامر صعوبة عندما تدخل رجال الدين و قالوا أن هذه الالة من مذهبات العقل حيث ان من فيها لا يشعر بما حوله فهي بذلك لا تزيد عن كونها مخدرا الكترونيا حديثا وهو الاخطر علي ابناءنا من جيل الشباب، ألقي رجال الدين برأيهم هذا وسط المعركة الفكرية التي واجهت مشروع ناجح لشركة واعدة ، فتأخرت الإجراءات القانونية و تباطيء اصدار التراخيص ، و انتقلت المعركة الي ساحة القضاء عندما تقدم محام شاب الي النائب العام ببلاغ ضد الشركة و مشروعها المرتقب

أثارت هذه الاحداث خيال مخرج الخيال ، فتقدم بطلب لفحص الألة مستعينا بشهاداته العلمية التي درسها قبل أن يتجه للإخراج السينمائي ووافقت الشركة لعل إفادته تساعد موقفهم المتدني في القضية ، و بالفعل اتم الإجراءات القانونية و ذهب الي مقر شركة البرمجيات و بدأت التجربة التي لم تستغرق أكثر من ساعة تم توثيقها بالكامل و عرضت شهادته أمام المحكمة فجاء فيها أن أحلام الألة واقعية الي حد كبير و تعكس لكل إنسان ما هو مخزون بعقله الباطن فيتعري أمام ذاته ويحلم بأكثر ما يتمني ويرغب و تزداد شهوته لتحقيق هذا الحلم فيخرج بعدها مدفوعا برغبة ملحة في أن يحيا في واقعه ما رآه ف الحلم" ...

بعد بحث و استيفاء كافة الإجراءات القانونية كان الحكم برفض المشروع و تجريم استخدام تلك الآلة إلا لمالكها فقط ، لأن خروج ما في النفوس يمثل خطر و يهدد الأمن ، فانطلقت الحناجر تهتف للعدل ف اسكتت اعتراض أصحاب شركة البرمجيات التي أشهرت إفلاسها وضاع حلم مبتكري الجهاز مع عمل سنوات ، فتقدم مخرج افلام الخيال لشراء ألة الاحلام بمبلغ ضخم ليعوض أصحابها عن خسارتهم التي تسبب فيها وحتي يحق له استخدامها فإعتزل في منزله الريفي و صار يعيد الحلم نفسه مرات و مرات و كتبه في مذكراته ثم نشره في كتاب لم يلقي رواجا كبيرا

جاء في كتابه أنه كل مرة يستخدم فيها آلة الاحلام كان يعيد علي نفسه حلم واحد بعينه ، حلم يبني فيه لنفسه و لمن حوله واقعاً أفضل و حياة اجمل من هذه ، كان يحلم انه بطريقة ما استطاع ان يسافر عبر الزمن و يرجع للماضي السحيق ، قبل تكوين الممالك و قبل توغل الأفكار و تغول المعتقدات ، وحتي قبل الاديان ، أراد ان يغير تاريخ البشر ... في كل افلام الخيال العلمي السابقة حاول المخرج تغيير التاريخ إما باستخدام العلم الحديث قبل وقت إكتشافه أو باستخدام المعرفة التاريخية للاحداث قبل وقوعها ، أما في فيلمه هذا أراد أن يغير التاريخ بأن يعلم البشر في ذلك الماضي البعيد مجموعة القيم الحضارية التي توصل اليها البشر بعد آلاف السنين من التطور ، فعلمهم أولا ديموقراطية الفكر و القول و الحكم و أن لكل إنسان منهم حقوقه وعلي الاخرين أن يضمنوها له ثم حدثهم عن التعددية و قبول الاخر فنتج عن ذلك شيء من التعايش السلمي ولم يكتفي بأن يودع هذه القيم في الضمير الإنساني كما فعل يسوع الناصري و آخرون بل صاغ كل ذلك في قوانين يخضع لها الجميع، ثم إهتم بجعل الاخلاق مجردة من قيود الثواب و العقاب وزاد من قيمتها في الاذهان كما زاد من قيم الجمال و الحرية و الحب ... كان يعرف ان هذه القيم هي السبب في ارتقاء البشرية عندما اقتناها البعض في السنوات الماضية فأراد ان يدفع بها في عمق التاريخ الإنساني ثم يرجع بعدها إلي عالمه ليري نتيجة تطور البشرية عندما تحيا الحضارة لآلاف السنين ، يستيقظ مخرج الخيال بعد هذا المشهد فحتي خياله لم يكن كافيا ليخبره مقدار التغيير في حياة الإنسان ان اقتني تلك المباديء ...

#عصرماقبل_الحضارة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي