الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن نعيش بالفعل داخل طفرة حضارية إنسانية ؟

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا

(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

2022 / 2 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يحدثنا علم الأحياء أن هناك طفرات تحدث للكائنات الحية ينتج عنها تغيرات فى الأجيال التالية وقد تكون تلك الطفرات مفيدة أو ضارة وأيضا تأتى بعض الطفرات محايدة بلا فائدة أو ضرر، وإذا قسنا ذلك على الحضارات الإنسانية فهناك أيضا طفرات جاءت بحضارات غيرت وما تزال تغير وجه الإنسانية ومن بينها حضارات العراق ومصر والشام والأمازيغ والهند وبلاد فارس والصين ، ولكن الحضارة التى جاءت مع الرومان والعرب كان لها شأن كبير أيضا لإنها غيرت وجه العالم المعرفى بل يعتبر بعض المفكرين الغربيين أن الحضارة الغربية المستمرة منذ الإغريق والرومان ما تزال مستمرة إلى اليوم فى تطورها وأصبحت الآن عالمية مع تطورات العولمة الحديثة. لقد كانت الطفرات الحضارية إن صح التعبير تأخذ قرونا حتى تتطور معارف الإنسان وطرق تفكيره وتفاعله مع الأشياء من خلالها ، ولكن مع مطلع القرن التاسع عشر بدأت أكبر طفرة إنسانية بعد قرون من التقدم البطئ فكانت الطفرة العلمية الفلسفية الصناعية غير مسبوقة حيث تفاعلت الفلسفة والتفكير المنطقى مع العلم مع الصناعة ليخطو الإنسان أولى الخطوات فى تسخير الأرض وما عليها لصالحه بلا حدود أو عوائق وبالتالى ظهرت الثورة الصناعية وظهر عمالقة الفكر الحديث ثم استولى العلم على زمام تلك الطفرة وتربع على العرش مطلع القرن العشرين .
بالمقارنة هل لاحظت ما حدث للعالم مطلع التسعينيات من القرن العشرين ؟ هل ما حدث للعالم شئ طبيعى ؟ هل انتشار المعرفة والتكنولوجيا بتلك الطريقة المذهلة شئ عادى مقارنة بما كان يحدث سابقا ؟ ، لا شك أن ما يحدث للعالم بكل المقاييس هو بداية طفرة حضارية ، حيث استطاع العالم ولأول مرة فى التاريخ أن يتصل بعضه البعض ، ليس على مستوى الحكومات وعبر الغزو والحروب كما كان يحدث سابقا بل عبر تفاعل وصل إلى مستوى الأفراد والأشخاص حول العالم ، لقد أصبح أكثر من ثلثى العالم الآن مندمجون فى وسائل تعارف ومنخرطون فى معرفة علمية وتكنولوجية بل وثقافية واجتماعية ويتفاعلون فيما بينهم بطريقة غير مسبوقة ربما تكون غير محسوبة وغير مقدرة وغير معروف نتائجها المستقبلية ولكنها تتقدم وتتطور بتسارع رهيب تقوده التكنولوجيا. إن ما يحدث فى العالم منذ دخول الانترنت والفضائيات وتحرير الاتصالات مطلع التسعينيات غير مسبوق لإنه اختصر وقت التفاعل الحضارى ليكون سنوات بدلا من قرون وعقود كما كان يحدث سابقا. إن ما خلده الفراعنة والبابليون والسومريون والفرس والصينيون والهنود والرومان فى قرون أصبحنا نخلده الآن كأفراد ومجتمعات بكتب الكترونية ومقالات وبوستات وصور وفيديوهات نسجلها ونحفظها ونتبادلها بيننا بسرعة تقاس بكسور الثانية وليس بالثانية وهو ما كان حلما بشريا بل كان يوما ما قدرة إلهية فوق مستوى البشر أن نسجل كل ما يحدث لنا ونراقب العالم من أعلى بأقمار صناعية تحدد مكان تواجدنا على الأرض وتبين تحركاتنا وأعمالنا وهواياتنا وطبائعنا النفسية والمجتمعية والتعليمية والأسرية والثقافية بل وتصل إلى الخريطة الجينية للكائنات الحية قبل الوصول للخريطة الفضائية العالمية والقمر والمريخ.
إننا بالفعل فى طفرة حضارية إنسانية غير مسبوقة يعتبرها البعض تتسم بالتفاهة الثقافية ولكنها تتصف بصورة أكبر بالتطور التكنولوجى غير المسبوق الذى سخر لنا كل ما فى الأرض وجعلنا نعرف الكثير حتى عن الأمراض التى كان يعانى منها الآباء ، فجائحة كورونا التى نعتبرها قاهرة الإنسان الآن لو أنها جاءت منذ قرنين مثلا لأخذت معها ثلث سكان الأرض لولا المعرفة العلمية التى استطاعت أن تحدد المرض وأسبابه وطريقة تجنبه بل وطريقة الوقاية والعلاج عبر أجهزة دقيقة تقيس كل شئ تقريبا بطريقة آلية تكنولوجية. إن الطفرة الحضارية الجديدة التى بدأت منذ ثلاثين عاما شاركت فيها دول استطاعت قراءة المستقبل وما سيحدث فيه فاستثمرت فى تلك الطفرة الحضارية كما حدث فى معظم دول العالم الغربى التى بدأت تلك الطفرة الحضارية وفى دول شرق ووسط آسيا مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وسنغافورة وفيتنام وماليزيا وتايلاند وحتى فى بعض دول الشرق الأوسط مثل الإمارات وإسرائيل وتركيا.
قد يرى البعض منا أننا تخلفنا كثيرا ولكن ما يزال الطريق ممهدا وصالحا وممكنا للمشاركة فى تلك الحضارة لإنها حضارة سريعة الدخول والخروج أيضا ويمكننا بسهولة اللحاق بها خلال سنوات قليلة إذا كانت لدينا العزيمة والانفتاح العقلى على العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و