الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصبعُك والثعبان … أصحاب ولا أعز

فاطمة ناعوت

2022 / 2 / 2
الادب والفن


حين تُشيرُ بإصبعك إلى مكان ما وأنت تصرخُ بأعلى صوتك: “ثعبااااااااان!” يهرعُ إليك بعضُ الشُّجعان ثمّ ينظرون إلى المكان الذي تشيرُ إليه إصبعُك الجميلة، وينهالون على رأس الثعبان بالفؤوس والحجارة والمناجل، حتى يردوه صريعًا. تخيّل الآن أن أولئك الجسورين حين هرعوا على صوت استغاثتك، توجهوا ببطء نحوك، وانهالوا بالسكاكين على إصبعك المسكينة التي تشير إلى الخطر فقطعوها، ثم راحوا يهنئون بعضهم البعض على إنجازهم المحمود، وأنت تصرخُ ألمًا مشدوهًا مما فعلوا، فينظرون إليك مشدوهين من صُراخك! أما الثعبانُ، فهو الآن يضحكُ منكم جميعًا وقد نجا بحياته. لا تتعجّل من هذه الحكاية الكوميدية السوداء، فنحن نفعلُها كلَّ يوم، بصورة أو بأخرى. نُقطّعُ أصابعَ بعضنا البعض، ثم نهنئ بعضنا البعض ونشربُ أنخاب دمائنا المسفوحة.
حين تشيرُ بإصبعك إلى عوار مجتمعيّ علينا مواجهته، أو ظاهرة سلبية، أو واقعة مُشينة، أو حتى راقية تريدُ أن ينظر إليها الناسُ ليتعلموا منها قيمةً أو إلهامًا، فإن العوارَ والظواهرَ والوقائعَ المشينة أو الراقية، تكونُ فيما "أشرتَ نحوه بإصبعك"، وليس في "الإصبع التي أشارت”. ولو قُطِعَتِ الإصبعُ التي تشيرُ، فإن العوارَات والأمجاد، تظلُّ موجودة، تنتظرُ إصبعًا جديدة تشيرُ إليها، حتى يراها المجتمعُ فيعالجها، أو يتخذها نموذجًا يُحتذَى.
الخلطُ بين "الإصبع" التي تشيرُ، وبين "المُشارُ إليه"، خطأ طفوليٌّ لا يقعُ فيه الكبار. والفنُّ كثيرًا ما يكون "الإصبع" التي تشيرُ إلى خبيئات المجتمعات وخفايا النفس البشرية؛ حتى نتأملها ونُشرِّحَها ونتعلّم. "وليم شكسبير"، الكاتب البريطاني العظيم، لم يترك سوءَةً في النفس البشرية إلا وكشفها عبر مسرحياته الملهمة: الطمع، الحقد، الغيرة، الحسد، الطموح المَرضي، الكذب، الخيانة، البخل، وغيرها من أدران الروح، لكن أحدًا من قرّاءه عبر التاريخ لم يقل إن "شكسبير" يُحرِّضُ الناسَ على الرذائل. لماذا؟ لأنهم لا يخلطون بين الإصبع والثعبان، ويميّزون بين المُشير، والمُشار إليه. كذلك الحال في أدب العظيم "نجيب محفوظ". دعونا نتأمل ثلاثية: “بين القصرين، قصر الشوق، السكرية". مثلا نموذج "بائعة الهوى" الحسناء خفيفة الظلّ، ونموذج "سي السيد" الرجل "الهلاس" مزدوج الشخصية، الذي كان أبًا وزوجًا حازمًا متدينًا في بيته، وفي سهراته الحمراء يرقصُ ويتهتك مع بائعات الهوى، وحتى نموذج "أمينة" الزوجة الطيبة المنسحقة، هل قال "خائبٌ" إن روايات "محفوظ" أو الأفلام التي بُنيت عليها، كانت حرّضت مجتمعنا على الرذيلة والنفاق والانسحاق؟! كذلك مسرحية "المومس الفاضلة" التي كتبها "جان بول سارتر" عام 1946 تحدثت عن "بائعة هوى" رفضت أن تشهد في المحكمة بالزور على زنجي بريء وفقير، لصالح قاتل أبيض ثري. والمسرحية تطرح أمرين: 1- التمييز العنصري في أمريكا بين البيض والسود، 2- أن بائعة الهوى ليست بالضرورة عديمة الضمير وشاهدة زور. بل قد تدفع حياتها ثمنًا لصدقها ونُصرة مظلوم فقير لا تعرفه. هل تلك المسرحية تدعو الفتيات لبيع الهوى؟! أم تكشف عوارات المجتمعات، وخبايا النفس البشرية التي قد تجمع بين الفضيلة والرذيلة في آن؟ مَن يرى أن الفيلم، أيَّ فيلم، أو مسرحية أو قصيدة أو لوحة تشكيلية أو قطعة نحتية، أو الفنون بوجه عام، بوسعها أن تُحرّض مجتمعًا على الفسوق، هو ذلك الشخص الذي خلط بين الإصبع والثعبان، فقطع الإصبعَ وترك الثعبانَ يرعى. الفنونُ تطرح "الأسئلة" والمجتمع يعالج نفسَه بنفسِه ويضع "الإجابات" بعد المكاشفة والتأمل. سيقول قائلٌ إن الأدبَ/ الفيلم يكون ذا رسالة راقية إن عوقِب المجرمُ في الصفحة الأخيرة من الرواية، أو مع تتر النهاية في الفيلم، ويكون الفيلمُ مبتذلا إن نجا المجرمُ بفعلته. وهذا يجرّنا إلى "أنماط" الأدب و"مدارس" الفنون. في أي عمل دراميّ هناك غالبًا احتمالان لنهاية الشخصية الشريرة أو ال Villain الدرامي. إما عقابه بالموت أو السجن، وهنا يغدو الفيلمُ "كلاسيكيًّا تبشيريًّا"، أو بعدم عقابه حتى لحظة نهاية الفيلم (التي هي ليست نهاية الحياة)، وهنا يكون الفيلمُ أقرب إلى مدرسة "الواقعية”. فالواقعُ يعلّمنا أن عقابَ الشرير، قد يتأخر وليس دائمًا وشيكَ الحدوث "حالا بالا" كما في الأفلام الرومانسية، وإلا ما ردّدنا أن اللهَ يُمهِل المُخطئ ليزداد في غِيّه إلى حين. المسرحُ الإغريقي وكثيرٌ من مسرحيات "شكسبير" كانت تنتهي بمقتل البطل الشرير، ومكافأة البطل الطيب؛ لأن في هذا لونًا من "التطهُّر" النفسي الذي يُريح المتفرجين. فالمتفرجُ الظالمُ يفرحُ بعقاب "البطل الظالم" على المسرح، إذْ يظن أنه هو شخصيا (المتفرج) قد تبرأ من آثامه وتطهّر. والمتفرجُ المظلوم كذلك يفرح بعقاب الظالم الدراميُ، ويرى في هذا ترضيةً له هو شخصيًا (المتفرج المظلوم) في الحياة؛ فيتطهَّر من عذابه. لونٌ من الإيهام وأقراص المُسكّنات لتخفيف الوطء عن الأنفس المتعبة، وجعل عجلة الحياة تمضي. لكن "الدراما الواقعية" ترى أن دورها ليس "المسكنات"، بل "الجراحة". الدراما الواقعية تشيرُ إلى "أدران المجتمع" لكي تنكشِفَ أمام الأعين فنواجهها، بدلا من السكوت عنها حتى تستفحل. في فيلم "أصحاب ولا أعز" كان الهدفُ الدرامي مواجهة ظاهرتين مرضيتين: 1- أن "الهاتف" يعلمُ عنّا أكثر مَما يعلمه أقربُ الناس إلينا، 2- أننا "ديّانون” منافقون نرتدي الأقنعةَ طوال الوقت. ننظر إلى "القذى" في عيون الناس، وننسى الأخشاب التي في عيوننا. الفنُّ يُحاكَمُ في محكمة الفنّ، وفقط.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا


.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض




.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-