الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدّرج

دلور ميقري

2022 / 2 / 1
الادب والفن


ما يزيد عن الثلاثة عقود مضت، لأجدَ نفسي مرةً أخرى في الوطن.
حال وصولي للحارة، لفتَ نظري أن دكان الرجل الطيب، " أبي خالد "، ما يزال على حاله بالرغم من التصاقه بإحدى الأبنية الحديثة، التي قامت على أنقاض البيوت القديمة. لكن لدهشتي، ظهر الرجلُ وهوَ بكامل صحته، وكان يتكلم مع آخرين من خلف السدّة الخشبية. حييته من مكاني، ثم ارتقيت الدرجة الأولى كي أعانقه بحرارة الحنين. بيد أنّ الدرجة الثانية كانت من العلو، أن أرضية الدكان أضحت بمستوى صدري.
" سامحك الله، يا أبا خالد! الإنسان، ابتكرَ الدرجَ لكي يسهّل تنقله لا لكي يعيقه "، خاطبته معاتباً. هزّ الرجل رأسه، المشتعل فيه الشيب، وأجابني بمرارة أنّ الذنب يقع على متعهدي الأبنية، الجشعين. تركته مشغولاً مع زبائنه، ومضيتُ مستغرباً من عدم سؤاله عن غيبتي كل تلك الأعوام. عندما هممتُ بدخول الزقاق، لفتَ نظري محل حلويات على الناصية، شبيهاً بأمثاله في مركز المدينة. تلمظتُ شفتيّ وأنا أتنقل بعينيّ بين أرفف واجهة المحل، المحتفية بأطباق من الكنافة والبقلاوة. كان المحل مكتظاً بالزبائن، فارتأيتُ أن أجلسَ قليلاً على كرسي في مدخله ريثما تخفّ الحركة. بعد قليل، وضعتُ على الكرسي كيساً يحتوي بعض الأغراض ومخطوطة رواية أنجزتها مؤخراً، ثم خطوتُ إلى داخل المحل. ثمة كانت امرأة شابة، شقراء وفارعة القوام، تتكلم مع الزبائن وهيَ ترطن باللهجة الشامية. فكّرتُ أنها امرأة روسية، ولعلها قرينة أحد خريجي الإتحاد السوفييتي السابق.
" هل أجد لديكم معمولَ العجوة؟ "، سألتُ المرأة. نظرتَ إليّ ملياً، وكأنما أشتبهت أنها تعرفني، وما لبثت أن أشارت إلى أحد رفوف المحل: " لقد نفدَ طلبك ". تركتها تجادل امرأة مسنّة، كانت تشكو بأن طبق الحلوى، الذي اشترته قبلاً، قد وجدت فيه الفول السوداني بدلاً عن الفستق الحلبي. إذ أجفلتني فكرة مباغتة، عن مخطوطة الرواية، ما جعلني أعود أدراجي لمدخل الدكان. فوجئتُ بأن المخطوطة مرمية على الأرض، والكيس ما فتأ بمكانه على الكرسي. أخرجني من ذهولي سماع صوتٍ أليف، خاطبني من الخلف: " بابا، هل سننتظر هنا طويلاً؟ ". كانت ابنتي الصغيرة، غير المتجاوزة سنواتها الثلاث. أمسكت بيدها، لأتجه إلى صدر الزقاق، أينَ يقوم منزل الأسرة.
في صعودنا المرتفعَ الهيّن عند منتصف الزقاق، ارتقينا درجاً أنيقاً لا بد أنه أنشيء في فترة إشادة الأبنية الحديثة. ولكن، هاهي الدرجة الأخيرة تجبرني على الوقوف طالما أن ما يليها كان سداً من الإسمنت بارتفاع قامتي تقريباً. حائراً، التفتُ حولي محاولاً عبثاً إيجاد ممر آخر. في اللحظة التالية، ظهرَ ثلاثة فتية تلوح على وجوههم علامات الشقاء وكأنهم متشردون. سألتهم عن طريقة للخروج من المأزق، فأجابني أحدهم وبسمة مسمومة على شفتيه: " سننزل نحن إليك كي نساعدك ". قبضتُ على يد ابنتي، متراجعاً إلى الخلف وقد طغى عليّ رعبٌ شديد مع هذه الفكرة: " على الأغلب أنهم فتية منحرفون، يقطعون طريق السابلة لسلبهم وربما لقتلهم أيضاً! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب