الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهوض كوريا ونكوص العرب

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2022 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو برأيك سبب النمو الاقتصادي المتصاعد والمتسارع لمجتمعات دون أي موارد طبيعية مثل كوريا الجنوبية، وتأخر نمو المجتمعات العربية على الرغم من توافر كل الموارد الطبيعية فيها؟

مصعب قاسم عزاوي: أعتقد أن الإجابة تكمن في نص السؤال نفسه، إذ أن الاستنتاج المنطقي من نسق السؤال المعرفي يشي بأن سبب العلة كامن في حيزٍ سوى ذلك المتعلق بالموارد الطبيعية، وهو في الواقع مرتبط بآلية ونظم إدارة الاقتصاد والمجتمع، متمثلاً أساساً بعنصرين أساسيين هما التخطيط المركزي للصناعة الوطنية، وحماية رؤوس الأموال من الهروب إلى خارج الاقتصاد المحلي.
وفي الواقع فإن كوريا الجنوبية ابتليت بالاستبداد ردحاً طويلاً امتد على عقود طويلة تم انفراجه قليلاً خلال السنين الأخيرة، ولكنه تمايز عن ذلك الاستبداد المقيم عربياً بأنه استبداد بغيض في سطحه وجوهره، دون أن يكون استبداداً رأسه وبنيانه وسدرة منتهاه الفساد والإفساد في كل أحياز المجتمع عمقاً وسطحاً، وتهريب ناتج ذلك التخريب الممنهج إلى مصارف وخزائن وسندات مجتمعات دول الأقوياء، وهم أولياء نعمة المستبدين بحيوات المقهورين العرب والقائمين بشؤون حفظ مصالح أسيادهم، والعمل نواطير مخلصين في ذلك النهج وما بدلوا تبديلاً. وبمعنى مبسط آخر فإن نموذج الاستبداد الذي كان قائماً في كوريا الجنوبية كان استبداداً متوحشاً بغيضاً، ولكنه كان يهدف إلى البناء والتعمير على المستوى الوطني، وليس التهديم والتخريب كما هو الحال في نموذج الاستبداد بصورته العربية البائسة.
وبشكل عياني مشخص كان هناك ناتج تراكمي للتخطيط المركزي الذي قامت به الدولة في جنوب كوريا لتخطيط أهداف التنمية على المستوى المحلي بشكل دقيق وعميق ومجهري يمس كل مفاصل الإنتاج في اقتصادها المحلي، بحيث لم يتم ترك ذلك لاعتباطية مبادئ اقتصاد السوق التي نهجها الأساسي عدم التخطيط وترك قوانين العرض والطلب لتفعل فعلها «السحري» في إدارة الاقتصاد، وهو ما أثبت فشله المريع في اقتصادات أمريكا اللاتينية التي أرغمت على تبني ذاك النهج بقوة البسطار الأمريكي والمليشيات شبه العسكرية التي كانت تقوم بتسليحها وتمويلها وتحريكها في الخفاء الولايات المتحدة لإدارة الانقلابات العسكرية هنا وهناك في غير موضع من القارة اللاتينية.
وتميز نموذج التخطيط المركزي وفق نهج كوريا الجنوبية على تخطيط تكاملي طويل الأمد يهدف أساساً إلى تأصيل وتوطين بنية تحتية وخبرات بشرية يمكن بعد تراكمها أن تسهم في تحقيق مستوى عالٍ من الإنتاج النوعي الذي يمكن أن يعوض عن نقص الموارد الطبيعية في حوضها الاجتماعي، في شكل يكاد أن يكون اتباعاً حرفياً لنهج التخطيط المركزي على الطريقة اليابانية الذي ليس فيه شيء من ترهات وتخرصات اقتصاد السوق، وإنما هو عبارة عن حالة خالصة مصفاة من رأسمالية الدولة بشكل لا يختلف إلا من ناحية الشعارات الخطابية الرنانة عن ذلك الذي كان قائماً في الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، دون إهمال الإشارة إلى الكفاءة الاستثنائية لمآلات النموذج الياباني، مقارنة بترهل ذاك السوفيتي جراء تهالك منظومة إدارته البيروقراطية الأمنية.
ويضاف في حالة كوريا الجنوبية الذي كان اتباعاً شبه حرفي لنهج التجربة التنموية اليابانية، تطبيق عقوبة الإعدام بحق كل من قد تسول له نفسه تهريب رؤوس الأموال من داخل السوق المحلية إلى الخارج حتى حقبة ليست ببعيدة و على امتداد عقود طويلة، وهو ما ساهم في المآل الأخير في تحقيق تراكم اقتصادي مكن من تعزيز عجلة الاستثمار وتنمية البنية التحتية الصناعية في الأحياز الإنتاجية التصنيعية الراقية، والتي بدورها تستطيع أن تدر عوائد عالية عند تصديرها إلى الخارج يفوق بكثير تلك العوائد التي يمكن الحصول عليها جراء تصدير الموارد الطبيعية الخام إلى الخارج كما هو حال جل الاقتصادات الريعية العربية، والتي تتميز أيضاً عن نظائرها في كوريا الجنوبية واليابان بإدمان مستبديها ورأسمالييها اللاوطنيين، والذين غالبتهم الساحقة من فئة تجار الكمبرادور، وصناعة اللمسة الأخيرة، وتبييض الأموال القذرة التي راكمتها شبكة الفساد والإفساد العربية ممثلة بكل بنى الاستبداد و مفاعيل الدول الأمنية الناخرة لكل أركان المجتمعات العربية، على تهريب أموالهم إلى الخارج لتكديسها في استثمارات خاسرة بالعملات الصعبة وخاصة الدولار الأمريكي في سندات الخزينة الأمريكية، والتي عوائدها لا تغطي إلا أجزاء مجهرية من الخسارة السنوية للقدرة الشرائية لتلك الثروات حينما تتآكل حسب معدلات التضخم في الولايات المتحدة والتي لما تقل عن 2% في أي سنة، وهو ما يعني بالحد الأدنى خسارة 20% من القوة الشرائية لتلك الثروات المهربة كل عشر سنوات؛ أو في بعض الأحيان استثمارها بأنشطة غير إنتاجية لا تسهم في تنمية البنية التحتية الإنتاجية في المجتمع أو ترقية مستويات حياة المواطنين سواء في أحياز الصحة والتعليم والأمن الاجتماعي خاصة للفئات المستضعفة من مفقرين وأطفال ونساء وشيوخ، من قبيل نماذج وتلاوين الاستثمارات الفقاعية في القطاع العقاري، والتي تمنح المستبدين فرصة ترقيع عناصر الفوات في المجتمع بقشرة خارجية من نموذج قلاع الرمل التي لا تنتظر إلا أوان تداعيها لتكشف عريها وهزالها من أي تجذر اجتماعي ذي معنى في حيوات ومستقبل من يتحكم أولئك المستبدون بكل مفاصل وتفاصيل حيواتهم ومستقبلهم.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى أقنية نزح واستنزاف الثروات العربية عبر الحروب البينية التي يشنها المستبدون العرب بين الحين والآخر بناء على أوامر أسيادهم وأولياء نعمتهم في العواصم الغربية لتصريف نتاج المجمعات الصناعية العسكرية في مراكز الهيمنة العالمية في دول الشمال الغني، بالإضافة إلى إلهاء الشعوب العربية عن التفكر بأسباب التردي المترقي نكوصاً لمستوى حيواتها عبر إشغالها بمآلات ومفاعيل الحروب البينية التي سوف يتم تحويلها إلى شماعة يعلق المستبدون عليها كل أسباب العوار والعطب في المجتمعات الحطامية المهشمة التي يستأسدون عليها. و هو الاستنزاف المهول الذي يفصح عن نفسه في كثير من الأحايين التراجيدية على طريقة الكوميديا السوداء حين يقوم الطغاة العرب بتهريب أموالهم إلى المصارف والبنوك السرية في العالم الغربي، لتكديسها في حسابات مصرفية سرية لا تحمل اسماً للمتحكم بها، وإنما رقماً فقط وشيفرة دخول لتحريك الحساب، وبالتالي هي حسابات مرتبط وجودها بحياة ذلك الشخص الذي يمتلك الشيفرة السرية للدخول إلى ذلك الحساب، واندثاره عن الحياة الدنيا سواء عبر حادث سيارة متهور كما كان في حالة ابن الطاغية السوري حافظ الأسد وأعني هنا السفاح باسل الأسد، أو عبر ثورات شعبية كما في حالة المعتوه معمر القذافي، والتي تبخرت مع أنفاسهم الآفلة أي إمكانيات للشعوب المقهورة في استعادة عشرات المليارات التي سرقها طغاتهم وهربوها إلى الخارج، إذ أنه لا طريق لمعرفة الشخصية الاعتبارية أو الفردية المتحكمة بمفاتيح ذلك النموذج من الحسابات السرية المرقمة، والتي تقوم المؤسسات المالية الغربية بالاستيلاء على ما فيها بعد رحيل الطغاة حملة شيفراتها إلى جهنم وبئس المصير، لتقوم نفس تلك المؤسسات المالية بإدانة الأموال المستولى عليها إلى نفس الدول النامية التي تم سرقتها منها في بادئ الأمر، عبر الاستثمار في ديونها السيادية التي لا سبيل للهروب من الوقوع في شراكها مرغمة حسب تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبشكل يزيد من عمق تمترس واقع الهيمنة الكونية للأقوياء على المستضعفين بأشكال وتلاوين مأساوية أليمة لا تختلف إلا بطرائقها الإخراجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت