الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة النشر الالكتروني وفق القانون العراقي

سيماء علي مهدي

2022 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


من الحقوق المسلم بها لأي إنسان في قوانين العالم حرية الرأي والتعبير ، التي تعد بدورها المرآة العاكسة لرأي المجتمع وتطلعاته ، وبها يقاس تقدم الدول من عدمه ، هذا وقد كرس النظام الأساسي للدولة ( الدستور ) في المادة 38 "تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً : حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون"، فوسائل التعبير تتعدد بحسب الوسائل المستخدمة للإدلاء بالرأي سواء أكانت صحفا أم خطبا ام أي وسيلة من وسائل الذيوع والانتشار ، ومن أبرز الوسائل التي أتت نتيجة للتطور العلمي تقنية الاتصالات التي بدأت تتطور وتنتشر يوما عقب يوم حتى أضحت الشبكة العالمية( الانترنيت) الوسيلة السمحة بنشر الافكار والآراء في ثواني, لكن, بالرغم أن هذه الوسائل الالكترونية ساهمت بشكل مباشر في تعزيز حرية التعبير عن الرأي ، إلا أنها لم تسلم من الاستغلال وانتهاك خصوصية الأفراد والتشهير بهم , وعلى ضوء ذلك لكل فعل رده وتنتهي الحرية عندما تنتهك حقوق الاخرين بقانون ينظمها من فوضويتها.
وسائل النشر الالكتروني
بما إن النشر الإلكتروني هو استخدام التكنولوجيا الرقمية لتحويل المادة المطبوعة أو المسموعة أو المرئية إلى رقمية أيضًا، ونشرها للجمهور المستهدف باستخدام الأجهزة الإلكترونية على اختلاف أنواعها. فإن له انواع منها(1 ):
المجلات الإلكترونية- الصحف الإلكترونية- الرسائل الإلكترونية -المطبوعات والكتيبات الإلكترونية-المدونات-الكتب الإلكترونية المنشورة بصيغة EPUB- ملفات PDF- تطبيقات الهاتف المحمول- الدوريات العلمية- الملفات الصوتية- الصور والأعمال الفنية والرسومية, وتكون عبر الحواسيب وبرامج معالجة النصوص أو برامج تحرير الصور ومعالجتها وغيرها من الادوات التي تسهل من عملية معالجة النصوص بالشكل الذي يتقبله المتلقي ويؤثر به(2 ).
جريمة النشر الالكترونية وفق القانون العراقي
يقصد بجرائم النشر ذلك النوع من الجرائم التي تتعلق بالأفكار والعقائد والمذاهب والمبادئ على اختلاف أنواعها وأشكالها, وتقع على الهيئة الاجتماعية التي تمثلها الدولة، وقد يكون وقوعها على الدولة بطريق مباشر كالتحريض على الشروع بالقوة لقلب نظام الحكم أو يكون وقوعها على الأفراد بطريق مباشر مثل جريمة القذف، تترتب على إساءة استعمال حرية الإعلام بحيث تنجم عنها مسئولية مدنية أو مسئولية جنائية أو الاثنتان معاً(3 ).
ومن يراجع نص قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية الصادر في آذار 2004، ، سيجد أن الفقرة الثانية من المادة 13 قد قررت أن: «الحق بحرية التعبير مصان» من دون أية عبارات أخرى تحتمل التأويل, ولكن دستور عام 2005 كان حريصا على تأطير هذا الحق بشكل يتيح التأويل اللاحق؛ فقد نصت الفقرة الاولى من المادة 38 منه على أن «حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل تكفلها الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب» لتكون هذه مدخلا لأي تأويل خاص قد تستخدمه السلطة لاحقا لمعنى النظام العام، والآداب، وهو ما سيتيح لها التحايل بشكل صريح على ما جاء في المادة (2) من الدستور نفسه والتي قررت فقراتها الثانية والثالثة أنه لا يجوز سن قوانين تتعارض مع مبادئ الديمقراطية، أو مع تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور، ما دامت هذه المبادئ، وهذه الحقوق والحريات الأساسية قابلة للتأويل تبعا لإرادة السلطة( 4).
في العام 2011 تقدمت الحكومة بمشروع قانون كان بعنوان «جرائم المعلوماتية» واجِه بمعارضة واسعة، محلية ودولية في حينها لأنه يعطي للسلطات العراقية أداة جديدة لقمع المعارضة, إذ تضمنت المادة 3/ أولا منه المتعلقة بالأحكام العقابية، «على أن يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة مالية كل من استخدم عمدا أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا أو بقصد الاشتراك أو التفاوض أو الترويج او التعاقد أو التعامل مع جهة معادية بأي شكل من الأشكال بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر». كما تنص المادة 6/ أولا «على أن عقوبة بالسجن المؤبد وبغرامة مالية على كل من استخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد إثارة العصيان المسلح او التهديد بذلك أو الترويج له، او إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية او الفتن او تكدير الامن العام او الإساءة لسمعة البلاد»(5 ).
في عام 2019 قدمت نسخة معدلة من القانون نفسه دون تنفيذ لها، مع تغيير عنوانه ليكون «مكافحة الجرائم الإلكترونية», و أضيفت إلى مشروع القانون المعدل، فقرة تقرر« أن هذا القانون يضمن حرية التعبير عن الرأي وحرية المعارضة الموضوعية والنقد البناء في الحدود التي أقرها الدستور والقوانين النافذة», ونصت المادة 8/ رابعا من القانون على عقوبة بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وبغرامة مالية على «كل من استخدم شبكة المعلوماتية او احد أجهزة الحاسوب وما في حكمها بقصد الاعتداء على المبادئ والقيم الدينية او الأسرية او الاجتماعية», فقد نصت المادة 16/ أولا من القانون على أنه «يعد مرتكبا جريمة التحريض، كل من حرض أو ساعد او اتفق أو اشترك مع الغير في ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، فإن لم تقع الجريمة، عوقب بنصف العقوبة المقررة قانونا»؛ فالقانون هنا لا يعاقب على الشروع الفعلي بارتكاب الفعل، بل على مجرد «النية» في القيام به, ولكي تكتمل الدائرة، قررت المادة 17 أنه في حالة الشروع بارتكاب الفعل فيعاقب «بنصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة» وحيث إن الركن المادي للشروع في القانون العراقي يتكون من عنصرين: البدء في التنفيذ، وعدم إتمام هذا التنفيذ أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإدارة الفاعل فيها. وأن الركن المعنوي يتحدد بالقصد الجنائي (المادة 30 من قانون العقوبات) فهذا يعني أن المحرض على فعل «بالنية» ولم يقع أصلا، يعاقب العقوبة نفسها لمن كان لديه قصد جنائي، وشرع بتنفيذ ذلك الفعل( 6).
جريمة الابتزاز الالكتروني وفق القانون العراقي
بعد التطور في وسائل الاتصال و مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت جريمة الابتزاز الالكتروني, عن طريق تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مقاطع فيديو أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين, وان المشرع العراقي أعطى حق للضحية لمراجعة المحاكم الجزائية والمدنية لوجود العنصر الجزائي في الجريمة، فضلًا عن الضرر المعنوي "النفسي"، و"المادي" البالغ الذي يطال الضحية وقد يكون الضرر المعنوي أشد عليه من المادي لأنه يمس سمعته ونظرة الناس إليه «خصوصًا إذا كان الضحية فتاة أو حتى رجل بمنصب اجتماعي أو وظيفي وما إلى ذلك”, وتقسم الجرائم الإلكترونية في القانون العراقي، إلى جرائم التهديد والابتزاز، في المواد بين 430 – 432 من قانون العقوبات، وعقوبتها السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس من خمس سنوات فما دون، أو بالحبس مدة تزيد على سنة واحدة أو بالغرامة (م 432 ق ع). وكذلك جرائم القذف والسب وإفشاء السر “التشهير”، “القذف والسب”، المواد بين 432 – 436 ق العقوبات “إفشاء السر” المواد بين 437 – 438 وعقوبتها تكون بالحبس أقل من خمس سنوات وبالغرامة المالية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا وقع السب بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق الإعلام الأخرى عد ذلك ظرفًا مشددا( 7).
وبهذا يمكن القول, رغم أن حرية التعبير عن الرأي ذات قداسة تستوجب الحرص عليها لنيل معناها، إلا أنه لا يمكن أن تظل دون قيد يضبطها وينظمها. وإساءة استعمال حق النشر، أو التعسف في استعمال حرية التعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة، إنما يقوم عندما يحيد المرء بهذا الحق عن مقاصده، وخاصة إذا اقترن استعماله بسوء نية، أو بقصد الإضرار الموجب للعقاب جنائيا.
المصادر:
1-يعقوب بن محمد الحارثي, المسؤولية المدنية فى النشر الالكترونى( الصحافة الالكترونية, المدونات, المنتديات الالكترونية, الصحفى الالكترونى ,وسائل الاثبات الالكترونى), دار وائل للنشر, عمان, الاردن, 2015, ص16 ومابعدها.
2-جبريل حسن العريشي, النشر الالكتروني, مجلة المعلوماتية, العدد2, بلا, 2004, ص22. كذلك: شريف كامل شاهين, مصادر المعلومات الالكترونية في المكتبات ومراكز التوثيق, الدار المصرية اللبنانية, (د.ت), ص 25. كذلك: عبد اللطيف صوفي, المعلومات الالكترونية وانترنت في المكتبات, مطبوعات جامعة منتوري، قسنطينة, 2001 , ص 19.
3-جرائم الصحافة, موقع جامعة محمد لمن دباغين سطيف, نشر على الرابط: https://cte.univ-setif2.dz/moodle/mod/book/view.php?id=9050
4-يحيى الكبيسي, العراق: قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وتأميم حرية التعبير, موقع القدس, نشر بتاريخ 26تشرين الثاني2020, على الرابط: https://www.alquds.co.uk/.
5-قانون جرائم المعلوماتية العراقي قانون سيئ الصياغة وعقوبات غاشمة تخرق الحق في إجراءات التقاضي السليمة وتنتهك حرية التعبير, هيومن رايتس, تموز2012, ص1.
6-يحيى الكبيسي, العراق: قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وتأميم حرية التعبير, المصدر السابق.
7-مصطفى كاظم الزيدي, جريمة الابتزاز الالكتروني, موقع صوت العراق, نشر بتاريخ 14/3/2021, على الرابط: https://www.sotaliraq.com/2021/03/14/.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه