الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المال العام ودعاوى مجهولية المالك

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يقصد بالمال العام قانونا : كل مال مملوك للدولة ، بوسيلة قانونية مشروعة, سواء كان هذا المال عقاراً أم منقولاً ، وتم تخصيصه لتحقيق المنفعة العامة بموجب قانون أو نظام أو قرار أداري صادر عن جهة حكومية مختصة. واعتبر المشرّع العراقي في القانون المدني العراقي رقم ( 40 ) لسنة 1951 في المادة (71) , العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون, أموالا عامة. وقد نصت المادة (27) من الدستور العراقي لعام 2005 على أن للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن، وتنظم بقانون الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإدارتها وشروط التصرّف فيها والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال.وهي بهذه الصفة أمولا معلومة المالك , ومالكها الدولة الممثلة بحكومتها الشرعية المخولة وحدها بحق التصرف بها لخدمة الشعب بموجب القوانين النافدة , ولا يجوز لكائن من يكون مصادرة أي منها أو التصرف بها لمنفعة شخصية تحت أية ذريعة كانت.
شهد العراق في أعقاب غزوه وإحتلاله في عام 2003 عملية نهب وسلب واسعة تحت مرأى ومسمع القوات الأمريكية الغازية لممتلكات مؤسسات الدولة المختلفة طالت كل شيئ فيها من وثائق ومستمسكات وأجهزة ومعدات وكتب نادرة ومخطوطات ثمينة وقطع أثرية نادرة لا تقدر بثمن ,كونها تمثل كنوزا أثرية توثق تاريخ العراق التليد , لتجعل منها بين ليلة وضحاها مبان صماء جرداء خاوية. وكأنها أرادت بذلك محو ذاكرة العراق التاريخية الحضارية الممتدة جذورها عبر آلاف السنين في أرض العراق .. أرض الخير والعطاء , ليصبح بلدا بلا هوية فاقدا للذاكرة, وباحثا عن لقمة العيش وطالبا للآمان في أرض الله الواسعة , بعد أن كان عزيزا شامخا في وطنه بين أهله وناسه .
ولم تتوقف عمليات السلب والنهب عند هذا الحد , بل إمتدت للإستيلاء على ممتلكات وعقارات الدولة من قبل كبار من آلت إليهم مقاليد السلطة , ليجعلوا منها مقار لأحزابهم وتنظيماتهم السياسية , أو مساكن لهم ولحماياتهم وأعوانهم وكأنها ملك صرف لهم , بدعوى أنها أمولا مجهولة المالك , وهي بهذه الصفة تصبح من وجهة نظرهم ,حقا مشروعا للإستيلاء عليها والتصرف بها وكأنها أمولا وممتلكات خاصة لهم, بموجب فتاوى بعض شياطين الدين . ولإضفاء بعض اوجه الورع والتقوى الزائفة,يتم تبيض هذه الأموال والممتلكات المنهوبة , عبرتخمسيها أي دفع خمسها إلى اعوانهم وشركائهم أصحاب هذه الفتاوى ومرويجيها. بينما يعرف القاصي والداني أن المال العام والثروات الطبيعية في باطن الأرض وخارجها والممتلكات العامة جميعها ليست ممتلكات مجهولة المالك , بل ممتلكات الدولة التي لا يحق لغير حكومتها الشرعية التصرف بها على وفق القوانين والتشريعات النافدة لأغراض المصلحة العامة . ولعل خير شاهد ودليل على حرمة المال العام وعدم جواز التصرف به لأغراض شخصية من قبل كائن من يكون سيرة الإمام الخالد علي بن أبي طالب ( ع) , وحرصه الشديد على حفظ المال العام وعدم التصرف به في غير أغراضه الشرعية , بما فيهم أهل بيته وكبارالصحابة.
وبالرجوع إلى فتوى المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السستاني المنشورة عبر موقعه على شبكة الإنترنت , التي يبين فيها بوضوح حرمة المال العام , وعدم جواز التصرف به لأغراض شخصية تحت أية ذريعة , إذ لا يجيز التصرف في أموال الدولة إلا إذا حصل عليها بالطرق القانونية المرعية ,وبغير ذلك فلا يجيز التصرف فيها نهائياً فالسرقة والإختلاس والخدعة وأمثالها اساليب لا يجيزها بالنسبة لأموال الدولة بتاتا . ويمكن الرجوع إلى بعض الإستفسارات الموجه لسماحته والمنشورة في موقعه, وفي أدناه نماذج قليلة منها :
س | هل يجوز التصرف في ممتلكات الدوائر الحكومية ؟.
الجواب | لا يجوز التصرف في ممتلكات الدولة الا باذن الجهة المسؤولة عن ذلك بحسب القانون.
س | هل يجوز الاستفادة من الاجهزة التي بذمتي والعائدة الى الدولة لاغراض شخصية مع عدم الاضرار بها ؟.
الجواب: لا يجوز.
س| ما هو حكم الأموال مجهولة الملكية , وهل هناك اذن من سماحتكم بالأخذ منها ؟.
الجواب | لا اذن بذلك.
وتتناقل بعض وسائل الإعلام أن الحكومة العراقية تسعى إلى إسترداد الأموال العراقية المنهوبة والمهربة إلى خارج العراق , وتصرف أمولا طائلة بعقد مؤتمرات لهذا الغرض , وهي تعلم جيدا أن هذه المؤتمرات لا تقدم شيئا أبدا , حيث لا تمتلك الحكومة العراقية وسائل إستردادها . وكان الأجدى إن كانت جادة حقا بإستردادها من سارقيها الذين ما زالوا يصولون ويجولون في العراق ويتبؤ بعضهم مناصب حكومية رفيعة في الدولة, لا بل أن بعضهم يصرح جهارا نهارا عبر وسائل الإعلام بأنهم لصوص وحرامية سرقوا المال العام . كما يؤكد آخرون أنه لا يمكن محاسبة هؤلاء الفاسدين سارقي المال العام كونهم جميعا من الطبقة السياسية التي تحكم البلاد , أي بإختصار أنهم كما يقول المثل الشعبي العراقي المتداول " حاميها حراميها ". وعلى أية حال يفترض قيم الحكومة بأقل تقدير , تفعيل أجهزتها الرقابية, بدءا بديوان الرقابة المالية الذي تمتد خبرته لأكثر من نصف قرن , وهيئة النزاهة المستحدثة من قبل سلطة الأتلاف عام 2003 , ودوائر المفتشيين العموميين الموجودون في ديوان كل وزارة , وقانون بيع وتأجير ممتلكات وعقارات الدولة , والإستعانة بمكتب تدقيق دولي لمراجعة وتدقيق صرفيات جميع وزارات ومؤسسات الدولة منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا, والكشف الحقيقي عن ذمم كبار مسؤولي الدولة وعوائلهم وأقاربهم وكل من له صلة بهم قبل توليهم مواقعهم وبعد تركهم لها , دون إستثناء أحدا منهم كائنا من يكون , فالفساد لا يحارب بالأقوال بل الأفعال , فكثيرا ما نسمع جعجعة ولا نرى طحينا , مجالس مكافحة الفساد أو التلويح بالضرب من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام وما شابه ذلك من مسرحيات لغرض الإستهلاك المحلي , دون تحقيق نتائج ذات قيمة حيث ما زال الفساد مستشري في جميع مفاصل الدولة وقطاعات واسعة من المجتمع , بحيث أصبح مفردة من مفردات الحياة اليومية. وأخير نقول أنه لا يمكن إجتثاث الفساد بأدوات فاسدة منغمسة ذاتها بالفساد.
لعل أدق وصف لممتلكات وعقارات الدولة وأمولها المنهوبة دون وجه حق , بأنها ممتلكات وأموالا مملوكة شرعا للدولة الممثلة بأجهزتها التشريعية والقضائية والتنفيذية, ولكنها مغتصبة من قبل ممن يفترض أنهم حراسها وحماتها ,ممن أغوتهم السلطة ليتحولوا لصوصا سراقا للمال العام الذي أؤتمنوا عليه في ظل دولة يصفها دستورها الذين هم أنفسهم قد أعدوه وشرعوه, دولة إسلامية قانونها الأساس الدين الإسلامي الذي يدعو إلى العدل والإنصاف وحرمة المال العام وصيانته , بينما يعيبون على دول كثيرة إبتعادها عن الدين وشرائعه السمحاء , ولكن يلاحظ القاصي والداني أن الدنيا تقوم ولا تقعد إذا ما نشرت أحدى الصحف في تلك الدول , أن وزيرا ما أو مسؤولا رفيع المستوى أو أحد أفراد عائلته أو المقربين منه, قد أستخدم سيارته الحكومية مثلا لغرض شخصي مهما كان بسيطا , يعتذر علنا ويضطر إلى طلب إعفائه من وظيفته. وهذا لا يعني أن هذه الدول خالية من الفساد المالي والإداري , لكنه يعني إتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام ,مهما كان أميرا أو غفيرا ,فالكل سواسية أمام القانون , وهكذا تدار الدول المتحضرة وتحفظ أموالها العامة من العبث وسوء التصرف, إذ لا أحد فوق القانون.والله من وراء القصد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي