الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجال أغبال الثقافي: تامزوزرت وداء الكلب

عذري مازغ

2022 / 2 / 2
الادب والفن


تامزوزرت
هي الحجاية بالمغربية مقتبسة من جملة "خاجيتك ماجيتك بأن كذا وكذا.." في الامازيغية هي طقس اعتقد ميثولوجي له علاقة بالمطر، وكانت النكتة والحدوثة هي بشارة أيام مشمسة صحوة، "تامزوزرت" هي طقس للإستسقاء، بمعنى حين نكثر من تداولها تتساقط الأمطار، هكذا كان الإعتقاد على الأقل، لم تكن طقسا بالمعنى الديني لكن أتذكر أننا حين نتداولها والأرض مكسوة بالثلوج نؤمر بالكف عنها، وموضوعيا كانت تنسج بشكل ذكي في كلام مسجع وذات إيقاع موسيقي يتناسب مع صوت التساقطات المطرية أو كشكل من اشكال سجع أغاني الراب حاليا، تطرح كمسألة معقدة ذات رمزية خاصة على المتلقي أن يجد ذلك الرمز المقصود باستعمال ذكائه، الجواب يكتفي بكلمة واحدة أو جملة مدلولها يوصل إلى القصد أو حل الشفرة، هي من جهة أمور عرفية لكن من جهة اخرى تسمح بالإبداع فيها على أساس إيقاعي موزون، أتذكر تامزوزرت لجدي من والدتي وهو جد عاش أكثر من مائة سنة، حاجانا ذات يوم في قول: "زوزرخاشتين امكسا نخ بو سبعة ذي احزامن؟" (احاجيك في راعينا الذي هو بسبع احزمة؟) لم يكن أحد يعرف قصده وكنا كلما قلنا له كذا يقول لنا لا، وحين عجزنا اخبرنا بالمقصود: هو إيناء كيكوز الحليبي الهولندي (غراف او اغراف بالامازيغية) وكان موجودا امامنا فوق المائدة : كان يباع بالمستشفيات وهو عبارة عن إيناء للحليب المغبر أو المجفف كان يهيأ للمواليد الجدد، إيناء مصنوع من الالومينيوم فيه سبعة أحزمة (يقصد سرائره كالتي بالجبهة، جبهة الإنسان)، وكانت العادة اننا نعيد نفس "تيمزوزار" الشفهية القديمة والتي يحفظها الكثير منا، وبسبب من ذلك أيضا، كانت "تامزوزرت" أو الحجاية تنسج علاقة حميمية بين الأجيال، كانت توجه بشكل كبير للأطفال وليس للكبار الذين يعرفون أصلا حلولها بسبب مراكمتهم لها وهي شكل من أشكال امتحان ذكاء الأطفال، رغم ان الأمر ليس خاصا بالأطفال فقط بل حتى الكبار كامتحان لذاكرتهم الثقافية الشفهية، وتأتي "تامزوزرت" جدي هذا لتؤكد أمرا خاصا يتعلق بالحليب المجفف الذي بدأ يدخل بيوتنا وينافس حليبنا المحلي المستخلص من المواشي بشكل عام، مع أن جدي هذا في ذلك الوقت لا يعرف هولاندا ولا حتى أين تقع، كان العالم بالنسبة لنا في أغبال، وفي تلك الفترة من زمن الأمية مقسم إلى دولتين هي: الجزائر والمغرب وكانت امريكا تنتمي للمغرب وروسيا إلى الجزائر، ربما كان هذا الإشعاع على خلفية حرب الرمال بالصحراء الشرقية مع الجزائر، فالناس عندنا لم تسافر لتعرف العالم وكانت حدودنا الجغرافية في السفر، يعني اقصاها كان فاس أومكناس والذين زاروا هذه المدن في ذلك الوقت خصوصا اواخر الستينات زاروهما بسبب سجن ذويهم (هنا اتكلم عن سكان مجال أغبال حتى لا يساء فهمي) او لاسباب إدارية أخرى، كنا مجاليا نتبع فاس ثم مع بداية السبعينات نتبع مكناس . لم تكن سجون مركزية بمنطقتنا لأن الجريمة بمعيارنا في ذلك الوقت غير موجودة، كان أي لص في منطقتنا إذا ضبط كانوا يشبعونه ضربا قد يصل إلى القتل، وانا بكل صدق في طفولتي اتذكر آخر لص قتل بمنطقتنا في مجال أغبال، كان شخصا قد أتى على قطيع كامل من الغنم أثناء الليل ودخل به الغابة، ونادى صاحب الغنم في الناس بوجود لصوص وأن يقوموا معه ب"تاحياحت" وهي عملية بحث جماعية (تعبئة الناس في عملية البحث عن شيء، ونستعمل هذا المصطلح كثيرا في صيد الخنازر التي هي أيضا عملية صيد جماعية) وحدث ان احدهم كان يملك بندقية وصل إلى اللص، ويقول انه وجدهم اثنان او ثلاثة وليس لصا واحدا ولما كلمهم ان يتركو القطيع، عاند الشخص الذي كان في مرمى بندقيته بينما تخفى الآخران فلم يكن بد إلا أن رماه فهرب المتخفيين وتركوه ساقطا وهذه كانت اول عملية قتل تدوولت بين أهالي المنطقة واحدثت جدلا قانونيا بينهم بين من يبيح ذلك كما هي العادة قبل توغل النظام المركزي وبين من يعتقد بأن العملية لم يكن عليها أن تصل إلى القتل ولا أذكر من القصة سوى أن القاتل حكم بخمس سنوات سجنا وأودع في سجن بمكناس وان أهاليه ثضامنوا معه في دفع "الدية".
كانت تامزوزرت تبدو كشأن ذاتي محلي من خلال النسوج والدلالات المستعملة المحلية لكنها كما هو معروف تقليد يوجد في كل المغرب، وبغض النظر عن ذلك ففي الامازيغية مرتبطة بشكل عام بنمط العيش فهي من فعل "إزوزر" الذي يعني عملية فرز الحبوب من التبن أثناء عملية الدرس وفي الكلام كما أشرنا هي عملية فرز المقصود من نسق الكلام المشفر. ويبدو المثل هذا الذي أتذكره مثيرا لطريقة تصور جدي نسج الحجاية تماهيا مع نمطنا في العيش، عملية إسقاط نمط كامل من السلوك إلى مائدة المنزل:
غراف كيكوز الطويل إلى جانب كؤوس الشاي وقطع الخبز والبراد فوق المائدة، حول هذه الصورة إلى راعي ومواشي(كؤوس) والمائدة حولها إلى مرعى.
"كيكوز" حليب أطفال كانت تقدمه الصيدلية المغربية للمواليد (مستشفى مناجم جبل عوام مثلا كان يقدم دزينة كاملة من هذا الحليب أيام الرغد العوامي للمواليد الجدد) (أوف! زمن الحقبة الفرنسية وما تلاها من سنوات الإستقلال)
"سبعة أحزمة"، دلالة تشير إلى سرائر الإيناء والحزام يرتبط عادة بلباس الراعي يلصق به لوازمه من اكل وسكين واشياء أخرى، أما رقم سبعة فلا أعتقد شخصيا أن لها رمز رقم سبعة في الديانات أو أي رمزية أخرى، أعتقد ان جدي هذا عد فقط احزمة "غراف كيكوز"، وإن كان للامر علاقة في ثقافة هولاندا فعند جدي كانت عملية حسابية لتسهيل حل الشفرة.

قلت كانت "تامزوزرت" طقسا لطلب المطر وأيضا كانت الحدوثة والنكتة طقسا لطلب الأجواء الصحوة والشمس بشكل كنا نمتنع عن النكت والقصص زمن الجفاف ونحبب "تامزوزرت" طلبا للمطر والعكس بالعكس، وهنا انقل المسألة كما عايشتها وليس بصدد بحث انتروبولوجي في المسألة، كان للأمر علاقة بالمخيال الجمعي وكثيرا ما نسمع احدا يقول: "ادجاثاخ سغ ثمزوزار لاحقاش للا تكان أنزار" (دعونا من الحجايات لأنها تأتي بالمطر).
كانت الثلوج عادة ما تكون تأتي بمرض داء الكلب، ويبدو ان الأمر قضي عليه في الآونة الاخيرة، وربما الاجيال الحديثة لا تعرف عنه شيئا وإن في منتصف التسعينات من القرن الماضي سجلت حادثة لها علاقة بداء الكلب بمجال اغبال نفسه، وكادت ان تتحول إلى كارثة لولا ألطاف الطب الحديث:
"كان الناس يتكلمون عن إصابة شخص بمجال أغبال بالجنون والهلوسة (لا احب ان أذكر هنا القرية تحديدا) وعوض أن يذهبوا به إلى المستشفى إلتجأوا به إلى فقيه لأجل الرقية، هناك عرف شفهي في منطقتنا يقول:" المجانين، المصابون بمس جني لا يتلاءم شفاؤهم بالحقن والأدوية العصرية"، والحقيقة ان سوء تشخيص مرض ما ووضع ادوية له قد تكون له عواقب مؤلمة عوض التعافي، هذا على الأقل ما ينصح به الأطباء حين يلحون على عدم تناول دواء شخص فقط لأن الأعراض تتشابه فقد تتشابه الأعراض لكن المرض مختلف. كانوا يقولون في قريتنا: "الجن لا يحب الإبر او الحقن" ولذلك كان كلما أصيب أحد بمرض غير معروف ودخل في الهلوسة اعتقدوا انه مس جنوني، وإذا حدث ان نقلوه إلى مستشفى وحقن بسبب تشخيص خاطئ وتزداد هلوسته اعتقدوا أيضا أنه مس جنوني وهذا ما حدث بمجال أغبال.. عوض حمله للمستشفى اتوا بفقيه خبير في علوم الجن لكي يعصره (والحال ان المقصود بالعصر هو الصرع الذي هو في المخيال الجمعي عندنا هو مس جنوني)، لم يشفى، وبدأت حالته تزداد تدهورا، بعد أيام قليلة أصيب الفقيه نفسه بنفس الهلوسة، عندما حملوا المريض إلى المستشفى بمدينة اخنيفرة وضعوه في الإنعاش ومنعوا عنه الزيارة، اكثر من ذلك طلبت إدارة المستشفى ان يأتي كل أفراد أسرته لعمل التحليلات الطبية، ولما علموا بأن فقيها "عصره" (المقصود صرعه) اتخذوا إجراءات إحضاره هو الآخر للمستشفى ليجدوا أنه هو الآخر مصاب بداء الكلب (ملاحظة: العصرة أو الصرعة،هي طريقة فقهية لإخراج الجن من جسد إنسان وتتم بأن يدخل الفقيه ظفره بين ظفر المريض ولحم أصبعه وهو يقرا شيئا مبهما ومن حين لآخر يسأل الفقيه الجن المحتمل بأن يخرج والمريض يرد بهلوسته إلى أن تتحدد شروط يترجمها الفقيه للناس وغالبا ما تكون في سبيل أكلة دسمة: ذبح الديك كذا أو ذبح الخروف كذا بمواصفات الجن على لسان المريض والفقيه المترجم وغالبا كان يختار من الدواجن ما تشتهيه أريحة الفقيه نفسه).
داء الكلب كان مقرونا بالثلوج بمجال أغبال وتؤرخ له أغنية لحادة أوعكي وبناصر أوخويا، في أغنية رومنسية غريبة تربط الموت بالحب والهلوسة، في بداية ومنتصف السبعينات عندما ظهرت الإذاعة الوطنية وظهرت فيها الأقسام الامازيغية: تاريفيت، تمازيغت، تاسوسيت، وكانت حصتنا تبدأ من الرابعة مساء حتى الثامنة (كان لكل منهم حصة بمقدار أربع ساعات على ما أتذكر، تبدأ بتاريفيت ثم تامازيغت ثم تاسوسيت)، في عهد الحسن الثاني كان زمن الامازيغية بلهجاتها الثلاث بشكل عام هو 12 ساعة متفرقة بالتساوي بينهما، وكان قسم الامازيغية يذيع وقتها أغنية حادة أوعكي هذه ويقدمها كنجمة بالأطلس المتوسط :
"مشاون يوذر واشال أيمانو
أذيكشم إيسظ اذاريخ عاري"
عندما يغطيك التراب ياحبيبي
سيدخلني السعر(داء الكلب)، سأتيه في الغابات!
في ذلك الوقت كنا نسمع هذه الأغنية من كل جنب، كانت البنات بالخصوص(أقصد هنا غير المتزوجات، الفتيات) راعيات غنم اومعز او في حطب، كنا لا نراهن لكن صدى صوتهن ينبع من هنا وهناك في شكل تبادل أدوار او حتى إن شئتم حوار متمدد مع صدى الغابات والجبال، حوار شعري مع إعادة ترديد اللازمة أعلاه، وعموما وإن كنت اتذكر هذه الأغنية شخصيا فلا يعني الأمر أنها الوحيدة التي كانت تغنى بل يمكن اعتبارها في تلك اللحظة التي أتذكرها الآن هي الأغنية الموضة حينها التي بسبب من تكرارها في الراديو أخذت هذا الإشعاع، وأكثر من هذا وإن ركزت على الصوت النسائي حينذاك فلأنه كان الصوت المفضل إلي، وهذا يعني أن الذكور ايضا كانوا يمددون صياحهم في ذلك الفضاء البدوي الجميل برغم قساوته، كانت اصواتهم قوية بحيث تسمع على بعد اميال وأعتقد أنه حتى الآن ترسخ هذا فينا أو في ذوقنا، الفنانة أو الفنان الجيد عندنا ليس فقط في عذوبة صوته (ها) وادائه (ها) بل في قدرته(ها) أن يكون له أو لها صوت قوي. كانت الأصوات تدخل في نمط عيشنا أيضا خصوصا في ردع المواشي عن دخول الزرع او في استعمالها أثناء عملية الدرس بحيث يكون مؤثرا على الدواب وكذالك كان الصياح يستعمل في التواصل والإخبار بين الناس عن بعد وأيضا أثناء الحصاد كانوا يغنون بصوت مرتفع قد يصل إلى تبادل أو حوار غنائي مع فرق أخرى في حقول أخرى..
كان داء الكلب يعالج بطريقة ما ولا أتذكر هل كان علاجا كافيا أم هو علاج وقائي او ربما له أثر في بداية المرض، أو ليس بالمرة علاج، فأغلب الكلاب المصابة نقتلها، كان الناس يلجأون أو يستدعون شخص معين معروف برقية خاصة كانوا يسمونه "أشرعي" وهي ضرب الخط في الطحين أو وضع ريقه في الطحين لا اتذكر ماهي العملية بالتحديد وإن كنت اميل إلى مسألة وضع الريق في الطحين، أميل إلى هذا بسبب حوار كان بيننا نحن تلامذة الثانوي أثناء بداية قراءة أبجديات البيولوجيا، كنا نتساءل كيف ل"أشرعي" أن يقي من داء الكلب وكان رد أحد الأصدقاء بأن في ريقه انتيبيو(مضاد حيوي).. كل ما أتذكره هو ان هذا كان أعطية ربانية لأحد الأولياء الصالحين وان سلالاته ورثتها جينيا (هم أبناء ينحدرون من الولي الصالح "مولاي بوعزة) كما اتذكر أيضا أن الكلاب نفسها لها حس خاص تجاه هذا المرض، او هكذا حكت لي والدتي ذات يوم عن احد كلابنا المصابة، قالت بأنه هجرنا وأذى كلابا أخرى في دوار آخر بعيدا عنا وقتل هناك وان الكلاب لها حاسة استشعارية فيما بينها بحيث تعرف الكلب المصاب وتتجنبه.
نوع الكلاب التي كانت لدينا هي الكلاب الأصلية جنس "أيدي" (Aidi) كما تحدد بعض القواميس الفرنسية، "أيدي: الكلاب التي تقطن الأطلس بشمال إفريقيا" (تعريفه بأحد القواميس اللغوية الفرنسية وكذا في البيبيديا الإلكترونية).
أسماء الكلاب عندنا كانت غريبة جدا إلى اجيالنا الحالية، كانت أسماء أمازيغية محضة قبل أن تظهر الأسماء المفرنسة للكلاب التي يضعونها الآن والتي لم تعد فقط تتلقى الأوامر في عملية الترويض بالأمازيغية أو العربية المغربية بل باللغة الفرنسية أيضا، يعني هي الأخرى تعلمت اللغة الفرنسية اكثر من لغة الشعب، اتذكر من أسمائها بعضها فقط: سوسان، بوزكزة، عراش بشد الراء، موزون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع