الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 21

رياض عبد الحميد الطائي
كاتب

(Riyad A. Al-taii)

2022 / 2 / 4
دراسات وابحاث قانونية


ـ تأثير الجينات الوراثية في سلوك الانسان شيء علمي ومؤكد ، وان الصفات العدوانية تنتقل عبر الجينات كما هي الصفات السلمية ، بعض ملامح هذه العدوانية تظهر على الانسان منذ طفولته وبعضها تظهر في مرحلة المراهقة ، صفة العدوانية تخضع لقوانين الوراثة كما هو الحال في الصفات الاخرى كلون البشرة ولون العيون والشعر ، الجينات الوراثية تتحكم في طريقة تشكيل مادة الجسم لتصنع الملامح والصفات الظاهرية ، وتتحكم ايضا في كيمياء الجسم من خلال التأثير على افرازات الغدد في جسم الانسان لتتحول الى سلوك لا ارادي وردود افعال تلقائية ، وهكذا تتم صناعة السلوك الموروث ، هناك اشخاص تظهر ملامح الشر والعدوانية على وجوههم فكأنهم خلقوا ليكونوا أشرار ، وهناك اشخاص تظهر ملامح الطيبة والوداعة على وجوههم فكأنهم خلقوا ليكونوا أخيار ، هذه السمات والملامح والسلوكيات من صنع الجينات المنقولة عن الاجداد فالاباء الى الابناء فالاحفاد ، نحن لم نحصل على ملامحنا وصفاتنا وخصائصنا بناءا على رغباتنا ، وانما ورثناها وفقا لقوانين الوراثة ، ونحن البشر خاضعون لسلطة قوانين الوراثة شئنا أم أبينا ، قد نستطيع بارادتنا ان نغير جزءا صغيرا مما ورثناه من الصفات استجابة لمتطلبات المعيشة ، او قد تجبرنا ظروف الحياة الصعبة والقاسية على الضغط على بعض الصفات التي ورثناها لكي لا نخسر حياتنا ، ولكن تبقى قوانين جيناتنا الوراثية تفعل فعلها في توجيه سلوكنا وردود افعالنا تلقائيا ، ومن هذا المنطلق يجب ان نركز على معالجة اسباب ودوافع الجريمة في المجتمع حتى نمنع ظهور الجريمة ، وان نحيل الخارجين عن القانون الى العلاج النفسي والعقلي للحد من مظاهر الشر والعدوانية ، رغم ان الجينات الوراثية المعيوبة لا يمكن اصلاحها او معالجتها ولكن يمكن تحجيمها والحد من تأثيرها في اطار قوانين عادلة ورادعة صارمة
ـ العوامل الوراثية لها تأثير على كيمياء الجسم من خلال التحكم بالفعاليات الخاصة بالغدد التي تفرز الهورمونات والانزيمات داخل مجرى الدم لينتقل تأثيرها الى الدماغ فتتحول الى ردود افعال او سلوك ، اي ان اضطرابات السلوك انما هي تعبير عن اضطرابات الغدد وهذه ناجمة عن خلل او عيوب في الجينات الوراثية , ولذلك نقول ان سلوك الانسان وتصرفاته تخضع لكيمياء جسمه ، بدليل ان الانسان عندما يتناول مؤثرات كيميائية ذات مواصفات معينة فان تصرفاته تتغير سلبا او ايجابا حسب نوع المؤثرات الكيميائية التي تناولها ، الى ان ينتهي مفعول هذه المؤثرات في جسمه ليعود الانسان الى تصرفاته السابقة وفقا لقوانين جيناته الوراثية ، كما ان سلوك الانسان وقراراته عندما يكون مريضا يختلف عن سلوكه وقراراته عندما يكون بصحة جيدة وهذا دليل على ارتباط السلوك بكيمياء الجسم
ـ سلوك الانسان او افعاله هي المعيار الحقيقي لمحتواه الاخلاقي او الثقافي ، الانسان يقيّم بسلوكه وافعاله لا باقواله ، السلوك نتاج ( قوانين البدن + قوانين المجتمع ) ، قوانين البدن نتاج الجينات الوراثية ، الانسان لا دور له في صنع قوانين بدنه , الحالة البدنية لكل انسان لها دور كبير وبعيد الاثر في صنع شخصيته وتحديد سلوكه ، الحالة البدنية تتمثل في ( الحالة الصحية ، القدرات العقلية وحالة الجهاز العصبي ، الحالة البنائية والهيكلية للبدن من حيث الحجم واللون والمتانة وطريقة التشكيل ) ، فمثلا الطفل الذي يشكو دائما من ضعف حالته الصحية نراه ينزوي بعيدا عن مشاركة اقرانه الاطفال في اللعب ، وهذه الحالة تؤدي به الى الانطواء ومن ثم ضعف الشخصية ، سلامة الجهاز العصبي تمنح الانسان الثقة العالية بالنفس وقوة الشخصية وتحميه من الوقوع في الامراض النفسية , ولكي تعالج الامراض النفسية ويستقيم السلوك ينبغي أولا معالجة منظومات البدن وخاصة المنظومة العقلية والعصبية ، فالاعصاب المنهكة تصنع نفوس سقيمة , والنفوس السقيمة تصاب بسهولة بالامراض النفسية , والامراض النفسية تنتج سلوكيات منحرفة قد تؤدي الى الاجرام اذا توفر الاستعداد الفطري الوراثي , اننا نعتقد ان مسؤولية الانسان عن تصرفاته ليست مطلقة لان الانسان يتحمل المسؤولية نسبة الى قدراته العقلية والنفسية التي أتاحتها له جيناته الوراثية وبيئته الاجتماعية والجغرافية , سلوك الانسان حتى وان كان نابعا من ارادته فان جيناته الوراثية تفعل فعلها في رسم معالم سلوكه او ردود افعاله الى جانب المؤثرات البيئية , فالجينات الوراثية يحملها الانسان في بدنه منذ ولادته وحتى مماته بكل عيوبها واشكالاتها كميراث له من أجداده ولا خيار له فيها وهي عامل مؤثر في توجيه سلوكه وتصرفاته , ولكن يمكن تشجيع الانسان باساليب عديدة على تنمية الصفات الايجابية في شخصيته ونبذ الصفات السلبية ، ومن الجدير بالذكر ان الكثير من الصفات الشخصية للانسان الايجابية اوالسلبية مثل الذكاء او الغباء , الشجاعة اوالجبن , الحرص او الاهمال , الشعور بالمسؤولية اواللامبالاة وغيرها من الصفات الشخصية التي تنعكس في السلوكيات انما هي تحت سيطرة وتحكم الجينات الوراثية للانسان ، وان الانسان يحملها ولكنه غير مسؤول عنها, كما ان المواد الكيميائية الطبيعية او الصناعية التي يتناولها الانسان كغذاء او دواء لها تأثير مؤقت على سلوكه وتصرفاته ايجابا او سلبا لانها تؤثر على النظام الكيميائي لبدنه لفترة زمنية محددة الا اذا أدمن عليها وخاصة الادمان على المؤثرات العقلية حينئذ تسبب تغييرا في النظام الكيميائي لبدنه , هذا وان الجينات الوراثية التي اكتسبها الانسان من والديه نقلا عن أجداده انما هي في جذورها البعيدة نتاج البيئة الاجتماعية والطبيعية التي عاش فيها الاجداد فمنحتهم تلك البيئة صفات وطباع بموجب قوانينها فاصبحوا ملزمين ومقيدين بها وأورثوها ابنائهم واحفادهم , وفي حالة حصول تعارض او تناقض بين قوانين البدن وقوانين المجتمع فان الانسان سيواجه موقفا صعبا للتصرف قد يدفعه الى الازدواجية او النفاق لغرض الموازنة بين قوانين بدنه وبين قوانين مجتمعه وظروف بيئته , وبالتأكيد تتأثر خيارات الانسان وقراراته بهذه العوامل مجتمعة , فالانسان يتمتع بحرية الاختيار ولكن حريته مقيدة بعوامل داخلية وخارجية : العوامل الداخلية تتعلق بقوانين جيناته الوراثية ، والعوامل الخارجية تتمثل في مؤثرات بيئته الاجتماعية ( حيث القيم والمعتقدات السائدة في المجتمع ) وتجاربه الشخصية القاسية والامراض والتحديات التي مر بها خلال حياته , واخيرا مؤثرات بيئته الجغرافية ( حيث المناخ والتضاريس ) ، ان الخصائص الجغرافية لأي بيئة طبيعية على الارض وفي الجو تترك آثارها وملامحها على طريقة معيشة البشر الذين يحيون فيها ونمط تفكيرهم وبالتالي على طبيعة الثقافة السائدة بينهم بقيمها واعرافها ، ومعلوم ان معالم البيئة الطبيعية تتغير بشكل دائم مع الزمن ومع تطور حضارة الانسان لتنعكس على انماط معيشته ، وبالتالي فان الانماط السلوكية العامة والثقافة العامة في المجتمعات يجب ان تخضع لمنطق التغيير باستمرار ، وهذا ما يستوجب تطوير وتحديث النظام الاجتماعي بشكل دائم
ـ سلوك الانسان يكون نتاج تفاعلات ثلاثة عوامل لها تأثير كبير على قراراته وخياراته وهي :
1 ) العامل الوراثي : ويتمثل في الانماط السلوكية التي ورثها الانسان من والديه والتي تظهر على شكل أفعال أو ردود أفعال تلقائية لا ارادية مماثلة للانماط الموروثة
2 ) العوامل الذاتية : وهي عوامل مكتسبة وتتمثل في الانماط السلوكية التي اكتسبها الانسان من تجاربه الشخصية ومعاناته ومن التحديات التي واجهته في حياته ، وحتى الامراض التي أصيب بها خلال حياته والتي تركت آثارها على قدراته البدنية او العقلية أو النفسية ، ومن الطبيعي ان الزمن يلعب دورا في احداث تغيير في السلوك الشخصي للانسان بحكم كبر السن وتوسع الخبرة في الحياة ، هذه العوامل كلها تعتبر تجارب ذاتية عميقة تسهم في رسم معالم شخصية الانسان وفي صنع سلوكياته ويورثها كأنماط سلوكية الى ابنائه فأحفاده
3 ) العوامل الموضوعية : وهي عوامل مكتسبة وتتمثل في الانماط السلوكية التي اكتسبها الانسان من خلال اساليب التربية التي تلقاها من أسرته منذ طفولته ، ومن نمط الثقافة العامة السائدة في مجتمعه والتي تنعكس لا اراديا في سلوكه ، وتشمل هذه العوامل طبيعة القيم والاعراف والمفاهيم الاخلاقية التي اكتسبها الانسان من أسرته ومن مجتمعه ، هذه القيم والمفاهيم هي انعكاس لطبيعة المعتقدات والاعراف الاجتماعية او الثقافة السائدة في المجتمع ، وانعكاس لطبيعة الظروف المعيشية والاقتصادية والاوضاع السياسية في المجتمع , وكذلك هي انعكاس للاحداث التاريخية الماضية التي مر بها المجتمع والتي تركت رواسبها في اعماق الوجدان الجمعي , وكذلك هي انعكاس لعوامل البيئة الطبيعية المحيطة بالانسان وتشمل العوامل الجغرافية كالمؤثرات المناخية ( الحرارة ، وكمية اشعة الشمس اليومية ، والرطوبة ، والغبار ، والضغط الجوي ) من حيث الكمية والنوعية وطبيعة التضاريس والمياه والغطاء النباتي للارض التي يحيا عليها الانسان والتي تؤثر جميعها تأثيرا مباشرا على الحالة النفسية او المزاج العام وبالتالي على نمط سلوك الافراد ، وتسهم في صنع وتشكيل النمط السلوكي العام لافراد المجتمع او ما يسمى بالسلوك الجمعي ، ومن هذا المنطلق فانه ليس من العدل معاقبة الانسان المنحرف بعقوبة الموت عن تصرفاته المنحرفة الناجمة عن جينات معيوبة يحملها ميراثا من والديه او عن بيئة اجتماعية يتحكم بها نظام اجتماعي غير صالح , وبرأينا ان عقوبة الاعدام مهما كانت اسبابها ومبرراتها تعتبر عقوبة ظالمة وانتهاك لحقوق الانسان , ويمكن الاستعاضة عنها بوسائل عقاب او ردع مناسبة , الا في الظروف الامنية شديدة الخطورة التي قد يمر بها المجتمع وعندها يجوز تشريع عقوبة الاعدام ولفترة محددة تنتهي بزوال تلك الظروف وهذه تترك لتقديرات رجال الدولة الذين يتحملون مسؤولية ادارة الدولة ، واذا كان البعض يعتقد بان الغاء عقوبة الاعدام سيشجع على الاجرام فان رأينا هو ان الانسان المجرم او المنحرف هو انسان مريض وليس بحالة طبيعية , وان العلاج خير من العقاب , فمعالجة الاسباب الحقيقية للانحراف من الناحية الاجتماعية والطبية هو الاسلوب الصحيح في التعامل مع مشكلة الانحراف والاجرام , ان التدخل الطبي لمعالجة عيوب او اشكالات الجينات الوراثية وتصحيحها يسهم كثيرا في تحسين سلوك الانسان المنحرف ، وتقع على عاتق العلم مهمة انسانية عظيمة في ان يطور ابحاثه في مجال اصلاح الجينات الوراثية المعيوبة
ـ هناك نظرية في تفسير السلوك تقول بان الانسان يولد خاليا من نوازع الخير او الشر ، وان الخير او الشر انما يكتسبه الانسان من مجتمعه ، نحن نرى بان هذه النظرية غير واقعية وغير علمية ، لان وجود مجتمع غير صالح لا يعني ان جميع افراد المجتمع غير صالحين ، نرى ان نوازع الخير اوالشر تولد مع الانسان فيحملها كما يحمل جيناته الوراثية بغض النظر عن طبيعة المجتمع ، الصفات الخيرة والشريرة تخضع لقوانين الوراثة ، فالشر نتاج خلل نفسي او عقلي ينتقل عبر الجينات الوراثية ، كما ان الخير نتاج حالة سليمة نفسيا وعقليا ينتقل ايضا عبر الجينات الوراثية ، فالانسان لا يمكن ان يكون شرير وعدواني اذا كان هو في الاساس بحالة سليمة نفسيا وعقليا ، ونذكر بان سلوك الانسان ليس فقط نتاج جيناته الوراثية ، فهناك عوامل اخرى تدخل لاحقا بعد الولادة للتأثير على سلوك الانسان مثل الظروف الصحية والمعيشية التي مر بها الشخص ، وكذلك طبيعة المجتمع او البيئة الاجتماعية المحيطة بالشخص
يتبع الجزء / 22








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط