الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تيار السلفية الجهادية

نوفل شاكر

2022 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


" في الوقت الذي يكون فيه منكم _ معشر الأخوان المسلمين _ ثلاثمائة كتيبة قد جهزت نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، و فكرياً بالعلم والثقافة، و جسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت! طالبوني بأن أخوض بكم لُججَ البحار، و أقتحم بكم عنان السماء، و أغزو بكم كلّ جبارٍ عنيد، فإني فاعل _ إن شاء ألله _ وصدق رسول الله القائل: " ولن يُغلَب اثنا عشر ألفاً من قلة". إني أقدر لذلك وقتاً ليس طويلاً بعد توفيق الله، وأستمد معونته، وتقديم إذنه ومشيئته". ( رسالة حسن البنا للمؤتمر الخامس عام 1938 ).

إن هذا الجزء المقتطع من رسالة المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين في ذلك التاريخ المبكر من مرحلة تأسيس أول وأكبر حركات الإسلام السياسي، سيتطور ويتبلور لدى الأجيال التي ستأتي بعد زمن طويل إلى ما يُعرف ب " نظرية إدارة التوحش" على يد أبي بكر ناجي، والذي ألف كتاباً يحمل هذا العنوان، وسيكون الخطة العملية التي تسعى أكبر حركات السلفية الجهادية في التنافس فيما بينها؛ لتطبيقها على الأرض.

ظهرت " السلفية الجهادية" من عباءة تيار الدعوة السلفية و جماعة الأخوان، ولكنها سرعان ما اختلفت عنهم بتبنيها للحراك المسلح… إذ يرى أبو بكر ناجي بأنّ التيارات السلفية التي كان لها مشاريع مكتوبة كالأخوان أو حماس لم تحاول تأسيس حالة الإدارة، وإنما هي أقرب ما تكون إلى نظرية على الورق.

إنّ " السلفية الجهادية" هي حركات عسكرية مسلحة، تستند إلى أفكارٍ دينية متصلبة، وُلِدت من رحم السجون المصرية متمثلة في البداية بجماعة " الهجرة والتكفير" - كما سماها الإعلام _ أو " جماعة المسلمين" _ كما سمت نفسها _ وقد تبلورت أفكار هذه الجماعة بعد اعتقالات عام 1965 كرد فعل على التعذيب والانتهاكات التي مورست من قبل الأمن المصري ضدهم… وهكذا ولد الغلو والتطرف.

كانت نشأة هذه الحركات تعد خروجاً على النمط السلفي التقليدي السعودي؛ بعد أن قضى عبد العزيز آل سعود على تمرد حركة " أخوان من طاع الله" النجدية وسجن زعيمهم فيصل الدويش أمير قبيلة مطير عام 1930

وكان لحادثة اقتحام الحرم المكي عام 1979 من قبل جهيمان العتيبي وجماعته، وقيام عناصر من تنظيم " الجهاد" المصري باغتيال الرئيس محمد أنور السادات عام 1981 الأثر الفاعل في انتقال السلفية الجهادية من مرحلة الدعوة إلى ميدان العمل المسلح العنيف، ومن ثم جاء الغرو السوڤييتي لأفغانستان لينقلها إلى مرحلة عولمة العنف؛ بعد أن تحولت أفغانستان إلى ساحة مفتوحة لجميع حركات السلفية الجهادية.

أما على المستوى الفكري؛ فقد كانت لكتابات أبي الأعلى المودودي، و سيد قطب، الدور الكبير في نشوء هذه التنظيمات العقائدية المتشددة، وقد كان هذا " التيار" الجديد الناشيء في مصر، يعتمد في تأصيل فكره والدعوة إليه على المرويات الشفاهية المتداولة مع الاستعانة بأجزاء من كتب التفسير والفقه، مثل، فتوى ابن تيمية عن التتار، وتفسير ابن كثير لآية " أفحكم الجاهلية يبغون" وكذلك تفسير سيد قطب لآيات الحكم والسياسة، و المجلد 28 من مجموع فتاوى ابن تيمية، و كتاب " الشفا" للقاضي عياض، وكتابي: " الإيمان الكبير" و " الصارم المسلول" لابن تيمية، و " رسالة الإيمان" التي كتبها صالح سرية في عام 1973، حتى جاء محمد عبد السلام فرج في عام 1980 فجمع كل هذا التراث السلفي، وضم إليه أقوال العلماء، وصاغ كل ذلك صياغة متكاملة في كتابه الشهير " الفريضة الغائبة"، والذي كان ( وما يزال) من أهم الكتب التي يستقر عليها الأساس العقدي للتيار الجهادي، ويُقصد ب" الفريضة الغائبة" فريضة الجهاد - بالطبع _ ولأهمية هذا الكتاب وخطورته: يكفي أن نعلم بأنه قد استُخدم كدليل في محاكمة المؤلف في قضية اغتيال السادات، و أعدم في عام 1982.

من ناحية أخرى، أسهمت كتابات عبد الله عزام ( مؤسس ظاهرة الأفغان العرب) من موقعه في أفغانستان في التأصيل للأساسيات الفكرية التي تقوم عليها السلفية الجهادية اليوم، فهو أول من استخدم هذا المصطلح " السلفية الجهادية" عام 1987؛ لغرض توحيد صفوف السلفيين العرب وغير العرب في أفغانستان، وكذلك فإن تسمية " ال…ق..ا..ع…د…ة" تعود إلى مقالٍ كتبه في إحدى المجلات التي كانت تصدر في أفغانستان تحت عنوان " ال..ق..ا..ع..د…ة الصلبة" الذي دعا فيه إلى تأسيس قا… للجهاديين في أفغانستان عندما حاول بعض المقاتلين الذين كانوا ينحدرون من بلدان عربية نقل تجربتهم في " الانتصار على قوة عظمى" إلى بلدانهم؛ فنشطوا في مصر وليبيا والسعودية والأردن و الجزائر والبوسنة وطاجيكستان والشيشان وغيرها.

في عام 1998 تم تأسيس " الجبهة الإسلامية العالمية لقتال ال..ي..ه..و..د و ال..ص..ل..ي..بيين" فانطلق ماسمي آنذاك ب " الجهاد العالمي" لمنظمة الق… ففي العام نفسه تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا، وفي عام 2000 تم استهداف المدمرة الأميركية " يو إس إس كول" بتفجير انتحاري بينما كانت ترسو في ميناء عدن اليمني، وأسفر الهجوم عن مقتل 17 بحارٍ أميركي، ولكن تفجير برجي مركز التجارة العالمية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والذي راح ضحيته 3 آلاف شخص كان الأكبر على الإطلاق وهكذا تغولت السلفية الجهادية وضربت أقوى دولة في العالم في عقر دارها!

قبيل احتلال العراق في العام 2001 قام الملا كريكار بتأسيس " جماعة أ..ن…ص…ا…ر الإسلام" الكردية في منطقتي پيارة وطويلة في السليمانية، وكانت هذه أول حركة عراقية سلفية جهادية، والتي سيكون لها الدور الأكبر في استقبال الزرقاوي وشبكته عند دخولهم للعراق بعد قضاء الأميركان على معسكراتهم في هيرات وقندهار، وهنا أسس الزرقاوي أول معسكر له بإشراف مساعده عبد الهادي دغلس الذي قتل مع بداية الهجوم الأميركي على العراق في شهر آذار من عام 2003 وقد رثاه الزرقاوي بنفسه في أول خطبة ألقاها من العراق، وكانت باسم " الحق بالقافلة".

تمكن الزرقاوي من إيجاد حاضنة شعبية له في العراق فأخذ يتنقل من منطقة إلى أخرى ملقياً بذور السلفية الجهادية في العراق؛ لزيادة صفوف أنصاره لإعداد العدة لمقاتلة الأميركان و تحطيم العملية السياسية في العراق قبل تأسيسها، وسنخصص للزرقاوي ودوره الخطير في هذه المرحلة منشوراً مستقلاً بحد ذاته.

أثمرت بذور الزرقاوي الجهادية عن ظهور جيلٍ جديد من السلفية في العراق، جيل يختلف عن الأجيال التي سبقته، أنه الجيل الرابع جيل السلفية الجهادية العراقية، والذي يعد تنظيم دا11 أصدق تمثلاته على الأرض.

تميز هذا الجيل بخصائص وظروف ميزته عن أسلافه من الأجيال الثلاثة المتقدمة؛ فمعظم أفراده قد تم تنظيمهم وتأهيلهم فكرياً وعقائدياً في كبرى المعتقلات الأميركية كمعتقلي " بوكا" و " گروبر" فحصلوا هناك على إعداد ثقافي متكامل، وكونوا شبكة واسعة من التنظيمات والاتصالات التي سارعت بعد خروجها من هذه المعتقلات إلى تكوين الخلايا والتنظيمات الإرهابية بعناوين مختلفة.

والخصيصة الأخرى التي تميز هذا الجيل الرابع، هي كون معظم قياداته ( ولاسيما العسكرية والأمنية منها) كانت من الضباط في الجيش العراقي السابق والأجهزة الأمنية المنحلة ( مخابرات، استخبارات، أمن) كأبي علي الأنباري رئيس ما يسمى ب " المجلس الأمني" وثاني أهم شخصية في التنظيم، والذي كان ضابط استخبارات سابق، و حجي بكر ( سمير عبد محمد الخليفاوي) والذي كان عقيداً في جهاز المخابرات السابق، ثم شغل منصب قائد " المجلس العسكري" للتنظيم حتى مقتله في سوريا في يناير عام 2014 ثم خلفه أبو عبد الرحمن البيلاوي ( عدنان اسماعيل البيلاوي) والذي كان نقيباً في الجيش العراقي السابق وقتل في حزيران 2014 قبيل سقوط الموصل ثم تولى المنصب من بعده أبو مسلم التركماني ( فاضل أحمد عبد الله الحيالي) الذي كان عقيداً في المديرية العامة للاستخبارات العسكرية وتم قتله في عام 2015 ثم خلفه في المنصب أبو فاطمة الجحيشي ( نعمة عبد نايف الجبوري) والذي كان أيضاً ضابطاً في الجيش العراقي السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر


.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن




.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس


.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا




.. فيديو يوثق استهدافا مباشرا من قبل الاحتلال لصحفيين في طولكرم